«جريمة المدن الأربع» فى الراشدين - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 3:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«جريمة المدن الأربع» فى الراشدين

نشر فى : الأربعاء 19 أبريل 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 أبريل 2017 - 9:55 م
قبل أيام قليلة كتبت فى هذا المكان، مستنكرا الجريمة البشعة، بقصف بلدة خان شيخون، قرب إدلب السورية بغاز السارين الكيماوى. وعلى الرغم من أننا لم نعرف حتى الآن على وجه اليقين من الذى نفذ هذه الجريمة، فقد قلت إن أصابع الاتهام تتجه أكثر إلى نظام بشار الأسد بحكم سوابقه، دون استبعاد الطرف الثانى المعارض والإرهابى الذى استخدم أيضا الأسلحة الكمياوية ضد القوات النظامية.

يوم السبت الماضى ارتكبت «التنظيمات التكفيرية»، جريمة لا تقل بشاعة عن جريمة خان شيخون، إلا فى الدرجة فقط. انتحارى من هذه التنظيمات فجر نفسه، بسيارة ملغومة، فى مجموعة من الأتوبيسات كانت تقل عددا كبيرا من المدنيين الشيعة لنقلهم من حى الراشدين غرب حلب إلى ريف دمشق، فى إطار اتفاق رعته عدة دول منها قطر وايران، سمى باتفاق «المدن الأربع». ويقضى بنقل المؤيدين للنظام السورى من بلدات تحاصرها المعارضة المسلحة من كفريا والفوعة إلى مضايا والزبدانى فى ريف دمشق، مقابل نقل المحاصرين من المعارضة إلى بلدتى كفريا والفوعة ثم أضيف مخيم اليرموك لاحقا إلى الاتفاق. هذا النوع من الإجلاء المتبادل يتم منذ شهور، ويراه البعض تقسيما طائفيا فجا، لكن البعض الآخر، يقول إنه سيظل أكثر رحمة من وجود مدنيين تحت حصار طرفى النزاع لمدد زادت على عامين، ذاقوا خلالها أقصى أنواع العذاب والمهانة.

المهم خلال بدء تحرك المدنيين والمسلحين المؤيدين للحكومة من القرى أو البلدات المحاصرة، فوجئوا بانتحارى يقود سيارة ملغومة يفجر نفسه فى أتوبيساتهم، ويقتل فى لمح البصر ١٢٦ شخصا بينهم ٦٨ طفلا، وقالت تقديرات أخرى إن الحصيلة قد تزيد على ٢٠٠ قتيل. الصور التى بثتها وكالات الأنباء للجريمة، تظهر جثثا محترقة تماما، وأجساد أطفال «انعجنت» فى حديد الأتوبيس، فى مشهد لا يقل بشاعة عن جريمة خان شيخون.

شهود عيان قالوا إن المنطقة التى وقع فيها الانفجار خاضعة لسيطرة «الجيش السورى الحر» وهو تنظيم يصنفه البعض باعتباره أكثر اعتدالا من داعش والنصرة وبقية التنظيمات الإرهابية، وأدان لاحقا هذه الجريمة.

كتبت فى هذا المكان أكثر من مرة مهاجما ومنتقدا نظام الرئيس بشار الأسد الذى تعامل بالقوة المفرطة من البداية مع المظاهرات السلمية فى درعا فى فبراير ومارس عام ٢٠١١، ولم يتغير رأيى حتى الآن. لكن الخطأ القاتل الذى وقعت فيه المعارضة السلمية أنها لجأت إلى السلاح، وهو ما أعطى النظام فرصة ذهبية ليتعامل معها باعتبارها طرفا مسلحا.

أما الجريمة الأكبر فهى إرسال دول فى المنطقة، خصوصا الخليج، قطعانا من الدواعش والإرهابيين إلى سوريا، وتمويل إرسال ميليشيات سنية متنوعة، واكبها دخول ميليشيات شيعية من إيران ولبنان والعراق وأفغانستان وباكستان تحت مسميات «زينبيون وفاطميون». وانتهى الأمر للأسف الشديد إلى تدمير سوريا هذا البلد الكبير والجميل وإغراقه فى مستنقع الطائفية، وهو مخطط لم تستفد منه إلا إسرائيل وإيران، وكل من لا يريد للأمة العربية الخير، أما الثمن الحقيقى فلم يدفعه الا الشعب السورى المغلوب على أمره. والنتيحة أن الإرهابيين هم الذين يسيطرون على غالبية المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، فى حين اختفت المعارضة المعتدلة.

لكن وحتى لا نحمل شماعة المؤامرة أكثر مما تحتمل، فإن المتهم الأول والرئيسى هو نحن العرب الذين ــ بجلهنا واستبدادنا وتفرقنا وانعدام وعينا ــ سمحنا للآخرين بالتدخل.

معظم الذين أدانوا جريمة خان شيخون لم ينطقوا بكلمة عن جريمة حى الراشدين فى غرب حلب. ووسائل إعلامهم أصيبت بالخرس التام. هؤلاء أكثر طائفية من الطائفيين الصرحاء. يفرقون بين الدماء على أساس طائفى.

لن نخرح من هذه المأساة إلا حينما ندرك الحقيقة المرة وهى أنه لن يخرج أحد منتصرا من المستنقع الطائفى الذى غرفنا فيه. جميعنا مهزومون كعرب ومسلمين.

السنى والشيعى العربى يقتلان بعضهما البعض، ويجلس الصهيونى منتشيا، لأنه لم يكن يحلم بأن نؤدى المهمة نيابة عنه بمثل هذه الكفاءة.

متى نفيق من هذا الوهم وندرك أن ما نشهده من تجارة بالدين ستدمرنا جميعا، ولن تفيد إلا أعداء الأمة، وكل المستبدين والفاسدين والفشلة والجهلاء والمخدوعين والمضحوك عليهم؟!

 

عماد الدين حسين  كاتب صحفي