من لينين إلى موغابى وبينهما الأسد - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من لينين إلى موغابى وبينهما الأسد

نشر فى : الأحد 19 نوفمبر 2017 - 11:05 م | آخر تحديث : الأحد 19 نوفمبر 2017 - 11:05 م
نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب «حازم صاغية» جاء فيه: ظلّ النظام السوفييتيّ يقدّم إنجازات للروس ولبقية الشعوب السوفييتيّة إلى أن أسقطته تلك الشعوب ومزّقت دولته.

هذا هو الانطباع الذى يخرج به قارئ بعض الاحتفاليّات العربيّة بمئويّة ثورة أكتوبر 1917. أمّا الإنجازات التى ثار الشعب ضدّ كثرتها وأسقطها، فلا تنتمى إلى عالم الأرقام، تبعا لندرة الأرقام التى تدعم فكرة الإنجازات. إنّها تنتمى إلى عالم القبائل: ذاك أنّ النظام الذى أنشأه لينين وتروتسكى، ووطّده ستالين، «تحدّى» الإمبرياليّة. «أفشل» و «أسقط» و «هزم» وانتصر لـ «الكرامة»، ثمّ ولّى غير مأسوف عليه.

ونعرف، فى جوارنا السوريّ القريب، كيف عمل هذا «النهج»، ولا يزال يعمل، بكفاءة منقطعة النظير: صحيح أنّ حافظ الأسد خسر الأرض وصادر الحرّيّات وأفقر المواطنين، إلاّ أنّه أيضا تحدّى الإمبرياليّة والصهيونيّة. ومثله كانت حال صدّام حسين فى العراق، وقبلهما جمال عبدالناصر فى مصر. الأرقام تافهة. التحدّى هو الأساس. النتائج لا قيمة لها، وكلّ القيمة للمقدّمات.

من الظلم أن نُحيل إلى ثورة أكتوبر ونظامها هذه الظاهرات العربيّة والعالمثالثيّة الكثيرة التى تبقى مجتمعاتها مصدر تطوّراتها الأبرز والأهمّ. لكنْ من غير الظلم أن نقول إنّ ثورة أكتوبر ونظامها، وطريقتهما فى محاكمة الأمور، إنّما رفدت الظاهرات العربيّة والعالمثالثيّة المشار إليها: رفدتها بتحديث كذبها وتحويله إلى «علم». فالسيّد روبرت موغابى، مثلا، وهو الذى انقلب عليه الجيش قبل عدة أيّام ووضعه قيد الإقامة الجبريّة، لم يقل عند تخلّصه من خصومه السياسيّين إنّه يريد تحكيم قبائل الشونا التى ينتمى إليها، ويريد تحويل نفسه إلى مستبدّ مطلق. لقد زعم أنّه كـ«ماركسيّ– لينينيّ» و «ممثّل للطبقة العاملة» أشدّ تقدّما من خصمه آنذاك جوشوا نكومو لأنّ الأخير «رجعيّ». وهذا علما بأنّ نكومو، النقابيّ والقائد التاريخيّ للحركة الوطنيّة فى روديسيا/ زيمبابوى، لم يخسر المنافسة بسبب «رجعيّته»، بل لأنّ قبيلته، النديبيلى، أصغر وأضعف من الشونا. وبالطبع يمكن أن نضع فى خانة موغابى أسماء كثيرين، كعبدالفتّاح اسماعيل فى اليمن الجنوبيّ مثلا، فيما نضع فى خانة نكومو اسم عبدالله الأصنج أو قحطان الشعبى، من دون أن يطرأ على المعادلة الأكتوبريّة تغيّر يُذكر.

وعلى هذا النحو حكم موغابى بلده منذ 1980 كرئيس حكومة، ومنذ 1987 كرئيس جمهوريّة، فعقّمها سياسيّا واقتصاديّا وثقافيّا تماما. وانتهى بها المطاف، وهو اليوم فى الثالثة والتسعين، ساعيا إلى توريث زوجته السيّدة غرايس، تماما كما ورّث «الرئيسان المناضلان» كيم إيل سونغ وحافظ الأسد نجليهما كيم جونغ إيل وبشّار الأسد.

ولأنّ كلّ شيء قابل للإباحة بحجّة مناهضة الإمبرياليّة والاستعمار، تمكّن موغابى من أن يفعل كلّ ما فعله بمجتمعه. هكذا لم يعد هناك، فى هذا المجتمع المعقّم، مَن يزيحه إلاّ الجيش، علما أنّ التجارب الكثيرة مع الانقلابات العسكريّة لا توحى بالتفاؤل. فقد يزاح موغابى ويبقى شيء كثير من الموغابيّة، تماما كما أزيح نظام أكتوبر الروسيّ وبقى شيء منه فى فلاديمير بوتين. ذاك أنّ تحديث الكذب واستخدامه منشارا يستأصل حيويّة المجتمع إنّما يخدمان طويلا وكثيرا. فباسم تلك الشرعيّة التى أسّستها ثورة أكتوبر (بالأحرى، انقلاب أكتوبر) يُزوّر الماضى ويُهان الحاضر ويُعلّق المستقبل فى آن!

الحياة ــ لندن

 

التعليقات