نقمة حواء - لينا حداد - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:36 م القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نقمة حواء

نشر فى : الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 12:50 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 3:43 م

توقفت مطولا عند «نقمة حواء» التى تناولها الأستاذ جميل مطر فى مقالته. ولم أستغرب ما قالته السيدات الثلاث. فالنقمة عارمة التى لمستها فى حديثهن، ألمسها فى حياتى اليومية وفى الأوساط المختلفة التى أعيش فيها، نقمة وغضب على كل الموروثات والتقاليد والأعراف، فى الأوساط الريفية كما الحضرية، فى البلدان النامية كما المتقدمة، فى المجتمعات المتدينة والمحافظة كما فى أكثر المجتمعات تحررا. قلما تعرفت على امرأة راضية عن وضعها كأنثى، قد تجد امرأة خانعة ومستسلمة لكنها كذلك إنما لشعورها بالعجز عن تغيير حالها وعن مواجهة هذا الذكر الأقوى جسديا والمحصن بامتيازات منحها لنفسه على مر العصور بتسخير الآلهة والشرائع والأديان من بين أمور عديدة أخرى لمصلحته وتنصيب نفسه قيما عليها.
***
نقمة النساء فى عصرنا هذا ليست وليدة اليوم أو الأمس بل تعود إلى نشأة الخليقة كما صورتها الأديان، تعود إلى ضلع آدم الذى تكونت منه المرأة فأضحت منذ ذلك الحين جزءا منه وتابعة له وليس لها كيان من دونه ولزيادة الطين بلة أُلصقت بها تهمة إغوائه والتسبب بطرده من الجنة. فأضحت مرادفا للخطيئة واختزلت ببعدها الجسدى الذى أضحى كل جزء منه عورة. حتى ميعادها أصبح نجاسة. وهذه هى المبادئ الدينية الأولى التى تُدرس للفتاة فى مجاهلنا، حتى قبل بلوغها، فتستهل حياتها كامرأة مثقلة بعبء الخطيئة والنجاسة وشرف الأسرة المحصور بعفتها.
***
بقيت لعصور طويلة أسيرة دورها كزوجة وأم. ناضلت مطولا لانتزاع حقوقها واستقلاليتها وفرض نفسها رويدا رويدا فى عالم يسيطر عليه الرجل. وقد اضطر هذا الأخير، مرغما لا سيما فى البداية، إلى تقديم بعض التنازلات فسمح للمرأة بمتابعة دراستها ودفع بها إلى سوق العمل لمساعدته فى تحمل أعباء اقتصادية لم يعد فى وسعه الاتيان بها بمفرده. وعلى الرغم من التقدم الذى أحرزته فى مختلف ميادين الحياة، لم تهمد نقمتها وإنما تفاقمت فى العقود الأخيرة مع تزايد المسئوليات الملقاة على كاهلها. إذ أضحى الجميع ينتظر منها أن تعمل وتنجح وتكون زوجة وأما. عليها أن توفق بين كل هذا وأكثر. وهى نفسها رفعت سقف التوقعات التى تنتظرها من ذاتها فلم يعد هناك ما يرضيها. تسعى على الدوام إلى التفوق على نفسها وكأنها تسعى إلى أن تثبت لنفسها وللآخرين أنها تلك المرأة الخارقة التى ما من شىء يقف فى طريقها. تتحدى الرجل فى كل جوانب الحياة ولم تترك مضمارا كان محصورا به إلا ودخلته أو على الأقل حاولت ذلك. لم تعد تعتبره شريكا لها فقد أضحى ندا... حتى الآن على الأقل.
***
كثيرات من قريناتى، وأنا منهن، تتساءلن عن مدى حاجتهن إلى رجل: لمَ أحتاجه؟ لماذا أقحم فى حياتى من يشكل خطرا على استقلاليتى وحريتى ومن قد يمارس ذكوريته على؟
ربما أصبح السبب الوحيد الذى قد يثير خوف المرأة من الرجل هو قوته الجسدية فهو ليس أقوى منها إلا بها.
ورغم ذلك ما زالت غير راضية.
أين الرجل فى كل هذا؟ يتفرج أحيانا. يسخر أحيانا أخرى وتراه يستسلم فى أغلب الأحيان. مقاومته لانعتاق المرأة اضمحلت. سلاح الدين لم يعد ينفع بالمجمل وقيود المجتمع وأعرافه تتفكك. وتكاد قوامة الرجل على المرأة تصبح من الماضى.
ما من شك أن المرأة حققت قفزة نوعية فى العقود الأخيرة ولكنها فى المقابل خسرت الكثير. نعم، لعل أبرز ما خسرته هو السلام الداخلى والقناعة. أضحى القلق ملازما لها فى كل جوانب حياتها. وضعت نفسها فى مواجهة مع الرجل والمجتمع... ومع ذاتها.
***
لا أسعى إلى تصوير الرجل فى دور الجلاد وتجسيد المرأة كضحية. كيف تكون الضحية وهى إن انطلقنا من مبدأ المساواة، تتحمل نصف المسئولية عن تربية الرجل؟ فقد لعبت، عن معرفة أو غير معرفة، فى الوعى أو اللا وعى، دورا فى تنشئة الرجل الذى تصفه بجلادها.
وكيف تكون الضحية وهى تنكل ببنات جنسها بوطأة أشد من الرجل أحيانا؟
ما من ضحية أو جلاد. ما من رابح أو خاسر بل كلنا خاسرون ما لم نعد النظر فى طبيعة العلاقة التى تربطنا كرجل وامرأة ونحدد ما ينتظره أحدنا من الآخر فى ضوء التطورات البالغة السرعة التى بالكاد نحن قادرون على اللحاق بها. وإلا فسنتخبط إلى ما لا نهاية.

التعليقات