سمات التنزيل المكى هى دعوة التوحيد، وإهانة الأصنام والأوثان، وإطلاق حرية الناس فى التفكير فى واقعهم ومستقبلهم. وثانى سمات التنزيل المكى هى إعلام السامع والقارئ عن طبيعة الإنسان وتكريم الله له، ثم إعلامه بالكون العظيم وما فيه من مخلوقات خلقها الله لخدمته ونفعه ورفاهيته.
كذلك فإن تاريخ النبوة من لدن آدم وإلى عيسى قد غطى مساحة كبيرة ليس لغرض التأريخ فحسب بل لإعلام الناس أن الله لم يهمل عباده، ولم يكلهم إلى أنفسهم يظلم بعضهم بعضا، بل دائما ما تواصل طابور النبوة والرسالة يخرج الناس من الظلمات إلى النور.
وما دام الدين قد بدأ فلابد من شعيرة يسيرة تربط العابد بالمعبود فكانت الصلاة... عبادة موقوتة يسيرة غير مكلفة يستطيعها الصغير والكبير، والغنى والفقير، كما يستطيعها الصحيح والمريض، وهى تصاحب الإنسان فى إقامته وسفره، وفى ليله ونهاره.
وقد أبدع علماء علوم القرآن حينما أشاروا إلى أن أسلوب النداء الغالب على التنزيل المكى هو يا أيها الناس أو يا بنى آدم كما لاحظوا أن شعيرة أخرى قد تتنزل الإشارة إليها وهى شعيرة الزكاة غير أن القرآن والنبى لم يحددا مقادير الإخراج حتى تساءل الناس (( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ))
ومن سمات آخر التنزيل المكى التركيز على إظهار هجرة جميع الأنبياء إلى أماكن أخرى غير التى بعثوا فيها فهذا إبراهيم (( إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ)) وكذلك موسى وعيسى وترتب على ذلك ظهور علامة أخيرة وهى تشريع الهجرة وبيان درجتها ومستواها من الجهاد، وقد توافق أهل العلم على عدة معايير يغلب وجودها فى التنزيل المكى وأبرز ما اتفقوا عليه :
1ــ كلما وجدت حديثا عن الشرك والوثنية والأصنام وعبادتها تعرف أنك بصدد تنزيل مكى لأن مكة كانت مصابة بصناعة الآلهة وعبادتها وقد تكاثر الكهان والعرافون يصرفون الناس عن التوحيد
2 ــ جميع سجدات التلاوة جاءت فى سور مكية، وعددها 15 فى سور: الأعراف، الرعد، النحل، الإسراء، مريم، الحج(سجدتان)، الفرقان، النمل، السجدة، ص، فصلت، النجم، الانشقاق، العلق.
3 ــ باستثناء سورتى "البقرة وآل عمران"فإن السور التى تضم قصص الأنبياء وأخبارهم هى سور مكية.
4 ــ سور القرآن الحاوية لقصص آدم وموقف إبليس، هى سور مكية عدا سورة البقرة فإنها مدنية لأنها كانت تربط التنزيل المكى بالمدنى.
5 ــ كذلك تميز التنزيل المكى بأن السور المفتتحة بحروف الهجاء فيه سواء فردية مثل (ص، ق، ن) أو ثنائية مثل (طه، يس، حم) أو ثلاثية مثل (ألـر، طسم) أو رباعية مثل (ألمص) أو خماسية مثل (حم عسق، كهيعص) كل تلك السور مكية عدا سورتا البقرة وآل عمران فهما مدنيتان
6 ــ سور التنزيل المفصل وهى من أول سورة الحجرات وحتى نهاية المصحف عدا سور قليلة.
7 ــ أن لفظ كلا فى القرآن لم يرد إلا فى التنزيل المكى، وقد تكرر لفظ كلا فى القرآن 33 مرة جاءت جميعها فى النصف الأخير من القرآن فحيثما وجدت كلا كانت السورة مكية وأول ورود لها فى سورة مريم فى قوله تعالى (( كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)) مريم(82).
ومن أطرف المرويات حول مستوى حفظ القرآن وتدبره، ماجاء بشأن المرأة التى حكم الحجاج بن يوسف الثقفى على ولدها بالإعدام، فقابلت المرأة الحجاج ودار الحوار التالى: إنه وحيدى ليس لى ولد غيره فأسألك أن تعفو عنه قال الحجاج: كلا، قالت المرأة: أسألك بحق من حذف كلا من نصف المصحف الأول أن تعفو عن ابنى فقال الحجاج: عفوت عنه لفصاحتك..
فانظر مستوى دقة حفظ المرأة وأعجب منه سرعة الحجاج فى مراجعة نصف المصحف.