داعش.. والقياسات الثلاثة الباطلة (دراسة) - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

داعش.. والقياسات الثلاثة الباطلة (دراسة)

نشر فى : الجمعة 19 مايو 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : الجمعة 19 مايو 2017 - 9:40 م

• قفز تنظيم أنصار بيت المقدس من مركب القاعدة المتهالك إلى سفينة داعش التى أبحرت بقوة وسرعة فى عالم الإرهاب.. وخاصة بعد أن أصبحت داعش هى العلامة التجارية الرائجة والأشهر فى عالم الإرهاب فى السنوات الماضية، وحرصت كل المجموعات التكفيرية والمسلحة فى كل أنحاء العالم على الانضواء تحت لوائها، مثل أنصار بيت المقدس فى مصر، والمجموعات الجهادية الصومالية، وتنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، وبوكوجرام فى نيجيريا، وذلك قبل أن يتهاوى التنظيم الأم.

• وقد أرسيت قاعدة فكرية مهمة أسميتها «نظرية الإبهار الكاذب قبل الانهيار الكامل» وهذه النظرية تفسر وتوضح كيفية انضمام عشرات الآلاف بسرعة إلى تنظيم مثل القاعدة بعد تفجيره لبرجى التجارة الأمريكيين فى نيويورك وتكوين أفرع له فى كل مكان حتى وإن لم يحل فيها أحد قادة أو دعاة القاعدة.

• إن الانبهار الخطير الذى أصاب الشباب المتدين بـ«القاعدة وبن لادن» وشعور الشباب أن بن لادن هو البطل الأسطورى الذى كسر الغرور الأمريكى وأنه سينهى العصر الأمريكى، دون أن يدرك هذا الشباب المسكين الذى سجد شكرا لتفجير البرجين أن سقوطهما سيسقط دولتين كبيرتين فى بلاد العرب والمسلمين،وأن سقوط البرجين سيجعل أمريكا تبطش بالعالم الإسلامى وتغزوه بنفسها بعد أن كانت تتهيب ذلك زمانا طويلا، وأن سقوط البرجين سيسقط أيضا القاعدة وطالبان، وبذلك سقطت دولتان وتنظيمان، ولكن فى لحظة الانبهار الكاذب تضيع العقول وتغطى العواطف الكاذبة على الحكمة العميقة، وقد كتبت هذه المعانى فى كتاب لى عام 2002 وقلت لبعض الشباب الذين سجدوا شكرا لتفجير البرجين سيبكى الإسلاميون دما بعد ذلك لأن القاعدة ستجعلهم والإسلام نفسه والدول العربية فى مواجهة لا يرغبونها جميعا مع الغرب ولم يستعدوا لها، وفرضتها القاعدة عليهم دون إذن منهم وأنابت نفسها زورا وبهتانا عن العالم الإسلامى كله.

• وبنفس هذا الإبهار الكاذب ترك معظم الشباب القاعدة التى غرقت مركبها ليركبوا المركب الكاذب الآخر«داعش» التى هى أسوأ من القاعدة فى كل شىء تكفيرا وتفجيرا وبغيا وظلما وذبحا.

• وكما أن القاعدة كانت سببا فى تدمير أفغانستان التى تحبها، فإن داعش كانت سببا فى تدمير السنة فى العراق، ورغم أن فكر داعش ينتمى لفكر الخوارج فإن بعض الدول الشيعية اتخذتها تكئة لهضم السنة فى كل مكان حيث تقول للجميع إن نموذج السنة هو داعش.

• وبذلك وقع السنة بين مطرقة داعش وأخواتها، وسندان الميلشيات الشيعية التى لا تقل فجورا وتفجيرا وبغيا عن داعش، مثل عصائب الحق، وبدر وغيرهما الذين اندمجوا فيما يسمى بالحشد الشعبى الذى يحرق المنازل ويسبى النساء ويسرق الأموال ويفجر المساجد ويجرى تطهيرات عرقية ليس للسنة فحسب ولكن للمسيحيين أيضا.

• والخلاصة أن الجميع قفز من مركب القاعدة المتهالك إلى مركب داعش الجديد ناسين أنها ستلقى نفس المصير دون أن يتعلم من دروس «تنظيم القاعدة» السابقة، لأن العقل الإسلامى عامة والسنى خاصة بطىء الفكر، لا يتعلم من تجاربه، ويهوى تحطيم قيادته الرشيدة، ويثق فى الميلشيات والقوة أكثر من ثقته بالدول والدعوة الحكيمة، ويحب الذين يدغدغون عواطفهم لا الذين يخاطبون عقولهم.

• وبعض هذه التنظيمات انقسم على نفسه ما بين فريق ما زال يؤيد القاعدة وفريق آخر انضوى تحت لواء داعش.. فقد انقسمت طالبان مثلا إلى قسمين: أحدهما على ولائه القديم للقاعدة، والآخر بايع داعش، والأخير سلك نفس المسلك القبيح لداعش قام بعمليات ذبح وقتل خطيرة للمدنيين لم ترض القسم الأول.

• ومن أمثلة ذلك ما قامت به المجموعة الداعشية داخل طالبان باكستان من اقتحام مدرسة للطلبة الباكستانيين فى المرحلة الإعدادية والثانوية يشرف عليها الجيش الباكستانى وقتلت أكثر من ثلاثين طالبا وأصابت عشرات آخرين فى مأساة مروعة ومذبحة لا نظير لها دون أن تسأل نفسها ما ذنب هؤلاء الطلاب الصغار الذين ليسوا من صناع السياسة ولا من أهل الحرب ولم يخرجوا للحياة العملية وبعضهم غير مكلف شرعا.

• كما انضم تنظيم أنصار بيت المقدس السيناوى لداعش ونقض بيعته لأيمن الظواهرى السابقة، مما أدى إلى انشقاق ضابط الصاعقة المصرى السابق هشام عشماوى وتكوينه لتنظيم آخر أسماه «المرابطون» الذى أعلن بقاءه على بيعة القاعدة والظواهرى.

• ويعد تنظيم «أنصار بيت المقدس» أو«داعش ولاية سيناء» من أكثر التنظيمات التكفيرية والجهادية والإرهابية المسلحة تشددا وتطرفا وغلوا فى الفكر، وقسوة وغلظة وجفوة وتفجيرا وذبحا فى خصومه الذين يستهدفهم.

• وأفضل تعبير يوصف به فكر«أنصار بيت المقدس أو دواعش سيناء» خاصة وداعش عامة هو«سوبر تكفير» و«سوبر تفجير» و«سوبر ذبح».. فقد فاقت القاعدة بكثير فى التكفير والتفجير.. وأضافت إليها ذبح خصومها المدنيين.. وقتل النساء وهذا ما لم تقم به القاعدة حتى صدق فيها قول الشاعر:
أنست مظالمهم مظالم من خلوا
حتــى ترحمــــنا على نيـــرون

• وتتوافق داعش مع القاعدة وهى الأب الروحى لها فى تكفيرها لكل حكام العرب والمسلمين جميعا دون استثناء حتى د.مرسى كانوا يكفرونه وإن لم يصرحوا بذلك.

• وغدرت به حينما قامت بمذبحة رفح الأولى والتى قتلت فيها 16 جنديا مصريا من حرس الحدود فى وقت إفطار المغرب دون مراعاة لقداسة الشهر وقداسة تلك اللحظة الدينية الدقيقة.

• وقد ردت عليهم الدولة المصرية فى عهد مرسى وقتها بالحكم على 13 شخصا من تنظيمهم بالإعدام، ولكن التنظيم خطف سبعة جنود مصريين لمبادلتهم بالمحكوم عليهم بالإعدام الذين لم ينفذ فيهم، ولكن الصفقة لم تتم رغم الإفراج عن الجنود السبعة فى ظروف غامضة، إذ وجدوا أنفسهم على الطريق الرئيسى فى وسط سيناء.

• وداعش تكفر الحكام العرب والمسلمين جميعا وهم يقيسون هؤلاء الحكام فقهيا ويشبهونهم عمليا بـ«جنكيز خان» ملك التتار مع سحب كل فتاوى ابن تيمية التى ذكرها فى تكفير جنكيز خان على حكام العرب والمسلمين.. ناسين أن نقل فتاوى العلماء من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ومن أشخاص إلى أشخاص لها ضوابط صارمة جدا.. وناسين أيضا أن ابن تيمية كفر جنكيز خان لحشد المسلمين لمقاومة المستعمر، وليس لحشد المجتمع المسلم لقتال حكامهم وجيوشهم ونسوا أيضا أن ابن تيمية والعز بن عبدالسلام تحالفا مع المماليك وهى الجيوش التى كانت تدافع عن بلاد المسلمين وقتها.

• ونسوا أيضا أن قياس حكام العرب والمسلمين بجنكيز خان هو قياس باطل فاسد لأن جنكيز خان أصلا لم يكن مسلما ولم تكن له ملة معروفة.. وكان يدعى أنه ابن الإله.. وهو حاكم جاء غازيا لبلاد المسلمين وقاتلا لأولادهم ورجالهم ومغتصبا لنسائهم وباقرا لبطون نسائهم وكان يكره العلم والكتب والمكتبات.. وكان يحرق المدن بعد استيلاء جنوده على كل خيراتها وبركاتها.. فكيف يقاس بحكام الأصل فيهم الإسلام بيقين.. ولا يزول اليقين بالشك.. كما جاء فى قواعد أصول الفقه..«فاليقين لا يزول بالشك ولكن يزول بيقين أقوى منه..».

• و«داعش ولاية سيناء» وكل الدواعش يكفرون الجيوش العربية وكل أجهزة الشرطة والاستخبارات العربية وذلك عن طريق قياس فاسد تعلموه أيضا من تنظيم القاعدة وهو قياس هؤلاء جميعا على جيوش التتار.. ناسين قواعد نقل الفتاوى الصارمة التى تمنع نقل الفتاوى من زمن إلى زمن،ومن مكان إلى مكان،ومن أشخاص إلى آخرين بطريقة ساذجة لا تمت للعلم ولا للفقه ولا لأصول الفقه ولا بقراءة واقع التتار من جهة والجيوش الوطنية من جهة أخرى.

• فجيش التتار هو جيش وثنى، لا دين له، ولم يعرف الإسلام إلا بعد عدة قرون من غزو بلاد المسلمين، وتعلم جنود التتار بعض العادات والعبادات الإسلامية ودخول بعضهم فى الإسلام بعد أن هزموا هزائم منكرة ومتوالية على يد قطز ثم بيبرس ثم قلاوون ثم خلفاء قلاوون من بعده.. وقد أدرك ابن تيمية السلطان محمد الأشرف بن قلاوون وهو يبعد فى العمر عن قطز المنتصر الأول على التتار بأكثر من خمسين عاما.

• ونسيت القاعدة وداعش أن القياس الأقرب لجيوش الدولة العربية والإسلامية هو جيوش المماليك التى دافعت عن بلاد المسلمين وليس جيوش التتار التى جاءت لغزو بلاد المسلمين.. وأن جيش التتار لم يكن يوما من بلاد المسلمين أو من أهل هذا الوطن.. كما جاء غازيا لها.. أما الجيوش الوطنية فهى جيوش حامية وليست غازية.. كما أن جيوش التتار قتلت مليون مسلم فى بغداد.. فهل فعلها جيش عربى مع وطنه.

• فهذه القياسات كلها قياسات فاسدة باطلة.. لا تستند على شريعة صحيحة ولا واقع منضبط ولا فتوى معروفة صحيحة، ولا مفتين مشهود لهم بالعلم والفقه والتبحر فى العلم.. فكل علماء وشيوخ هذه التنظيمات هم طلاب علم درسوا على أنفسهم ولم يتعلموا العلم فى مظانه الصحيحة.. وتوارثوا تكفير الحكام والمحكومين والأحزاب السياسية والصوفية والشيعية كابرا عن كابر فى هذه التنظيمات، دون تأمل دقيق أو فحص أو مراجعة لهذه الأفكار.. ودون حتى تحرز من تعميم الحكم بالكفر على عشرات الآلاف من الجنود البسطاء من أولاد الصالحين والمسلمين.

• والغريب أن هؤلاء الجنود والضباط عند داعش والقاعدة كانوا مسلمين صالحين قبل ارتداء الملابس العسكرية «الميرى».. ثم حل عليهم الكفر فجأة بعد ارتداء الملابس العسكرية «اللبس الميرى» والانضواء تحت لواء الجيش الوطنى الذى يحمى البلاد والعباد، وهل لبس ملابس معينة يكفر أصحابه، أليس الكفر والإيمان مناطه القلب ومن دخل الإيمان باختياره فلا يخرج منه إلى الكفر إلا باختياره، فالقلب والاختيار هما مناط الكفر والإيمان، والله وحده هو الذى يعلم ما فى القلوب، ولم يسبق فى تاريخ الإسلام كله أن حكم على أحد بالكفر لارتدائه زى الجندية أو انضوائه تحت لوائها فى أى عصر.

• وتتفوق داعش على القاعدة أنها تكفر كل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.. فكانت تكفر حزب الحرية والعدالة فى مصر.. وحزب العدالة والتنمية فى تركيا.. كما تكفر أردوغان.. وتكفر حزب النهضة فى تونس وزعيمه راشد الغنوشى.. وتكفر كل الشيعة بلا استثناء.. ولا أدرى ما الذى تركته فى عالم المسلمين لم تكفره ولم تكرهه.. ولم توجه له سهم الخصومة والعداء.. إنها لا تقبل الآخر على الإطلاق.. ولذلك لا تصلح أن تقيم دولة نظريا أو عمليا ولا تصلح للتعايش مع الآخرين وهى لا تدير صراعا سياسيا مثل الجماعات الدينية الأخرى ولكنها تمارس حالة من إفناء الآخر ومن نوى ذلك فقط فسينتهى فما بالك بمن سعى فيه.

• وقد دعت داعش د.أيمن الظواهرى للتوبة إلى الله لتحالفه مع الإخوان فى مصر وعدم تكفيرهم.

• وهذا الفكر الداعشى سيجعل من داعش وفروعها منبوذة مكروهة من الجميع.. فهى تعادى الجميع.. وتحسن صناعة الأعداء والخصوم.. ولم تكسب صديقا حتى اليوم.. إلا إسرائيل التى لم تتحدث عنها داعش حتى اليوم بسوء، ولم تهاجمها فى الجولان إلا مرة واحدة بطريق الخطأ واعتذرت عنها، كما أوضح المتحدث الرسمى باسم وزارة الدفاع الإسرائيلى، ويرجح علاج جرحى داعش السوريين لدى مستشفياتها فى الجولان المحتل.. ورغم بيانات داعش فى العراق وسوريا الكثيرة والتى تكفر وتعادى الجميع فإنه لم يصدر عنها بيان واحد ضد إسرائيل، أو منشور يستهجن أفعالها، أو يندد بمجازرها فى حق المدنيين الفلسطينيين، أو يتحدث عن إضراب الأسرى الفلسطينيين أو وجوب نصرتهم، والغريب أنهم كانوا يطلقون على اسمهم فى مصر«أنصار بيت المقدس» وكل عملياتهم تتجه إلى داخل مصر أى الغرب والجنوب مع أن «بيت المقدس» أقرب إليهم من الداخل المصرى وهو فى الشرق، وكأنهم لا يعرفون الجهات الأصلية على الخريطة، أو يظنون أن الوصول إلى بيت المقدس لن يتم إلا عبر جثث وأشلاء جنود وضباط الشرطة والجيش المصرى أو المصريين عامة، ولله فى خلقه شئون.

التعليقات