مشاهد من ثورات المصريين زمن الحملة الفرنسية «5» ثورة القاهرة الثانية - عماد أبو غازي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشاهد من ثورات المصريين زمن الحملة الفرنسية «5» ثورة القاهرة الثانية

نشر فى : الجمعة 19 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 أبريل 2013 - 8:00 ص

إذا كانت القاهرة قد ثارت بقيادة صغار المشايخ وطلاب الأزهر فى أكتوبر سنة 1798، فإن المدينة عادت إلى الثورة ثانية فى شهرى مارس وأبريل سنة 1800 رغم القمع الذى واجه به الفرنسيون ثورة القاهرة الأولى.

 


 

 لقد انفجرت ثورة القاهرة الثانية من حى بولاق ولم تخرج من الأزهر كما حدث فى الثورة الأولى، وتصدى لقيادتها التجار والحرفيون وأصحاب الوكالات، وكان على رأس قادة تلك الثورة الحاج مصطفى البشتيلى أحد أعيان حى بولاق، وينتسب أصلا إلى قرية بشتيل من قرى الجيزة.

 

 لكن كيف بدأت الثورة؟

 

 بدأت ثورة القاهرة الثانية يوم 20 مارس 1800 أثناء المعارك التى دارت على مشارف المدينة فى منطقة عين شمس بين قوات الحملة الفرنسية وفرق من الجيش العثمانى، كان كليبر القائد الثانى للحملة بعد رحيل بونابرت يسعى إلى الصلح مع العثمانيين والجلاء عن مصر خاصة بعد أن وصلت جيوشهم إلى العريش فى 30 ديسمبر سنة 1799، وانتهت جهود كليبر إلى توقيع معاهدة العريش فى 24 يناير 1800، والتى حددت جدولا زمنيا لجلاء الفرنسيين وتسليم البلاد مرة أخرى للدولة العثمانية، لكن إنجلترا بذلت كل جهودها لإفشال هذه المعاهدة، الأمر الذى حدث بالفعل بعد أقل من شهرين على توقيعها، وكان من نتائج المعاهدة دخول فرق من الجيش التركى إلى مشارف القاهرة، واشتبكت هذه الفرق مع الفرنسيين مما حفز أهالى القاهرة على الثورة.

 

 كان من زعماء هذه الثورة السيد عمر مكرم نقيب الأشراف العائد من الشام، والسيد أحمد المحروقى كبير التجار، والشيخ الجوهرى، لكن أبرز القادة الميدانيين للثورة كان الحاج مصطفى البشتيلى الذى سبق أن اعتقله الفرنسيون فى أغسطس سنة 1799 واستمر حبيسا لعدة أشهر. وكان سبب اعتقال الحاج مصطفى البشتيلى وشاية من بعض عملاء الفرنسيين بأن الرجل يخفى فى وكالته ببولاق قدورا عُبِّئ بها بارود.

 

 ويذكر عبد الرحمن الجبرتى فى تاريخه أن الفرنسيين عندما فتشوا وكالة البشتيلى وجدوا بها بالفعل قدورا مملوءة بالبارود، ويبدو أنه كان يعد العدة للثورة بالفعل قبل شهور من وقوعها.

 

ويسجل عبد الرحمن الجبرتى وقائع اشتعال الثورة قائلا:

 

 «أما بولاق فإنها قامت على ساق واحدة، وتحزم الحاج مصطفى البشتيلى وأمثاله وهيجوا العامة وهيأوا عصيهم وأسلحتهم، ورمّحوا وصفّحوا، وأول ما بدءوا به أنهم ذهبوا إلى وطاق الفرنسيس الذى تركوه بساحل البحر، وعنده حرس منهم، فقتلوا من أدركوه منهم ونهبوا جميع ما به من خيام ومتاع وغيره، ورجعوا إلى البلد وفتحوا مخازن الغلال والودائع التى للفرنساوية، وأخذوا ما أحبوا منها، وعملوا كرانك حوالى البلد ومتاريس».

 

 ثار أهالى بولاق وحملوا ما وصلت إليه أيديهم من السيوف والبنادق والرماح والعصى، واتجهوا بجموعهم صوب قلعة قنطرة الليمون لاقتحامها، لكن حامية القلعة ردت هجومهم بنيران المدافع، فأعاد الثوار تنظيم صفوفهم واستأنفوا الهجوم، وقُتل فى هذه المعركة ثلاثمائة من الثوار.

 

 وأدت هذه المعركة إلى امتداد نار الثورة فى باقى أحياء المدينة، وزاد من اشتعالها فرار عناصر من الجيش العثمانى والمملوكى من معركة عين شمس ودخولهم إلى المدينة بسلاحهم. وتضاعف عدد الثوار فى ساعات قليلة وتوجهت حشودهم إلى معسكر القيادة العامة للجيش الفرنسى بالأزبكية وحاصروه، واحتلوا المنازل المجاوره له، وأخذوا يُطلقون منها نيرانهم على الفرنسيين.  ولم يقف ضعف الإمكانيات العسكرية والسلاح النارى عائقا أمام ثورة المصريين، فقد استخدموا كل ما تقع عليه أيديهم من معاون لتصنيع القنابل، كما شيدوا مصنعا للبارود، ويروى المسيو مارتان أحد مهندسى الحملة قصة هذه الجهود:

 

 «لقد قام سكان القاهرة بما لم يستطع أحد أن يقوم به من قبل، فقد صنعوا البارود، وصنعوا القنابل من حديد المساجد وأدوات الصناع، وفعلوا ما يصعب تصديقه وليس من رأى كمن سمع ذلك أنهم صنعوا المدافع».

 

 الأمر الذى يؤكده الجنرال كليبر فى يومياته عندما قال:

 

«استخرج الأعداء مدافع كانت مطمورة فى الأرض وأنشأوا معامل للبارود ومصانع لصب المدافع وعمل القنابل، وأبدوا فى كل ناحية من النشاط ما أوحت به الحماسة والعصبية، هذه هى بوجه عام حالة القاهرة عند قدومى إليها، وإنى لم أكن أتصورها فى هذه الدرجة من الخطورة.»

 

 وخلال أيام قليلة امتدت الثورة إلى بعض مدن وقرى الوجه البحرى، ورغم العنف الذى واجه به كليبر وجنرالاته الثورة إلا أنها استمرت ثلاثة وثلاثين يوما. وبدء تراجع الثورة مع الهجوم الفرنسى المضاد على مواقع الثوار والذى بدأ فى الثامن عشر من إبريل 1800، عندما هاجم الفرنسيون القاهرة من الشمال والشرق والجنوب، ومثلما بدأت الثورة من بولاق كانت النهاية هناك، فبعد معارك ضارية نجح الفرنسيون فى احتلال الحى الذى أشعل الثورة.

 

 ويصف عبد الرحمن الجبرتى ما حدث لبولاق وأهلها بعد هجوم 18 أبريل الكاسح قائلا:

 

 «هجموا على بولاق من ناحية البحر، ومن ناحية بوابة إبى العلا، وقاتل أهل بولاق جهدهم، ورموا بأنفسهم فى النيران حتى غلب الفرنسيون عليهم وحاصروهم من كل جهة، وقتلوا منهم بالحرق والقتل وتلوا بالنهب والسلب، وملكوا بولاق وفعلوا بأهلها ما تشيب له النواصى، وصارت القتلى مطروحة فى الطرقات والأزقة، واحترقت الأبنية والدور والقصور، وخصوصا البيوت والرباع المطلة على البحر، وكذلك الأطراف، وهرب كثير من الناس عندما أيقنوا بالغلبة فنجوا بأنفسهم إلى الجهة القبلية، ثم أحاط الفرنسيس بالبلد، ومنعوا من يخرج منها واستولوا على الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع، وملكوا الدور وما بها من الأمتعة والأموال والنساء والخواندات والصبيان والبنات ومخازن الغلال والسكر والكتان والقطن والأباريز والأرز والأدهان والأصناف العطرية، وما لا تسعه السطور ولا يحيط به كتاب ولا منشور، والذى وجدوه منعكفا فى داره أو طبقته ولم يجدوا عنده سلاحا نهبوا متاعه، وعروه من ثيابه ومضوا وتركوه حيا، وأصبح من بقى من ضعفاء أهل بولاق وأهلها وأعيانها الذين لم يقاتلوا فقراء لا يملكون ما يستر عوراتهم».

 

وبعد قتال استمر قرابة أسبوع ارتكب خلاله الفرنسيون فظائع فاقت ما ارتكبوه فى قمع ثورة القاهرة الأولى انتهت وقائع الثورة، وغادر المدينة من دخلها من العثمانيين والمماليك ورحل معهم نقيب الأشراف السيد عمر مكرم وكبير التجار السيد أحمد المحروقى، أما الحاج مصطفى البشتيلى قائد الثورة فى بولاق فقد قبض عليه الفرنسيون وأرغموا اتباعه وصبيانه على أن يقتلوه ضربا بالعصى حتى مات.

التعليقات