من لديه مشروع لمصر؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من لديه مشروع لمصر؟

نشر فى : الجمعة 19 أكتوبر 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 أكتوبر 2012 - 8:45 ص

تمر مصر بمرحلة حرجة تدفع فيها ثمن التراكمات السلبية لممارسات النظام القديم، الذى أفقر المصريين ورحل وقد خلف وراءه تركة ثقيلة من الديون والاستحقاقات التى تكبل عجلة النمو، بالإضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادى بشكل عام وضعف الاستثمارات عقب الثورة ووصول عجز الموازنة إلى أعلى درجاته فى تاريخ مصر الحديث.

 

نحن أمام مشكلة مركبة ومعقدة تحتاج إلى حلول عاجلة على المدى القريب وتحتاج إلى خطط متوسطة وبعيدة المدى للهروب من شبح الافلاس والانهيار الاقتصادى، ومن المنطقى اذا وجدت بلدا بهذه الظروف أن نخبتها وقادتها لا يألون جهدا للعمل متكاتفين قبل وقوع الكارثة.

 

●●●

 

ولكن المتابع لما يحدث فى مصر من احتقان واستقطاب سياسى وممارسات مؤسفة بلغت ذروتها بما حدث فى ميدان التحرير فى الجمعة الماضية من اقتتال بين المصريين لا ينبئ بالخير.

 

حالة التخوين المتبادل والهجوم المستمر والتربص من كل الأطراف ببعضها البعض يحول دون تحقيق أى تقدم للأمام، تحولت الساحة السياسية إلى مكلمة لا تنتهى وصراعات فارغة تشبه معارك رياض الأطفال، وكل طرف يبذل أقصى جهده لتحقير الآخر والنيل منه ويعتبر أن هذا هو الانتصار وبين هذه المراهقة السياسية يسقط وطنا ويجوع شعبا بائسا لا حول له ولا قوة بعد أن ابتلاه الله بنخبة لا تفكر فيه بل تفكر فى مغانمها ومكانتها.

 

من المؤسف أن صراعات القوى السياسية ليست على برامج اقتصادية أو برامج اجتماعية أو خطط تنموية، وانما على كل شىء لا علاقة له بحياة المصريين اليومية ومعاناتهم.

 

●●●

 

يتحدث الإخوان عن مشروع النهضة وهم اول الناس معرفة أنهم لا يملكون شيئا سوى عناوين وعبارات فضفاضة تحتاج لجهد طويل حتى يمكن أن تخرج فى طرح متماسك يتحدث عن تفاصيل وآليات وخطط قابلة للتنفيذ وتستطيع تغيير الواقع.

 

وليس الليبراليون بأفضل حال من الإخوان فكل البرامج الحزبية متشابهة ومكررة، تتحدث فى فضاء الأفكار الواسعة دون برامج أو تصورات تفصيلية تمثل مشروعا حقيقيا للنهضة، ولو كان الليبراليون الحاليون فى مصر قد تولوا الحكم لم يكن حالهم سيكون أفضل من الإخوان كثيرا.

 

أصاب التجريف الجميع بلا استثناء، فافتقدت مصر رجال الدولة وصارت مثل محرك قديم تآكلت تروسه ومفاصله فلا يخرج لك الا القليل مما تنتظر من الطاقة هذا إذا استطاع الدوران من الأصل.

 

●●●

 

يطنطن الجميع حول العدالة الاجتماعية ولكن لا ترى تصورا واحدا يشرح لك كيف يمكن أن يتحول شعار العدالة الاجتماعية إلى برامج وخطط ومشروعات على الأرض تستطيع سد الفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء فى مصر.

 

يسهب الكل فى الحديث عن مشكلة المناطق العشوائية وتتساقط دموعهم على مأساوية الأوضاع الإنسانية بداخلها ويتفقون أنه لابد من تطوير العشوائيات ولكن لا أحد يجيب عن سؤال كيف؟

 

مل المصريون من توصيف المشاكل الذى تجيده كل النخب السياسية ببراعة واقتدار، ولكنهم مازالوا ينتظرون مشروعا حقيقيا للنهضة تبدأ خطواته بتأثير ايجابى ينعكس على حياتهم ويغير واقعهم.

 

إن القوى السياسية بمختلف اتجاهاتها عليها أن تعترف أنها لا تمتلك مشروعا لنهضة مصر، وانما تمتلك أحلاما وأمانى لن تستطيع أن تنقذ مصر مما هى مقدمة عليه إذا لم تتحرك يد الإنقاذ العاجلة.

 

كل من يقرأ الأرقام المفزعة للمؤشرات الاقتصادية الأخيرة يجب أن يشعر بالخطر على ما هو قادم، وترف الصراع السياسى سيجرفه طوفان الاحتجاج الاجتماعى وبركان الغضب الشعبى الذى سيندلع إذا استمر تدهور الأوضاع الاقتصادية الحالية.

 

●●●

 

الرهان على فشل الإخوان فى ادارة المرحلة وقيادة البلاد لبر الأمان هو مقامرة على مصير وطن وشعب قام بثورة سالت فيها دماء أبنائه من أجل حياة أفضل مثلتها ثلاثية الثورة عيش حرية عدالة اجتماعية.

 

فشل الإخوان وهم فى السلطة الآن لن يدفع ثمنه الإخوان وحدهم بل ستدفعه مصر كلها وسيجعل مهمة القادمين بعد ذلك أصعب بكثير لأن مصر لا تحتمل تجارب جديدة للفشل وزيادة الرجوع للوراء.

 

لذا على كل المخلصين من أبناء الوطن أن يدركوا خطورة اللحظة التاريخية وليعلم الجميع أن النهضة قبل أن تكون إرادة شعب هى ارادة نخبة تستطيع أن تقود هذا الشعب إلى الأمام لتساعده على تخطى العثرات والبدء من جديد.

 

●●●

 

ثلاث نقاط أساسية يجب أن توضع فى الاعتبار لمن يريدون المضى نحو بناء مشروع حقيقى للنهضة ينتشل مصر من كبوتها:

 

أولا: التواضع والاعتراف بالواقع بأنه لا يوجد مشروع حقيقى للنهضة متكامل لدى أى تيار سياسى وأن بناء المشروع يحتاج إلى لحظة اصطفاف وطنى ـ حقيقية وليست بالخطب والشعارات ـ تجمع كل المخلصين وأصحاب الخبرات والكفاءات وليس أهل الثقة.

 

ثانيا: إنهاء حالة الاستقطاب والعبث السياسى المستمرة منذ التنحى وحتى الآن وبلوغ حالة الرشد السياسى التى تقدم مصلحة الوطن قبل مصلحة الأحزاب والجماعات، وتحجيم الأصوات المتطرفة داخل كل تيار سياسى لتختفى حالة التصادم المستمرة والمعارك التافهة المفتعلة التى لا ينبنى عليها شىء لمصلحة الوطن، وعلى رأس ذلك الانتهاء من عملية وضع الدستور بشكل توافقى يعبر عن كل المصريين، والاستعداد لإصلاح المنظومة التشريعية من خلال البرلمان الجديد الذى يجب أن تتم انتخاباته فى أسرع وقت ليكتمل بناء مؤسسات الدولة ويعود الاتزان والفصل بين السلطات.

 

ثالثا: تحويل اهتمام الرأى العام إلى قضايا التنمية وتحديات المرحلة، وتحلى وسائل الاعلام بالمهنية والنضج والبعد عن المهاترات وافتعال المعارك أو التركيز على التفاهات وعلى النماذج المتطرفة التى تصنع حالة التشتت الجمعى وتصرف الأنظار عن الأولويات ذات الأهمية.

 

●●●

 

وأخيرا فإن الأجيال القادمة سيتوقف مستقبلها على ما سنقدمه نحن ولن يرحم التاريخ جيلنا ولا نخبتنا إذا استمرت مسارات التيه وترك ما ينبغى فعله

مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات