عن مكارثيتين! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 1:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن مكارثيتين!

نشر فى : الإثنين 20 أبريل 2015 - 9:40 ص | آخر تحديث : الإثنين 20 أبريل 2015 - 9:40 ص

إذا كان بعض الفاعلين داخل الحركة الديمقراطية وفى هوامش اليمين واليسار غير المستتبعة رسميا يتورطون فى تعميق حالة التهافت والركود الفكرى التى تمر بها مصر اليوم برفض إعمال النقد الذاتى والامتناع عن الاعتراف بأخطاء السنوات الماضية واستمراء داء التسفيه غير الرشيد لكل محاولة للتفكير باستقلالية والبحث فى السبل الواقعية للانتصار للديمقراطية بمكارثية مؤلمة والامتناع عن جر الخطوط الفاصلة مع مروجى وهم المعارضة من الخارج ــ وهؤلاء فى واد بعيد للغاية عن ممارسى الحق الطبيعى والمشروع فى التعبير عن الرأى بشأن مصر وأحوالها من خارجها، فإن المسئولية الرئيسية لجهة تخليق حالة التهافت والركود هذه تتحملها ولا شك منظومة الحكم / السلطة والنخب المتحالفة معها.
فتغييب الحقائق والمعلومات، وإماتة السياسة واستبدالها بطغيان المكون الأمنى والمقايضة السلطوية الفاسدة الأمن فى مقابل الحقوق والحريات، والعصف المنظم بسيادة القانون وتراكم المظالم والانتهاكات فى موجات متعاقبة ــ أحدثها موجة التعذيب وسقوط قتلى فى بعض أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية، وتمرير القوانين والتعديلات القانونية القمعية من قانون التظاهر إلى إلغاء الحد الزمنى الأقصى للحبس الاحتياطى وتعديلات قانون العقوبات وقانون القضاء العسكرى وقانون الإرهاب والكيانات الإرهابية والتى تؤسس لسلطوية جديدة لا مواربة فيها وتهجر المواطن من المجال العام، والتشوهات الكثيرة التى لحقت بمرفق العدالة وتواصل الإفلات من العقاب فيما خص انتهاكات الحقوق والحريات والإجراءات القمعية ووأد النقاش بشأن منظومة العدالة الانتقالية، والتقييد المستمر للمجتمع المدنى والتمسك بقوانين لتنظيم الانتخابات التشريعية ليس لها إلا أن تنتج برلمانا مستتبعا للحكم / السلطة ومشوها بفعل تدخلات الأجهزة الأمنية ونفوذ المال السياسى؛ جميع هذه الاختلالات تسأل عنها مباشرة وبمفردها منظومة الحكم / السلطة والنخب المتحالفة معها.
وجميع هذه الاختلالات هى التى تخلق حالة التهافت والركود الفكرى التى تبقى مصر أسيرة فى دوائرها اللعينة وتزج بمواطنها ومجتمعها ودولتها إلى حافة الهاوية.
ولا يقل كارثية عن الاختلالات السابقة كون منظومة الحكم / السلطة والنخب المتحالفة معها تتورط منذ صيف 2013 وإلى اليوم دون توقف فى فرض الرأى الواحد والصوت الواحد على الناس وفى الترويج لهيستيريا العقاب الجماعى ومقولات كراهية الآخر المعارض / المخالف / المغرد خارج السرب، وتسمح من ثم لحالة ظلامية ومكارثية بامتياز من الاعتياش على التهافت والركود الفكريين ومن تعميم صخبها الفاسد النافى للعقل على المواطن والمجتمع والدولة. وليس المشهد المزرى لحرق الكتب فى مدرسة مصرية وحضور أعلام الوطن أمام المحرقة وخطاب التبرير الجاهل المصاحب لذلك سوى دليل مؤلم على مدى انزلاقنا فى غياهب المكارثية المدعومة رسميا إن على نحو مباشر أو غير مباشر.
لن تمنعنى مكارثية نفر قليل من الفاعلين داخل الحركة الديمقراطية وفى هوامش اليمين واليسار غير المستتبعة رسميا من توظيف المساحة المتاحة لى فى المجال العام للمطالبة بإعمال دعاة الديمقراطية للنقد الذاتى، ولجر الخطوط الفاصلة مع أوهام المعارضة من الخارج (وليس مع التعبير الحر عن الرأى من الخارج)، ولمواصلة العمل المعارض السلمى والعلنى من داخل مصر للانتصار لاستعادة مسار تحول ديمقراطى حقيقى ولإيقاف الانتهاكات ولإنهاء الإفلات من العقاب وفى مواجهة منظومة حكم / سلطة لا تريد من السياسة إلا إماتتها ــ أليس فى نزع المضمون عن فرصة إجراء انتخابات برلمانية بها شىء من السياسة والتوافق التى أتاحها حكم الدستورية العليا بشأن قوانين الانتخابات شهادة إثبات جلية، وذلك دون تعريض المواطن والمجتمع والدولة لهزات كارثية. ولن تمنعنى ظلامية ومكارثية الصوت الواحد والرأى الواحد وهيستيريا العقاب الجماعى من مواصلة رفض السلطوية الجديدة ورفض صخبها الفاسد. لن تنتصر القطاعات الشبابية والطلابية والعمالية ومنظمات المجتمع المدنى، وهى عماد الحركة الديمقراطية، لقيمها ومبادئها أبدا بالاستسلام لمكارثية من يسفهون آراء الآخرين على هوامشها ولا أمل لمصر بالاستسلام لمكارثية محارق الكتب المحتمية بصخب السلطوية الجديدة.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات