كبار المسئولين.. عندنا وعندهم - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كبار المسئولين.. عندنا وعندهم

نشر فى : الأحد 20 مارس 2016 - 10:50 م | آخر تحديث : الأحد 20 مارس 2016 - 10:50 م
تثير الظروف التى أدت إلى إقالة المستشار أحمد الزند، وزير العدل، ومن قبله المستشار محفوظ صابر سلفه فى نفس الوزارة، أسئلة عديدة لا تتعلق بالأسباب المباشرة للإطاحة بكل منهما، ولكنها أعم من ذلك بكثير تدور حول نوعية من يتم صعودهم لتولى أعلى المناصب فى الدولة، وما إذا كانت تتوافر فيهم المهارات والقدرات التى لابد وأن يتحلى بها رجال الدولة فى عصر يلعب فيه الرأى العام دورا أساسيا فى تأكيد شرعية نظام الحكم، سواء كان ديمقراطيا أو غير ديمقراطى، ويخضع كل من يتصدى لمثل هذه المهام للمتابعة المستمرة من جانب الإعلام وللحكم على نشاطه على قنوات التواصل الاجتماعى.
  
والذى يدعونى لطرح هذه القضية هو شغفى بملاحظة كيفية مخاطبة كبار المسئولين فى الدول الكبرى، التى أعرف لغاتها، للرأى العام فى بلادهم. أشاهد على شاشة التلفزيون مؤتمرات صحفية وتصريحات لرؤساء مثل باراك أوباما أو دافيد كاميرون أو فرانسوا هولاند، كما أتيح لى أن أشارك فى محاضرات ولقاءات مع بعض الرؤساء السابقين أو وزراء خارجية دول أخرى فى زياراتهم للقاهرة، ويملكنى العجب عندما أقارنهم بكبار المسئولين عندنا. هؤلاء المسئولون الأجانب، أيا كان اتفاقى أو خلافى مع ما يطرحونه، يملكون القدرة على طرح مواقفهم وصياغة حججهم على نحو مقنع للغاية، وكلهم يتحدثون لغة بلادهم على نحو بليغ يثير الإعجاب.
  
بينما لا نكاد نجد مسئولا واحدا يتربع على قمة السلطة يجيد الحديث باللغة العربية، أو يعرض لما يفعل فى حكومته أو وزارته على نحو يحترم عقل من يشاهده أو يسمعه. كلهم يتحدثون وهم يعرفون أن من يناقشهم من الإعلاميين والإعلاميات هو متقبل لما يقول ومصدق له، وإلا ما منحه هذا المسئول «شرف» الحديث معه. ولعل سقطة وزيرى العدل السابقين أنهما جريا على ما هو مألوف لدى زملائهم من الوزراء، بل ولدى من يرأسهم، فليس هناك حساب على ما يقولون طالما أنهم يتصورون أنهم يحظون برضا رئيس الدولة.

***
ما هو السبب فى هذا البون الشاسع بين نوعية خطاب مسئولينا، ونوعية خطاب المسئولين فى الدول ذات الديمقراطيات المستقرة؟ يكمن الفارق فى رأيى فى الدور الذى تلعبه خمس مؤسسات أساسية والتى يتخرج فيها كبار المسئولين فى تلك الدول أو تصقل مهاراتهم، بينما لا تؤدى هذه المؤسسات دورها المأمول لدينا بسبب أوضاعنا السياسية والثقافية.

أولى هذه المؤسسات هى المؤسسة الحزبية. تخرج دافيد كاميرون وفرانسوا هولاند وأنجيلا ميركل بل وباراك أوباما من مؤسسات حزبية هى حزب المحافظين والحزب الاشتراكى والديمقراطى المسيحى والحزب الديمقراطى، كل فى بلده وبهذا الترتيب. وما كان لأى منهم أن يصل إلى مكانة قائد الحزب إلا باتباع أسلوب الإقناع لاجتذاب أعضاء الحزب لآرائه وأنه الأقدر على قيادة الحزب إلى الانتصار فى الانتخابات. وقد شق باراك أوباما طريقه للترشح للرئاسة من خلال منظمات المجتمع المدنى فى شيكاغو ثم بكسب تأييد مندوبى الحزب الديمقراطى فى الانتخابات الأولية فى الولايات ثم فى المؤتمر القومى للحزب بعد ذلك، والذى كسب تأييده مرتين. طبعا لا يتوقف الأمر فقط على حسن الحديث، فهناك المهارات السياسية الأخرى مثل كسب الأنصار والمناورة ومواجهة الخصوم، ولكن كل هذا يعتمد على القدرة على الإقناع وليس على إصدار الأوامر، أو الارتكان إلى أن شخصية ما تملك من النفوذ بحيث تستطيع فرض شخص ما على أعضاء الحزب رغما عن أنفهم. مؤسسة الحزب هى التى يتدرب فيها هؤلاء على فن القيادة من خلال إقناع أنصارهم وخصومهم على السواء.

المؤسسة الثانية هى المؤسسة البرلمانية. لا يكفى أن يقنع هؤلاء القادة أعضاء حزبهم، ولكن لابد لهم من أن يتصدوا للمعارضة فى البرلمان، وأن يستخدموا البرلمان فى إقناع المواطنين بسلامة سياساتهم. طبعا هم يملكون عندما يصلون إلى السلطة أغلبية برلمانية بحسب طبيعة نظام الحكم، ولكن لا يكفى الاعتماد على أغلبية برلمانية تؤيدهم تلقائيا، فلابد لهم أن يفندوا حجج المعارضة، وأن يكسبوا النقاش معها. هم لا يستطيعون اختيار معارضة مستأنسة حتى يسهل عليهم كسب ودها دون بذل أى مجهود، فالناخبون هم الذين يختارون من يمثلهم فى المجلس النيابى. الناخبون الفرنسيون مثلا لم يقتصر اختيارهم لنوابهم على من ينتمى لما يسمى بالمعسكر الجمهورى الذى يتقارب فى قيمه العلمانية والليبرالية مع الحزب الاشتراكى، ولكنهم وضعوا فى كل من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ وفى المجالس الإقليمية والمحلية نواب الجبهة الوطنية الذين لا يكاد يجمعهم إطار فكرى مشترك مع المعسكر الجمهورى، كما فاجأ الناخبون الألمان المستشارة أنجيلا ميركل بانتخاب نواب اليمين المتطرف من حزب بديل لألمانيا فى ثلاث ولايات الأسبوع الماضى. لا يمكن إسكات هذه المعارضة بالتهديد والوعيد، ولكن لابد من مقارعتها الحجة بالحجة.

***
وهناك ثالثا الرأى العام المستنير الذى يراقب أداء حكومتهم ومجالسهم النيابية. طبعا هناك أقسام فى الرأى العام تستجيب للعزف على أوتار الوطنية والعنصرية، ولكن لحسن الحظ غالبية الرأى العام تحكم على أداء الحكومات بحسب مدى خدمتها لمصالح المواطنين والوطن. ولا يملك هؤلاء القادة اختيار رؤساء تحرير للصحف ولا كبار المعلقين على شاشات التلفزيون ممن يميلون لتأييدهم. التعددية الفكرية والسياسية هى ما يميز الإعلام فى هذه الدول، والمعايير المهنية الصارمة تحكم أداء الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية. من الصعب استغفال المواطنين لحساب الحكومة فى هذه البلدان، وأستبعد فى هذا السياق الولايات المتحدة والتى ينساق الرأى العام فيها بسهولة أمام الإعلام فى قضايا السياسة الخارجية التى لا يهتم المواطنون الأمريكيون بها كثيرا. لابد للحكام فى هذه الدول أن يكسبوا الرأى العام إلى جانبهم بالحجة المقنعة، وإلا فسيدفعون الثمن عندما تحين لحظة الامتحان أمام صناديق الانتخاب.

كما تملك بعض هذه الدول مؤسسات خاصة لإعداد القادة، منها مثلا المدارس العليا فى فرنسا، وخصوصا المدرسة القومية للإدارة والتى تلقن الدارسين فيها مبادئ الحكم والإدارة والاقتصاد، وتخرج فيها من الرؤساء الفرنسيين كل من جيسكار ديستان وجاك شيراك. ويتخرج معظم الساسة الأمريكيين من كليات الحقوق التى تتضمن مقرراتها التعليمية التدريب على الخطابة، وهو تدريب ضرورى لهم سواء اكتفوا بالعمل كمحامين يترافعون أمام المحاكم، أو اجتذبتهم السياسة، فمارسوا هذه المهارات فى المؤتمرات الحزبية وفى المجالس النيابية على المستويات المحلية والإقليمية والاتحادية.

وأخيرا لا يمكن إهمال دور المؤسسة التعليمية. مثل هذه المهارات لا تقتصر على القادة الكبار، ولكنها موجودة لدى الكثيرين ممن يتولون وظائف قيادية فى أجهزة الإدارة والشركات والجامعات والمدارس ومؤسسات المجتمع المدنى والمؤسسات الإعلامية، لأن النظام التعليمى فى هذه الدول يقوم أولا بوظيفته فى إكساب من يتعلمون المهارات الأساسية فى اللغة والتعبير، كما أنه يقوم على حث الفكر وإعمال العقل وليس على الحفظ والتلقين، وبالمناسبة معظم النشء يتعلم فى مدارس الحكومة فى هذه البلدان حتى فى الولايات المتحدة الأمريكية، والتعليم الجامعى مجانى تقريبا فى فرنسا وألمانيا وكان مجانيا حتى وقت قريب للبريطانيين فى المملكة المتحدة.

***
هل تعرفون إذا يا أعزائى وعزيزاتى القراء لماذا لا يملك كبار المسئولين لدينا القدرة على الإقناع ولا الحديث بلغة عربية سليمة ناهيك عن الحديث بلغة أجنبية مع زوارهم من رؤساء الدول ومع مراسلى الصحف وقنوات التلفزيون الأجنبية. ليست لدينا مؤسسات صنع القيادات التى تمتلكها دول كثيرة غيرنا وليس فقط فى الدول المتقدمة. لقد انبهرت فى زيارات متعددة للهند بالمستوى الرفيع للقيادات الهندية فى الحكومة والبرلمان ومؤسسات الفكر. أحزابنا حديثة النشأة وقياداتها محدودة الأفق، وحكوماتنا كانت تعتمد حتى وقت قريب على أغلبية مضمونة فى البرلمان، وإقناع الرأى العام لا يدخل فى حساب مسئولينا لأن بقاءهم فى مناصبهم لا يعتمد على الفوز فى الانتخابات، والتعليم فى بلادنا لا يعلم أغلبية النشء لا لغتهم القومية ولا لغات أجنبية، والمؤسسات التى يتخرج فيها قادتنا لا تشجع على الحوار بل العلاقات فيها علاقات تراتبية تقوم على الأمر والطاعة سواء كانت القوات المسلحة أو الشرطة أو القضاء أو حتى الجامعات. والقدرة على إقناع الرأى العام ليست من بين معايير اختيار كبار المسئولين فى بلدنا. ولكن ما هو الحل؟ الحل معروف ولكنه ليس سهلا. أن تكون لدينا ببساطة مؤسسات مثل مؤسساتهم.


أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مدير شركاء التنمية
مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات