مرحبا بالشقيقة... إسرائيل - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مرحبا بالشقيقة... إسرائيل

نشر فى : الثلاثاء 19 مايو 2009 - 10:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 20 مايو 2009 - 9:18 ص

 تعاقبت حلقات ما يسمى بالحل السلمى لقضية فلسطين التى تحولت من حق شعب عربى فى استرداد أرضه المستلبة وإعادة أهله المشردين، إلى لهث وراء سلام عاجل بعد أن يئسوا من السلام العادل.

ومن أجل ملاحقة السراب التزموا بشيمتهم فى الكرم والجود ولو بكل الموجود، بينما تمسك الصهاينة بخصلة لم تفارقهم منذ قديم الأزل، وهى المساومة والمراوغة للحصول على كل ما يقع تحت أيديهم دون أن يدفعوا درهما واحدا.

وعندما أشعلت شموع مؤتمر مدريد فى 1991 فى ظل نظام عالمى جديد أعلنه بوش على أنقاض المعسكر الاشتراكى وعقب «تحرير» الكويت من اجتياح شقيق عربى، ظن العرب أنها تضىء الطريق نحو حل قضية ظلت على قمة أولوياتهم منذ بروتوكول الإسكندرية السابق على ظهور إسرائيل للوجود.

ومضى عامان وتمخضت مدريد عن اتفاقية أوسلو الموقعة فى 13/9/1993 فى واشنطن، طرفاها محمود عباس وشمعون بيريز.. وتصور العرب أن هناك «ثانيا» بعد «غزة وأريحا أولا». وبعد خمسة عشر عاما، وبحضور عباس وبيريز، اتضح أن المقصود كان هو إبادة غزة أولا، وما بقى من فلسطين ثانيا.

وأطلقت دعوى بأن السلام الاقتصادى أيسر من السلام السياسى ويمهد له، فكان هو الذى ضم أطراف حرب ضروس فى اتحاد أوروبى يسوده السلام والرخاء. ورسم بيريز خطوط ترتيبات شرق أوسطية فيما يوحى بأن إسرائيل تمد يد الصداقة إلى من التهمت أراضيهم وشتت أبناءهم، تقوم على أساس تكامل الموارد: المعرفة الإسرائيلية والأموال والأيدى العاملة العربية.. وهى دعوى باطلة من أساسها.

فالاتحاد الأوروبى أخضع الدولة المعتدية لإرادة المعتدى عليهم. والحديث عن تكامل الموارد يعنى بقاء النواقص.. فالمعرفة تظل منقوصة لدى العرب والمال إن استمر وفيرا يظل عاجزا عن تنمية قدراتهم، ولا يعقل أن تستوعب إسرائيل الآدميين الذين ضاقت أوروبا ذرعا بسعيهم لفرص عمل فيها، وهى التى قامت على أساس تطهير عرقى، ترفض عودة المشردين إلى ديارهم وتبذل كل جهد للتخلص ممن صمدوا داخل الأراضى التى انتزعتها من أصحابها.

ومعلوم أن طبيعة الأمر تمنح المعرفة سلطة مطلقة فى استغلال المال والعمال، ويوجهها مالكها إلى ما يراه مناسبا لتنميته لا تنمية شركائه. وبمقتضى قواعد حماية الملكية الفكرية فإنه لا ينقلها لغيره إلا بشروطه.

وكان عجز العرب عن دفع تنميتهم بواسطة تكامل فيما بينهم يقوم على تبادل وفرة المال والرجال، خير دليل على أن المعرفة غابت عن عقولهم، ولو توهموا أنها تشترى بالمال.

وحتى يبنى تصور عما يفعل فى الاقتصاد كان لابد من حوار حوله بين أطراف النزاع. وكعادة الدبلوماسية المصرية دعت السفيرة (آنذاك) ميرفت التلاوى نخبة من أهل العلم ضمت مختلف التوجهات ما بين سعيد النجار فى اليمين وإسماعيل صبرى فى اليسار (رحمهما الله) وأجمعت الآراء على أنه لا توجد أسس لإقامة تجمع إقليمى أو للتشبيه بالتجمع الأوروبى، وكان أقصى ما تصوروه هو ما طرحه سعيد النجار من إقامة بنك تنمية شرق أوسطى، شريطة أن يلتزم بالموضوعية فيما يطبقه من معايير، ولنا فى البنك الدولى خير مؤشر عن مدى البعد عنها.

ورفض الجميع الدعوة لحوار فى جامعة فى تل أبيب، تاركين الأمر لحكمة الخارجية المصرية. الغريب أن هناك من العرب من بدأ يهرول ويدعو لنيل شرف استضافة لقاءات الشرق أوسطية، دون أن يستحوا من أنهم لم يفكروا يوما فى الانضمام لمجلس وحدة اقتصادية أنشئ قبل ثلاثة عقود وجابهوه بكل أسباب التعنت. المهم أن يظهروا للشقيقة الجديدة ولولىّ أمرها أنهم أشد منهما حرصا على إحياء مسيرة السلام.

والأغرب أن أحدا منهم لم يسأل نفسه: هل تقبل إسرائيل أن تكون عضوا فى كيان إقليمى يضم على الأقل خمسة أعضاء من دول الجوار أو – بارك الله – عشرين، ينقلون إليها إنفلونزا التطاحن الذى لم يغب حتى بعد أن قرروا عقد قمة اقتصادية، فإذا كل حابل ونابل يسعى إلى حجبها وراء قمة مكلمية؟

لقد جاءت الإجابة قاطعة من الشقيقة العزيزة، فقد تركت الشرق أوسطية تسقط بالسكتة القلبية بعد أن حققت هدفها على أراضٍ عربية (ولا أقول دولا) ما بين قطر شرقا وموريتانيا غربا.

وعندما اتضح أن الاقتصاد فقد بريقه عاد القوم إلى السياسة. ورغم أن القرار فى 1967 كان هو تحرير الأرض وتحقيق النصر، فإن الأمر تحول إلى إلغاء الهدف الأساسى القائم على الحق العربى الذى فى سبيله جرى خوض الحروب، وبدأت المطالبة بالرجوع إلى حدود الرابع من يونيو 1967 فى اعتراف بأحقية إسرائيل فىما وراء تلك الحدود بينما لم يكن لفلسطين حدود أو وجود.

وظهرت مقولة غريبة تطالب بـ«الأرض مقابل السلام» وهو ما يفهم منه أن إسرائيل لديها الأرض وأن العرب يهددون سلامها أو على الأقل يملكون، أو يرغبون فى امتلاك، القدرة على تهديده. حقيقة الأمر أن صاحب الأرض هو العرب، وأن ما يهدد السلام هو الكيان الدخيل. وهكذا كسبت إسرائيل أرضا اغتصبتها، وظلت تهدد السلام حتى الآن.

والأنكى أن ما يسمى مبادرة عربية قنّنت تلك المقولة المغلوطة. ولما كانت إسرائيل قد ظلت واضعة يدها على الأرض، بينما العرب ليس بيدهم ما يعكر السلام، فقد ظلت تلك المقولة فارغة المضمون، حتى ولو أنذر الملك عبد الله الثانى بحرب إن لم تتدارك إسرائيل الأمر.

وكان العاهل الأردنى قد ألقى كلمة فى واشنطن فى 24 أبريل الماضى أكد فيها أن على إسرائيل أن تختار ما بين الاندماج فى المنطقة أو البقاء فى عزلة، فهل هى حقا فى عزلة؟ وهل يهمها الاندماج فى المنطقة، وهى ترى العرب يهرولون نحوها، ويتصيدون عداوات أخرى تباركها وتذكيها؟

وسبق ذلك إعلان من خلال رسالة مفتوحة من الأمير الحسن ورئيس فنلندا السابق مارتى أهتسارى الحاصل على جائزة نوبل عن عقد أول مؤتمر سنوى فى عمان فى 19 أبريل لما يسمى «منتدى غرب آسيا وشمال أفريقيا» بدعم من المؤسسة اليابانية، يضم صانعى قرار وممثلين عن منظمات المجتمع المدنى من جميع أرجاء المنطقة بما فيها إسرائيل وإيران.

والهدف هو تمكين شعوب المنطقة من تحديد التحديات المشتركة التى تواجهها حسب سلم أولويات، وابتكار حلول قابلة للتنفيذ ومستدامة تنبع من المنطقة نفسها، دون الانتظار حتى تتم تسوية النزاعات القائمة كافة.

وقيل إن هذا يمكن أن يتطور ليصبح حركة إقليمية تجمع شعوب المنطقة فى جهد مشترك للتغلب على خلافاتهم من خلال التعاون والعمل المشترك، حيث يجمعهم إرث مشترك، يعززه تعدد الثقافات والأعراق والمذاهب!!. وحينما أثير تساؤل فى مؤتمر صحفى عن مشاركة السفير الإسرائيلى تصدى لهم سمو الأمير وآخرون منهم الدكتور إسماعيل سراج الدين للدفاع مطالبين بعدم التمسك بحجة ضيعت علينا الكثير والكثير.

وعاد إلى ذاكرتى فكرة طرحها سموّه فى 1980 على مجموعة الخبراء القائمة بإعداد إستراتيجية العمل الاقتصادى العربى المشترك بإقامة منتدى فكر عربى للضغط على الحكومات لأنه لم يكن يأمل فى عزمها على تنفيذها.. يبدو أنه يئس من أهل الفكر من العرب فوجه أنظاره إلى أهل الفعل من غيرهم...

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات