لماذا ميلاد محمد؟ صلى الله عليه وسلم - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا ميلاد محمد؟ صلى الله عليه وسلم

نشر فى : الجمعة 19 ديسمبر 2014 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 ديسمبر 2014 - 8:45 ص

(1)

كان العالم البشرى قد بلغ درجة من الانحطاط تقارب ما تعيشه البشرية الآن، فالقوى السياسية الغالبة على العالم وقتئذ قوتان طاغيتان، هما: الفرس والروم.

فأما الفرس فهم قوم غلبت عليهم شقوتهم، فإذا هم يعبدون النار، وما أدراك ما عبادة النار!! فالإنسان العاقل يعبد إلها ينفع نفعا عاما لا تمله النفس فى أى لحظة، ويحتاجه الإنسان فى كل لحظة، وإذا احتاجه ولجأ إليه وجده جاهزا لعونه ودعمه، وجاهزا لدفع أى ضرر عنه. فهل يظن عاقل أن النار تصلح أن تكون إلها؟!

من يعبد النار يراها قوة حارقة فيظن أنها تحرق عدوه فتريحه منه. وينسى أن النار لا تميز بين عدو وحبيب، وأنها قادرة على الإحراق والإفناء، ولا تقدر على إحراق شىء وإعفاء شىء آخر من الحريق، فالنار قوة تأكل كل ما يصدافها حتى الشجر الأخضر الممتلئ بالماء (الَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ) (يس 80).

(2)

ومن يعبدالنار ينظر إلى شعلتها ويتغافل عن مساوئها وما تسببه من عرق ودخان يحجب الرؤيا ويكاد يختنق الإنسان منه.

ومن يعبد النار يتناسى أنها لا تقدر على إشعال نفسها، فهى عاجزة عن إيجاد نفسها، بل تنتظر من يشعلها ومن يقدم لها طعامها من الوقود وإلا خمدت لا تقدر على شىء.

فقل لى بالله عليك إذا كانت النار لا توجد نفسها، ولا تقدر بذاتها على الاستمرار فلابد لها من وجود من يمدها بالوقود لتبقى محرقة، فهل تصلح تلك النار أن يعبدها أحد؟

تلك النار العاجزة عن إحياء نفسها لهى أشد عجزا عن إمداد غيرها بالحياة، تلك التى لا تستطيع أن تحافظ على ما حولها بل ولا تحافظ على نفسها، ألم ترَ إلى النار يصدق عليها قول القائل: النار تأكل بعضها ما لم تجد ما تأكله.

فإذا كان الفرس يعبدون النار، فأى خير ينتظر من هؤلاء؟ لا ينتظر منهم إلا إحراق ما حولهم وإفناء العالم حتى إذا لم يبقَ غيرهم حرقوا أنفسهم. ليتهم يتفكرون قليلا ليعلموا أن الطين الذى يدوسوه بأقدامهم أنفع وأكثر أمانا من النار.

«النار تفنى نفسها ومحيطها.. والطين للإنبات والتكوين»

(3)

أما القوة السياسية العالمية الأخرى فهى دولة الروم، تلك الإمبراطورية العتيدة التى فشا ظلمها فى انحاء واسعة على ساحة العالم.. فماذا كان يعبدالرومان؟ كان الرومان قد حرفوا المسيحية تحريفا شديدا فغيروا حقيقة الالوهية إذ جعلوا الإله يحمل ويلد، أو ينجب ويلد، بل جعلوه إلها يثير السخرية لا يقدر على حماية وليده فيتركه لأعدائه يفعلون به الأفاعيل.

كما حرفوا الشعيرة الرئيسة لدينهم وهى شعيرة «السلام» فزوروها وجعلوا اشاعة السلام والدعوة إليه سببا لإشعال الحروب وإراقة الدماء وها هم ــ أولئك الرومان ــ يعينون مندوبهم السامى حاكما من قبلهم على مصرنا كمستعمرة مهيضة الجناح، لا يكتفون بنهب ثرواتها لتمويل جيوشهم بل يحاربون أهلها فى معتقدهم، يحرقون كنائسهم ويقتلون القساوسة حتى يضطر البطرق الأعظم (بنيامين) أن يهجر كرسى البطريرك فى الإسكندرية.. ويغيب فى الصحراء مختفيا عن عيون جواسيس الرومان وجنودهم، ولم يعد إلى ممارسة وظيفته إلا فى حماية عمرو بن العاص.

(4)

وبجوار الفرس والروم وجدت هناك دويلات وشعوب لا أثر لها على صفحة العلاقات الدولية مثل العرب سكان الجزيرة العربية، وهم أيضا قد ضلوا ضلالا بعيدا إذ اتخذوا أصناما وأوثانا من الحجارة ومن بلح (العجوة) ليعبدونها من دون الله. وبلغ من غباء هؤلاء البدو أنهم يصنعون الأصنام بأيديهم ويعبدونها، بل ويستأجرون من يستطيع التفرغ ليعمل كاهنا لدى تلك الآلهة ويجزلون له الأجر (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا) (طه 89)

هكذا كان العالم الإنسانى قد بلغ قمة الإنحطاط ساعة أن أذن الله جل جلاله بميلاد محمد (صلى الله عليه وسلم) يفتح صفحة للحوار الإنسانى الرشيد ويحث جميع الشعوب على وضع الأمور فى نصابها: سلاما بلا حروب ولا فتن، وتنمية شاملة تحفظ خيرات الله وتستثمرها لصالح الشعوب، وكرامة إنسانية موفورة لا تنحنى إلا للواحد الأحد.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات