ما بعد الربيع.. حديث فى التاريخ والجغرافيا - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 3:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بعد الربيع.. حديث فى التاريخ والجغرافيا

نشر فى : الأحد 20 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 20 يناير 2013 - 8:00 ص

لنبتعد قليلا فقد تكون الصورة أوضح.. كان هذا ما فكرت فيه فى الطائرة التى أقلتنى إلى الكويت ملبيا دعوة كريمة من المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب لأشترك مع مجموعة مهمة من مثقفى هذا الوطن المهموم بتحولاته فى مناقشة تداعيات.. أو إن شئت العنوان الذى اختاره المنظمون «ارتدادات الربيع العربى». متخذين من ذكرى مرور عامين على «البداية التونسية» للتحولات مناسبة لمناقشة «أكثر هدوءا» لما جرى، ومحاولة أكثر جرأة للإجابة عن السؤال الأهم: الى أين..؟ ولم تكن مجرد مصادفة أن السؤال ذاته كان قد تردد على لسان كل من استوقفنى، إن فى مطار القاهرة أو ديوانيات الكويت، وتحديدا عن مصر التى يعتبر الجميع أن ما سيحدث فيها إما سيأخذ المنطقة كلها الى الأمام حيث آفاق الديموقراطية «الحقيقية»، أو سيرجع بها مئات السنين إلى الوراء حيث تغرق فى جُب التاريخ متعثرة بحقائق الجغرافيا.

 

إرشاد هورموزلو المستشار الأول لرئيس الجمهورية التركى (وهو مثقف متميز يجيد العربية كأهلها) كان حاضرا بشخصه. وكان طبيعيا أن يستدعى حضوره إلى الأذهان حضورا تركيا يراه البعض أو يخطط له آخرون فى معادلات ما بعد الربيع. وكان طبيعيا عند نقطة التماس الكويتية تلك، وعلى طاولة ثقافية رصينة، وفى حضور «شامى» معتبر، أن يُستَدعى التاريخ بقراءاته المتباينة ربما الى ساحة الجغرافيا؛ خرائط جديدة وقديمة، سياسية وثقافية.. ودينية.

 

بعيدا عن ورقته «رسمية الصياغة»، كانت كلمة «المثقف» التركى المرتجلة، ومداخلاته المتعددة مُحَفزة لكثير من التعليقات والنقاشات. دعانا الرجل أن ننسى ما كان فى التاريخ «فالزمن تغير». موضحا «لسنا زعماء السنة.. والمسألة لا تشغلنا» ومؤكدا «أننا نبحث عن مكان فى المستقبل لا فى الماضى.. ولا نعتبر أن علمانية الدولة تتعارض مع الشريعة».

 

لا جديد ربما فى كلام المستشار الأول لرئيس الجمهورية التركى. فكلام مشابه سمعناه من رجب طيب أردوجان قبل نحو العام. ولكن الرجل ذكرنا به.. وبعض الذكرى تنفع المؤمنين.

 

•••

 

وإذا كان الشىء بالشىء يُذكَر، فقد ذَّكرنى حديث التاريخ والجغرافيا بمقالة مهمة للأستاذ فهمى هويدى عن التجربة السودانية «كأول وأقدم حالة تولى فيها الإسلاميون السلطة فى العالم العربى» («الشروق» ١٣ يناير ٢٠١٣) حين أُوكلت إلى مهمة مناقشة ورقة الدكتور حيدر إبراهيم الأكاديمى السودانى المعروف والتى حاول فيها الإجابة عن سؤال محوره: لماذا تأجل الربيع السودانى؟ أو هل من الممكن حدوث ربيع سودانى؟

 

يعتقد المثقف السودانى أن النظام هناك يحتفظ بالسلطة لأنه نجح فى أن يقتات على ترويج الشعور بالخطر؛ حقيقيا كان أو مفتعلا. فلا حديث إلا عن «المؤامرات» الداخلية والخارجية، والاسلاموفوبيا «واستهداف المشروع الإسلامى». وأن السودان يُعاقَب لتطبيقه شرع الله.. وغير ذلك من حديث يستحضر الهمم، وربما يستحضر الهاتفين الى الشوارع، ولكنه لا يستحضر المستقبل. فضلا عن أنه بالطبع لا يُسمن ولا يُغنى من جوع. (وصلت نسب من يعيشون تحت خط الفقر الحد الأقصى عالميا، وتدهور مستوى معيشة الفئات الوسطى لدرجة تهدد انزلاقها الى خط الفقر. ويحتل السودان المرتبة الثالثة على مؤشر الدول الفاشلة لمجلة فورين بوليسى).

 

ويقول الدكتور حيدر إن الدولة هناك نجحت فى إشغال السودانيين بسؤال الهوية، فحاروا فى تعريف أنفسهم هل هم عرب أم مسلمون أم أفارقة، ويذكرنا كيف أعلن الرئيس السودانى عمر البشير فى مدينة القضارف قبل أشهر قليلة «إلغاء تعددية السودان» فى خطاب جماهيرى حاشد. ويتساءل كيف فشلت الدولة فى «إدارة التنوع»، الى درجة أن يختار أكثر من ٩٨٪ من مواطنيها (غير المسلمين) فى الجنوب الانفصال عن دولة يفترض أنها «إسلامية تحكم بشرع الله» ورغم كل هذا الكم من الفقه الذى يحفظ حقوق غير المسلمين فى المجتمع المسلم.

 

وكأننا فى الهم شرق، لا يعفى الدكتور إبراهيم المعارضة السودانية من المسئولية (ويبدو أنها أزمة المعارضة العربية أنَّى ذهبت)، فيذكرنا بتلك التى إما مالأت النظام الحاكم بحثا عن مكان الى جواره، وإما انفصلت عن الشارع مكتفية «بحركة فى المكان» يعوزها الوقود اللازم لحركة حقيقية، وهو وقود لن تجده إلا فى الشارع؛ بسطائه وشبابه المتمرد.

 

وبغض النظر عن إجابات الرسميين هناك التى أشار اليها د.إبراهيم، والتى تنحصر كالعادة فى أن «السودان ليس تونس أو مصر.. لأننا سبقناهما وجئنا بالشريعة إلى الحكم»، يظل السؤال وإن نظريا قائما: هل يشهد السودان ما شهده جيرانه العرب فى ليبيا ومصر؟

 

بمزحة «بدت ثقيلة» رد أحد الحاضرين على السؤال بسؤال: وهل يذهب الربيع إلى السودان، أم يذهب الربيع ببلدانه إلى ما ذهب اليه السودان؟

 

بدا السؤال للوهلة الأولى ثقيلا.. وافتراضا أكاديميا لا أكثر. ولكنه (فى حضور ضيفنا التركى والأخبار القادمة من سوريا والعراق والسودان.. ولا أريد أن أقول ليبيا) استدعى إلى الطاولة كلاما كثيرا يدور كله حول الهوية.. والتاريخ.. والجغرافيا.. الإمبراطورية.. والدويلات. وعلى ورقة صغيرة لخصت كل ما قيل من نقاش أمامى فى سؤال واحد أظنه سيحدد ملامح أيامنا المقبلة. أو بالأحرى أيام أجيالنا المقبلة:

 

ــ إلى أى مدى سيضع سؤال الهوية، واستدعاء التاريخ، ظلالهما على خرائط الجغرافيا؟

 

حين بادرت كعادتى بنقل ما تيسر من مناقشات الغرف المغلقة الى ساحات رحبة لمواقع التواصل الاجتماعى على الانترنت، والتى كانت قد انتهت للتو من استحضار الهمم «لاستعادة الأندلس»، لم يكن لافتا أن معظم ردود الفعل «وبعضها حاد كما اعتدنا» ذهب فى معظمه إلى استحضار الهوية والتاريخ. متمترسا أو متوعدا.. وفى كل الأحوال مؤكدا بتعليقاته «القاطعة» على أهمية السؤال.

 

•••

 

لا أريد أن أقع فى محظور «تعميم» ترفضه قواعد الأكاديمية الصارمة. ولذا يلزم توضيح أننا هنا نتحدث عن «التجربة» السودانية. وهى كمثلها من التجارب (فى ايران وباكستان.. إلخ) لها خصوصيتها التى حالت دون أن تطرق أبواب الربيع كما يقول الباحث السودانى، أو تجاوزت مقتضياته كما يقول الرسميون السودانيون. هى فى النهاية «تجربة». وما سميت التجارب هكذا إلا لندرسها.. ومنها نتعلم.

 

وبعد..

 

فى أواخر نوفمبر الماضى، وفى نقاش «رسمى» حاولت فيه أن أبين ضرورة احترام التنوع، وأهمية «وحدة الجبهة الداخلية» أمام ما نواجهه من تحديات، ومخاطر ما يواجه البلاد من استقطاب وانقسام، كان رد أحد السياسيين «المتنفذين» مهوِنا من الأمر: لا تسمه انقساما.. ولا تخيفنا من الاستقطاب.. فالاستقطاب فى كل مكان فى العالم. ثم أن «إقليم الباسك يطلب الانفصال عن إسبانيا».. يومها لم أجد لدى ردا على الكلام أبلغ من الصمت. وقانا الله وإياكم شر إقليم الباسك.

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات