التدين الآمن جذور الفقه قبل أصوله (1) - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التدين الآمن جذور الفقه قبل أصوله (1)

نشر فى : الجمعة 20 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 20 أبريل 2012 - 8:00 ص

(1)

 

الدين «وحى إلهى» «وبيان نبوى لهذا الوحى»، فقد أنزل الله القرآن الذى يعرفه كافة المسلمين وغيرهم جامعا لمقومات الدين محددا ضوابط التدين، وضمن سبحانه لهذا الكتاب خلودا ببقائه منقطع النظير محفوظا «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.........» (9) الحجر.

 

محفوظ من التحريف، ومحفوظ من الضياع، ومحفوظ من الغموض، محفوظ من المزاحمة، محفوظ من تشكيك، فقد أنزله الله على محمد (صلى الله عليه وسلم) الذى شهد له كل من حوله أنه لم يمارس قبل الوحى تلاوة ولا كتابة «وما وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ» (48) العنكبوت.

 

وقد تلقى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا الوحى وبلغه بلاغا مبينا جليا مجانيا لكل من يريد، وبقى المسلمون أكثر من قرنين يعايشون القرآن الكريم تحمله ايديهم وتحفظه صدورهم وتعيه قلوبهم وتنشط جوارحهم لإنجاز ما كلفهم به، ولم يسمع أحد من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا من أحد بعده خلال هذين القرنين مصطلح «أصول» ولا مصطلح «ما علم من الدين بالضرورة» وكذلك مصطلحات كثيرة نشأت قرب نهاية القرن الثانى الهجرى، فكيف كان المسلمون يفهمون دينهم ويلتزمون أحكامه ويستخرجون من شجرة هذا القرآن فقها حلوا راشدا محببا للقلوب والنفوس ويحقق الهدوء النفسى، وينجز مصالح الدنيا ويطمئن على نعيم الآخرة.

 

(2)

 

نستطيع أن نستنبط بحياد دقيق «استراتيجية اليقين الدينى» التى تمسك بها أهل هذين القرنين وهى استراتيجية جامعة مانعة كافية وشافية. فهى جامعة لأنها لم تترك قيمة أصلية ولا تابعة من قيم القرآن إلا استوعبتها، وهى مانعة لأنها منعت زحف القواعد على القمة كما حالت دون مزاحمة الأطراف للقلب وأقول شافية لأنها وهبت النفس هدوءا واستقرارا، كما منحت العقل رشدا ووقارا، وهى كافية فالمسلم بصفة عامة ــ لا يحتاج فى تدينه لغير الوحى الإلهى الخالص مصحوبا بمعايير فطرية صحيحة يقيس عليها شعائره وأعماله ومنهجه وأخلاقه

 

وتمثلت استراتيجية اليقين الدينى فى مقومات ثلاثة:

 

غاية عليا يجب السعى لتحقيقها وتفعيل اعتناقها

 

وجهة عامة (طريق وطريقة) للوصول لهذه الغاية

 

مقاصد دالة على سلامة الطريق وصحة الطريقة

 

(3)

 

أما الغاية العليا فقد نص عليها القرآن الكريم «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ...» (56) الذاريات فهى توحيد الله توحيدا فعليا ينتج آثاره التى تحقق الخير، فتوحيد الله ربا وإلها واحدا لا شريك له يقتضى الإيمان بأن:

 

وحدانية الله تفرض وحدة الدين الذى ارتضاه لعباده منذ آدم (صلى الله عليه وسلم) وإلى يوم البعث

 

وحدانية الله تفرض وحدة الكون المملوك له سبحانه والمطلوب إعماره وتنميته.

 

وحدانية الله تفرض وحدة النوع المكلف (بنى آدم) فجميعهم إخوة.

 

وحدانية الله تفرض وحدة الخير العام والمعروف المطلق فلا تعارض فى الخير ولا تضاد بين معروف وآخر

 

وعلى ذلك فهم المسلمون الأوائل أن الإيمان بوحدانية الله والنطق بها هو إعلان عن قناعة المسلم بأن الإله الواحد يملك كونا واحدا لا يجوز الإفساد فيه كما أنه جل جلاله قد اتخذ دينا واحدا لا نفرق بين أحد من رسله، كذلك فإن الله قد كرم النوع الإنسانى واستخلفه فى الأرض لإعمارها والطاعة فالموحدون يقرون مع إيمانهم بالله بوحدة دينه واتحاد رسله وكرامة الإنسان وحق الكون المسكون فى السلام والآمن.

 

 

(4)

 

أما الوجهة (الطريق والطريقة) وأعنى بها وجهة المتدين المؤمن أى طريقه الوحيد للوصول إلى الغاية وأسلوبه فى السير فى هذا الطريق فالطريق الذى حدده القرآن هو «تكريم الإنسان وتحريره من الاستعباد أو الخوف أو التبعية قال تعالى «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ...» (70) الأسراء

 

وكذلك «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» (30) البقرة، «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ...» (34)البقرة

 

أما الطريقة أو الأسلوب فهو الإعمار والتنمية قال تعالى «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...» فلا يمكن توحيد الله واختصاصه بالعبادة دون الحرص على إعمار الكون وإصلاح كل ما فيه ليتناسب مع هذا الخليفة المكرم (آدم وأولاده).

 

(5)

 

ومن تمام الاستراتيجية أن تحتوى على معايير يقاس بها أولا بأول صدق النظرية وحقيقة الغاية وسلامة الوجهة ولم تكن هذه المعايير سوى المقاصد الخمسة المشهورة لدى جميع المدارس الفقهية الواعية وهى (حفظ النفس ــ حفظ النسل ــ حفظ المال ــ حفظ العمل ــ وحفظ الدين).

 

وهذه المقاصد تعنى بوضوح أنه لا توحيد لله ولا تزكية للإنسان ولا إعمار للكون إلا بتأمين هذه المقاصد وتنميتها.

 

فإذا سألوك عن استراتيجية التدين الإسلامى....فقل: توحيد الله وتزكية الإنسان وإعمار الكون وما عدا ذلك فإما أن يتوافق معها وإلا لا محل له فى الدين.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات