الفاجعة والأسطورة فى حادث الطائرة - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفاجعة والأسطورة فى حادث الطائرة

نشر فى : الجمعة 20 مايو 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الجمعة 20 مايو 2016 - 9:40 م
بالقرب من جزيرة «كارباثوس»، التى يلتحق ذكرها بالتراجيديات الإغريقية وأساطيرها، انفجرت طائرة مصرية قادمة من باريس فى واحدة من أكثر حوادث الطيران غموضا.

الانفجار بذاته فاجعة إنسانية داهمت ضحاياها كأنه مشهد مقتطع من أسطورة يساق أبطالها إلى أقدارهم بلا قدرة على منع أو طاقة على نجاة.
رغم المكان الأسطورى فإن الفاجعة افتقدت أية رواية شبه مقنعة ولا رواتها على إطلاع بما يجرى خلف المسرح.

رغم التحسن النسبى فى مستوى الأداء العام، قياسا على إدارة أزمات أخرى من ذلك النوع، لا يمكن إغفال الثغرات الواسعة التى أفضت إلى تضارب البيانات الرسمية، وتكذيب بعضها الآخر، كأنه لا يوجد أدنى تنسيق بين الجهات المختلفة فى الساعات الأولى للحادث الدامى.

بدا أن هناك تسابقا على إطلاق التصريحات دون قاعدة معلومات، كأن يتحدث سفير مصرى باسم آخر بالقرب من موضع البحث عن حطام الطائرة، أو يتكلم مسئول فى وزارة الطيران بما لم يتم التأكد منه.

شهوة الحديث الرسمى بلا تفويض واضح أدت إلى إساءات لا لزوم لها مثل النفى اليونانى لتصريحات رسمية عديدة.

وكان التأخر فى إعلان أسماء من كانوا يستقلون الطائرة المنكوبة استخفافا بلوعة ذويهم فضلا عن أنه أثار تكهنات بوجود أسماء لشخصيات حساسة بحكم طبيعة عملها يراد إخفاؤها على النحو الذى جرى عند إسقاط الطائرة المصرية التى اسقطت بالقرب من الشواطئ الأمريكية عام (١٩٩٩).

ورغم أنه ثبت عدم صحة تلك التكهنات إلا أن طلقتها دوت فى الفضاء الإعلامى باتساع العالم كله.

فى مشاهد أخرى غلبت الهواية الاحترافية، كما حدث فى المؤتمر الصحفى العالمى لوزير الطيران «شريف فتحى».

استغرق حواره مع مندوبى الصحف المصرية وقتا طويلا نسبيا دون أن يسمح لأى مراسل أجنبى بتوجيه أى سؤال مما استفزهم ودعاهم للاحتجاج بأصوات عالية باعتبار أن ما يحدث ليس عادلا من الناحية المهنية.

كانوا على حق كامل، فالحدث دولى بأى معنى إخبارى وسياسى وتطوراته تتصدر لحظة بلحظة كل نشرات الأخبار فى وكالات الأنباء والفضائيات الدولية.

بطبيعة الحال لم يكن الخطأ مقصودا، فهو أراد أن يفرغ من الصحفيين المصريين قبل أن يتفرغ للمراسلين الأجانب.

ذلك خطأ تنظيمى انتقص من أداء الوزير رغم كفاءته.

الخطأ الأفدح أن بعض السؤال الصحفى أفلت من طبيعة دوره وزمام تعقله أمام عالم يتابع، كالقول «إن فرنسا لابد أن تشيل الشيلة».

من حق مصر أن تسأل وتستفسر عن سلامة الإجراءات الأمنية فى مطار «شارل ديجول»، وتبحث وتدقق فى احتمال وضع أية عبوة ناسفة مفترضة.. أين وضعت وكيف؟، فالطائرة المنكوبة مرت على مطارات أخرى كـ«تونس» و«أسمرة».

التسرع فى إطلاق الأحكام والبحث عن «من يشيل الشيلة» مأساة حقيقية.

فى إدارة الأزمة الجديدة جرى تدارك الأخطاء الفادحة التى ارتكبت عند سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء حيث لم يتم نفى فرضية العمل الإرهابى.

حين لا تستطيع أن تقنع فإن خسارتك مؤكدة دون حاجة إلى «نظريات المؤامرة».

لا اكتسبنا ثقة العالم ولا عادت السياحة إلى شرم الشيخ.

ترجيح فرضية العمل الإرهابى، قبل الوصول إلى حطام الطائرة وصندوقها الأسود وإجراء التحقيقات الفنية اللازمة، تعبير سياسى عن معدلات قلق عالية تنتاب مراكز صناعة القرار فى العالم من تمدد الإرهاب وعملياته واتساع ميادين الحرب معه.

قد لا تصح لكنه لا يمكن لأحد ألا يضعها فى مقدمة الفرضيات المرجحة.

الرئيس الفرنسى «فرانسوا أولاند» لم يستبعدها وهو يخاطب شعبه وعالمه، فبلاده مهددة وفق معلومات استخباراتية بعمليات إرهابية جديدة قد تضرب مجددا باريس، والبرلمان يمدد الطوارئ لشهرين إضافيين، والتظاهرات الاحتجاجية على قانون العمل قد يجرى استهدافها لإحداث ترويع عام.

ومدير هيئة الأمن الفيدرالية الروسى رجحها دون أن يجزم، وفى الترجيح خشية من تمدد الإرهاب لعمليات داخل بلاده وتحسب للمستقبل من أكثر السيناريوهات سوءا.

ورغم أن البيت الأبيض بدا أكثر حذرا وفق التقاليد الأمريكية بالحوادث المماثلة لكن تسريبات منسوبة لعسكريين مالت إلى ترجيح العمل الإرهابى.

قد تكون هناك معلومات غير معلنة ترجح فرضية على أخرى غير أن الدوافع الاحترازية تظل قاعدة النظر للانفجار الذى جرى فوق المتوسط.

من زاوية الرأى العام الأمريكى دخل المتنافسان الرئيسيان على الرئاسة «دونالد ترامب» و«هيلارى كلينتون» على خط الانفجار الدامى.

كلاهما حاول توظيفه لإثبات تنبهه لأية أخطار إرهابية محتملة وقدرته على حفظ الأمن القومى الأمريكى.

رغم غلبة فرضية العمل الإرهابى فإنه لا يمكن تجاهل الفرضيات الأخرى.

الأولى، أن تكون الطائرة قد انفجرت بسبب خلل فنى مفاجئ.

وهذا موضوع له أهل اختصاصه غير أنه لا يمكن الجزم فيه قبل الوصول إلى الصندوق الأسود.

والثانية، أن يكون هناك شىء غامض جرى فى كابينة القيادة أفضى إلى إسقاطها.

وقد جرى استدعاء سيناريو الكابتن «جميل البطوطى» على فضائيات دولية من أنه قد انتحر بركاب الطائرة المنكوبة أمام الشواطئ الأمريكية لنسبة الحادث المفجع الجديد إلى شىء مماثل.

أمام الفاجعة فإن آخر ما نحتاجه فخ نظرية المؤامرة التى تستهدفنا دون أن ننظر فى المرآة لنرى ما نفعله بأنفسنا.

بالنظر إلى مستقبل شركة «مصر للطيران» وشبكات التلفزة الدولية تستعيد بإلحاح تاريخها مع الحوادث فإننا أمام تطور سلبى جديد.

وبالنظر إلى أية رهانات على تنشيط السياحة فإننا نبتعد عن أى شاطئ أمان بأى وقت منظور.

وبالنظر إلى الكوارث المتتالية حتى تكاد يومية فإننا أمام خطر تصدع الروح العامة فى مصر والقدرة على التماسك الوطنى فى أوضاع صعبة.

إذا كان هناك حديث جاد فى الفاجعة وما بعدها فهو البحث فى خفض الاحتقانات الداخلية التى تكاد تضع البلد كله على حافة الانزلاق إلى المجهول.