النهى عن المنكر (2-2) - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 5:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النهى عن المنكر (2-2)

نشر فى : الجمعة 19 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 أبريل 2013 - 10:04 ص

-1-

 

نحن بحاجة إلى بيان حدود «تغيير المنكر باليد» ، فمثلا أصحاب العقائد المختلفة ( الإسلام ــ المسيحية ــ اليهودية ) يعتقد كل منهم ببطلان طقوس العبادات عند غيره ــ وهذا حقه ــ، ومع ذلك لا يملك المسلم أدنى سلطة ليفرض على غيره أى تصور بخصوص الاعتقاد والعبادة، بل إن القرآن فى هذه المسألة رفض التغيير باليد، كما رفض حتى استعمال «القول العنيف» مع ما ينكره المسلم من عقائد أو عبادات، فقال تعالى «"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون".».  تعالوا نضع النقط على الحروف:

 

ففى الطريق العام لا يملك المواطن إيقاف سيارة وتفتيشها، ولا يحق له الإمساك بمواطن آخر ويفرض عليه الخروج من عرض الطريق إلى الرصيف، بل لا يملك ولا يصلح المواطن لأن يحاول رفع بضائع هؤلاء المعتدين على الأرصفة، فالمواطن لا يملك حقا شرعيا فى التصرف العملى، وغاية ما له فى هذا الشأن أن ينهى نفسه نهيا قطعيا فلا يرتكب تلك المنكرات والمخالفات، أما بالنسبة لغيره فعليه النصيحة (باللسان) تذكيرا وبالقول المهذب إذا أنس إلى تقبل الطرف الآخر للقول، أو يدعو الله بالهداية للمخالفين، أو يتوجه بالكتابة إلى مسئولى الدولة مطالبهم بضرورة الاطلاع بأعمالهم ومحاسبة المخالفين حرصا على النظام العام والقانون والشرع قبل ذلك وبعده. ودعنا ننفذ إلى ما يظنه بعض العابدين المخلصين إن من واجبهم أو حقهم إجبار الناس على ترك ما فى ايديهم والذهاب إلى صلاة الجماعة ساعة الأذان ،أو مناصحة «أى انثى» بخصوص ثيابها أو مظهرها العام، كما قد يفهم البعض أن من حقه أو من واجبه تجريم وتحريم «حلق اللحية» ومنع ذلك سواء بتشريع أو بتسلط.. فذلك كله أبعد عن الإسلام وعن السنة النبوية وعن حقوق الناس فيما بينهم، فليس ما يراه واعظ أو فقيه أو ما تمارسه بعض المجتمعات أو تحبه بعض النفوس، كل ذلك لايصلح أن يفرض على أى مجتمع تحت أى مسمى، فالقول الالهى اوضح من ان يحتاج لبيان (فَذَكِّر إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّر ٢١.........)

 

-2-

 

لذلك ينبغى للإنسان المسلم المتحضر أن يسعى لتصحيح قوانين دولته تصحيحا يدفع المواطنين لاحترام آدمية الإنسان وحقه فى وطن آمن ومعيشة مستقرة لا يتعرضون فيها للأخطار، ولا للإهمال ولا لهمجية الحياة التى تبعث الخوف وتبدد الأمن. والحضارة الإنسانية قد وهبت الإنسان نماذج وأدوات حضارية ذات تأثير فعال فى جميع البشر، ففنون السينما والمسرح والقصة والرواية والشعر، وكذلك أعمال الدراما والكوميديا والبرامج المسموعة والمرئية كل ذلك أدوات تساعد الأمم والشعوب على النهوض بحضارتها، إذا استطاع المبدعون بجميع تخصصاتهم استيعاب واقع المجتمع وتصدوا له لتصحيحه وتغيير ما فيه من منكرات من خلال النوافذ العصرية التى اتاحها الله لعباده ليتواصلوا بها.

 

-3-

 

ويصاحب ذلك آلية المساجد بما لها من ولاية «الوعظ والإرشاد» من خلال الخطب والدروس والمطبوعات التى تظهر المقارنة بين المعروف وفوائده من ناحية وبين المنكر وآثاره السيئة من ناحية أخرى.

 

ولا ينسى الجميع أن ساحة المجتمع قد تزاحم عليها عدد كبير من المنكرات، ولابد من أولويات معقولة يتفق الجميع على أولويتها فى التغيير ويتوافقوا على أسلوب التغيير المقبول والذى يتعاون الجميع على احترامه والالتزام به، سعيا نحو حياة أفضل، وخوفا من أن تصيبنا لعنة كتلك التى أصابت قوما آخرين:

 

("لعن الذين كفروا من بني إسرائيل.....(78) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون".

 

ومع ان الله جل جلاله قد أمر بتغيير المنكر ونهى على بنى اسرائيل تقصيرهم، فإن الله قيد وحدد ــ سلطة النبى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالنسبة للعباد، فالحد الأقصى لجهد الرسول "فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين" وليس ذلك فحسب، بل قال له " ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل".

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات