بخصوص تسليح الفضاء وحروب المستقبل - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 4:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بخصوص تسليح الفضاء وحروب المستقبل

نشر فى : الإثنين 19 يونيو 2023 - 7:20 م | آخر تحديث : الإثنين 19 يونيو 2023 - 7:20 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب ممدوح مبروك، يوضح فيه أن الاهتمام بالفضاء كمجال استراتيجى مهم فى التنافس الدولى بدأ بعد الحرب الباردة إيمانا من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية بدوره فى الحد من الهيمنة الأمريكية على مجالات استراتيجية أخرى. كما تناول توقعات بعض الخبراء عما سيكون عليه شكل الحروب مستقبلا، إذ يُرجح أنها ستكون حروبا إلكترونية تتخذ الفضاء أساسا لها.. نعرض من المقال ما يلى.
ارتبط الحديث عن سياسات الفضاء الخارجىّ بفترة ما بعد الحرب الباردة، حين أدركَ خصوم الولايات المتّحدة الأمريكيّة كالصين، وروسيا، وإيران، وكوريا الشماليّة أهميّة الفضاء كمجالٍ استراتيجىّ رئيسىّ يُمكنهم من خلاله هزيمة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، اعتقادا منهم بأنّ حرمان الجيش الأمريكىّ من الوصول إلى الفضاء قد يؤدّى إلى الحدّ من الهَيْمنة الأمريكيّة فى المجالات الاستراتيجيّة الأخرى كافّة.
اتَّسم الصراع، خلال فترة الحرب الباردة، بسياسةِ ضبْط النَّفس بين قطبَى الصراع، وذلك من خلال توقيع العديد من الاتّفاقيّات الثنائيّة، والانخراط فى مُفاوضاتٍ لحظْرِ نَشْرِ القدرات العدوانيّة فى الفضاء. وعلى الرّغم من ذلك لم تخلُ تلك الفترة من تجارب نوويّة لأسلحةٍ أمريكيّة وسوفييتيّة غير خاضعة للرقابة.
يُصنِّف الخبراءُ حربَ الخليج الثانية التى انطلقت فى العام 1991 على أنّها «حرب الفضاء الأولى»، والسبب فى ذلك هو أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وقوّات التحالُف اعتمدت بشكلٍ كبير آنذاك على الأقمار الصناعيّة لنظامِ تحديد المواقع فى العال (GPS)، وعلى أنواعٍ أخرى من قدرات الأقمار الصناعيّة لإدارة الصراع العسكرى والسيطرة عليه.

تسارُعٌ دولى

شهدت العقود الماضية تنافُسا دوليّا شَرسا فى الفضاء؛ ففى أوائل العقد الأوّل من القرن الحادى والعشرين، شهدَ الفضاءُ العديد من التجارب لبرامج الأسلحة الفضائيّة الأمريكيّة أحاديّة الجانب، أبرزها الاختبار الصينى، الذى أُجرى فى العام 2007، لسلاحٍ حربى مضادّ للأقمار الصناعيّة على مدارٍ أرضى منخفض على ارتفاع 500 ميل فوق الأرض، ودمَّر بنجاح قمرا صناعيّا صينيّا قديما للأرصاد الجويّة الصينيّة، وأنشأ أكثر من 3000 قطعة من النفايات الفضائيّة، الأمر الذى أدانه المُجتمع الدولى، ونتج عنه العديد من الآثار السلبيّة، ليس على علاقات أمن الفضاء فحسب، ولكن أيضا على البيئة الفضائيّة الماديّة.
أفادت الحكومة الصينيّة آنذاك بأنّها لن تُجرى اختباراتٍ إضافيّة، ومع ذلك، تمَّ إجراء اختبارات مماثلة خلال عامَى 2010 و2013 تحت ستار الدّفاع الصاروخى. والجدير بالذكر أنّ اختبار العام 2013 وصلَ إلى ارتفاع 18600 ميل، بالقرب من المدار المتزامن مع الأرض (22.236 ميلا) حيث توجد معظم أقمار الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
فى العام 2015، اختبَرت الصين مركبتها الخارجيّة التى قيل عنها إنّها قادرة على تدمير الأقمار الصناعيّة الأمريكيّة، وذَكرت تقاريرٌ صحفيّة صينيّة أنّ الاختبار كان تجربة طيران اعتراضيّة للدفاع الصاروخى، وذُكِر وقتها أنّ الصاروخ الذى تمّ اختباره كانت لديه قدرات على متنه للاصطدام بالأقمار الصناعيّة وتدميرها.
وفقا لإحدى الدراسات التى أُجريت فى العام 2017 حول عدد الإطلاقات الصاروخيّة التى نفَّذتها مختلف الدول، احتلَّت الولايات المتّحدة الأمريكيّة الصدارة بنسبة 32%، بينما تبعتها روسيا، والصين بنسبتَى 23% و20% على التوالى. أمّا الغريب فى الأمر، فهو الدخول المفاجئ لنيوزلندا فى هذا المجال، الأمر الذى يوضح أنّ المشروعات التجاريّة للمساعى الفضائيّة آخذة فى الازدهار فى جميع أنحاء العالَم.
فى الوقت الرّاهن، بلغَ عددُ الدول الفاعلة فى هذا المجال 14 دولة هى: روسيا، والولايات المتّحدة الأمريكيّة، والصين، والمملكة المتّحدة، وفرنسا، وكندا، واليابان، والهند، وإسرائيل، وأوكرانيا، وإيران، وكوريا الشماليّة، وكوريا الجنوبيّة، ونيوزلندا.

ما بين التسليح والتأمين

دَفَعَ تسارُع اتّجاه القوى الدوليّة نحو الفضاء الخبراءَ إلى إثارة الجدل حول أفضل طريق لأمن الفضاء؛ حيث يرى البعضُ أنّ الدِّفاعات الفضائيّة ستكون ضروريّة لحماية الأقمار الصناعيّة العسكريّة والمدنيّة المُهمّة. أمّا البعض الآخر، فيرى أنّ الفضاء يجب أن يكون «ملاذا آمنا» من الأسلحة المُنتشرة والصراع العسكرى، ولاسيّما بالنّظر إلى التهديد المُتفاقِم الذى يشكّله الحطام الفضائى المدارى.
ما زال النظام القانونى المُعتمَد لتنظيم الأنشطة الفضائيّة غير قادر على معالجة التطوُّرات التكنولوجيّة الحديثة؛ فمع تزايُد عدد الدول الفاعلة فى هذا المجال بهدف الحفاظ على المصالح الوطنيّة، لم تعُد هناك نيّة حقيقيّة من قِبَلِ تلك القوى تجاه تشكيل نظامٍ قانونى فعَّال يُمكنه أن يُعالِج الأبعاد المختلفة لعسْكرة الفضاء، وذلك على الرّغم من وجود العديد من الاتّفاقيّات التى تُجَرِّم استخدامَ الفضاء لأغراضٍ عسكريّة، أبرزها «معاهدة الفضاء الخارجى لعام 1967»، والتى وافقت عليها أكثر من 100 دولة.
فى العام 2020، أعلن الرئيس الأمريكى السابق «دونالد ترامب» إنشاءَ الفرع السادس للجيش الأمريكى المعروف باسم «قوّة الفضاء»، وهو المسئول عن مجموعة من القدرات العسكريّة الأمريكيّة الحيويّة فى الفضاء، والتى تشمل كلّ شىء بداية من الأقمار الصناعيّة ــ العمود الفقرى للجيش الأمريكى ــ التى تعمل بنظام تحديد المواقع العالَمى (GPS)، وحتّى أجهزة الاستشعار التى تساعد فى رصد إطلاق الصواريخ.
حذَّرَ بعضُ الخبراء الأمريكيّين من خطورة تعرُّض الولايات المتّحدة الأمريكيّة لحادثٍ من نَوع «بيرل هاربور» فى الفضاء، وأكَّدوا على أهميّة تبنّى إصلاحات «ترامب» لسياسات الفضاء الأمريكيّة، والتى نادت باستثمار ما يقرب من تريليون دولار على الأقلّ، فى البحث والتطوير لحفْظِ مكانة الولايات المتّحدة الأمريكيّة كقوّة عظمى، خاضت من أجل بنائها الحربَيْن العالَميّتَيْن الأولى والثانية، والحرب الباردة.
لم يقتصر الأمر على الولايات المتّحدة الأمريكيّة فحسب، بل أصبحت حرب الفضاء شبحا يطارد القوى الكبرى من أجل الفَوز بالتنافُس الجيوسياسى والعسكرى؛ فقد اتّخذت بعض الدول الكبرى إجراءات معيّنة بهدف تعزيز وضعها فى هذا المجال؛ فعلى سبيل المثال دَمجت فرنسا بين كلٍّ من القوّات الجويّة والقوّات الفضائيّة، كما أَعلن حلف الناتو أنّ أىّ هجوم على الفضاء أو منه أو داخله قد يتطلَّب استدعاءَ المادّة (5) المتعلِّقة بالدّفاع المُشترَك، أيضا نَشرت المملكة المتّحدة مؤخَّرا كلّا من استراتيجيّة الفضاء الوطنيّة، واستراتيجيّة الدّفاع للفضاء.

تشويش وقرصنة

يتوقَّع الخبراء أنّ الهجوم الأكثر ترجيحا خلال الفترة المقبلة سيأتى على شكل تشويش أو حرب إلكترونيّة تمنع المُستخدِمين من تشغيل أجهزتهم، أو فى شكل توجيه هجمات طاقويّة إلى أجهزة الاستشعار تؤدّى إلى إصابتها بالشلل التامّ، أو ربّما يتمّ شنّ هجومٍ مُقرْصِنٍ على كمبيوترات المحطّة الأرضيّة التى تتحكّم فى القمر الصناعى، بحيث تتمّ السيطرة عليه والتحكُّم فيه بشكلٍ لا تستطيع الدولة المالكة للقمر الصناعى تشغيله.
فى هذا الصدد يقول «براين ويدين»، وهو ضابط سابق فى القوّات الجويّة الأمريكيّة: «إنّ هذا النهج غير الحركى هو أكثر قيمة لجعْلِ المعدّات عديمة الفائدة، بدلا من تدميرها ماديّا، وهى استراتيجيّة أقلّ تكلفة، ويصعب توجيه اتّهامٍ إلى جهة محدَّدة بارتكاب الهجوم».
تشير البيانات إلى وجود 3372 قمرا صناعيّا فى الفضاء، 77% منها (أى 2612 قمرا صناعيّا) فى المدار الأرضى المُنخفض، و16.6% (أى 562 قمرا صناعيّا) فى المدار الثابت للأرض، و4% (أى 139 قمرا صناعيّا) فى مدارٍ أرضىّ متوسّط. وعموما تبلغ نسبة الأقمار الصناعيّة العسكريّة أو ذات الاستخدام المزدوج 15.5% أى نحو 516 قمرا صناعيّا.
فى ضوء ما سبق، يُمكن القول إنّ الاعتقاد السائد بحتميّة تسليح الفضاء نابع من الاقتناع بأنّ حروب المستقبل ستنصرف إلى حروب الفضاء التى لن تختلف بالضرورة عن الحروب التقليديّة، وكذلك ضرورة السعى وراء القدرات الفضائيّة كى تملك الدول خيار نشرِ أسلحةٍ فى الفضاء لردْعِ التهديدات، والدّفاع ضدّ الهجمات المُحتملة على مصالحها القوميّة، هذا بالإضافة إلى حتميّة الانخراط فى تسليح الفضاء، خشية أن يُفهم ضبْطُ النَّفس على أنّه ضعفٌ مُحتمَل.
أصبح الفضاءُ الخارجى مسرحا لمُنافَسة القوى الفضائيّة الكبرى، وأضحت عسْكَرَتُه أمرا واقعا يؤجِّج احتمالات الصراع فى المستقبل، ولاسيّما فى ظلّ تنامى المشاعر العدائيّة، وتبنّى السيناريو الأسوأ لا التعايش السلمى بين الدول فى اتّجاهٍ مُنافٍ للّذى تنصّ عليه الاتّفاقيّات الدوليّة.
لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فقد أُتيحت الفُرص لدول أخرى كى تنخرط بدورها فى عسكرة الفضاء، ما يعنى أنّ سباق التسلُّح الفضائى الجديد يدور بين أقطابٍ عدّة، مدفوعا بتصاعد الأهميّة الاستراتيجيّة للأقمار الصناعيّة التى أصبحت جزءا من البنية التحتيّة الحيويّة للعديد من البلدان.

النص الأصلي

التعليقات