إسعاد التى تسعدنا دائما - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسعاد التى تسعدنا دائما

نشر فى : السبت 20 يونيو 2015 - 11:10 ص | آخر تحديث : السبت 20 يونيو 2015 - 11:10 ص

لا شك أن لدينا مذيعين متمكنين من أدواتهم من إعداد و(طلة) أو (كاريزما) تجعلك مشدودا إليهم فى غالب المرات، لكن هؤلاء ــ أيضا ــ تجدهم فى مرات قليلة أو نادرة لا يهتموا بإعداد موضوع الحلقة كما يجب أو اعتمدوا على اشخاص ولم يتابعوهم لضيق الوقت.

وتراهم عندما يفاجأون بهزالة الإعداد لسبب أو آخر يتحدثون وهم غير واثقين من المعلومات التى لديهم وفى حوارهم يتضح أنهم غير متمكنين من الموضوع. ونحن نغفر لهم ذلك لأن هذا يحدث مرة كل عشر مرات لأننا نستفيد تسع مرات من عشرة تقريبا وهذه نسبة رائعة وهم يفعلون ذلك قطعا من فرط الثقة بالنفس وهؤلاء لهم تقديرهم عند الجمهور ويحرص كثيرون وأنا منهم على متابعتهم. بعيدا عن هؤلاء لدينا أربعة أنواع من المذيعين:

النوع الأول: أولئك الذين يسيرون فى اتجاه واحد دون توقف أو تردد، يدافعون عنه وكأنه موضوع حياة أو موت يتفننون فى تقديمه بطريقة أو أخرى، لا يستضيفون إلا من يتبعون اتجاههم، مستعدون أن يذهبوا لآخر المشوار فى تحديهم حتى لو كلفهم هذا الكثير هؤلاء أطلق عليهم دائما «مندوبو مبيعات» فهم لديهم بضاعة يريدون ترويجها يروجونها بسذاجة منقطعة النظير لدرجة أن مشاهديهم ومستمعيهم ينقلبون على اتجاههم لا لشىء إلا لطريقة الضغط الذى يمارسونه عليهم إنهم أصحاب بضاعة أكيد ليست كاسدة وأكيد هناك من يؤيد وجهة نظرهم وأكيد أنها من وجهة نظر ما مفيدة، لكن طريقتهم واسلوبهم والألفاظ المستخدمة تضطر المشاهد أو المستمع أن ينصرف عنهم أولا وأن يفكر ثانيا أن البضاعة المعروضة عليه مضروبة لأن مقدمها لا يقدم وجهة النظر الأخرى وإن قدمها يقدمها ضعيفة واهنة بسخرية شديدة.

أما النوعية الثانية من المذيعين فهم أصحاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهم بالطبع لا يتحدثون فى الدين كثيرا لكنهم يتناولون القضايا الساخنة وكل ما يفعلونه فى معظم الحلقة هو أن يجلسوا ويقدموا مواعظ وحكم فى القضية التى يطرحونها ويقولون إنهم تنبأوا من عشر سنوات بما يتحقق الآن ولم ينتبه أحد من الأغبياء الذين يسمعونه ويشاهدونه ثم يأخذ وضعا كأحد العلماء الذى يقدم خلاصة علمه وفكره لبشر لا يستحقون طلته وأنه إذ يتعطف عليهم بهذه الطلة عليهم أن يشكروا الله ليلا ونهارا ويسبحونه آناء الليل وأطراف النهار لأنه لولا هذا المذيع لتخبطوا فى دياجير الظلام ولساروا فى الحياة لا يلوون على شىء فهو الذى يهديهم إلى سواء السبيل السياسى وهذا المذيع كان من الأفضل أن يضم إلى البرامج الدينية التى تقدم مواعظ ونصائح وفقه دون حوار لأنه من يحاور أو يناقش أو يعترض على «كلام ربنا»؟، لذلك أنصح هؤلاء أن يبدلوا برامجهم بأحاديث دينية وهذه النوعية من البرامج لها جماهيرها الضخمة فى بلادنا،.

أما النوعية الثالثة فهى تَّدعى الحوار وتدعو أصحاب الرأى الآخر والمنظر يكون جميلا ومشجعا، لكنك تفاجأ بعد عرض الموضوع مباشرة أنه غير محايد بالمرة وينحاز لأحد الآراء ويبدأ فى الاستماع إلى أصحاب الرأى الذى ينحاز إليه وعندما يتحدث صاحب الرأى الآخر يقاطعه ويسفهه ويذكر له عظماء لهم رأى يخالفه ويحرجه بالأسماء خاصة إذا كان الموضوع له صبغة دينية فيذكر شيخ الأزهر أو بابا الكنيسة وإذا كان للموضوع صبغة سياسية يذكره برأى رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو أحد المفكرين.. إلخ، وهذا الأسلوب فى إدارة الجلسة تجعل المستمع أو المشاهد ينحاز إلى الرأى المخالف لأنه يراه مظلوما فى الحوار، وأن الحوار ليس عادلا.

أما النوع الأخير فهو يدعى الإستنارة والتفكير النقدى وقبول الآخر ويرى أن كل المواضيع قابلة للأخذ والرد وأن التفكير العلمى هو الضابط لكل ما يقول ويفعل لكنك تفاجأ به ــ عزيزى القارئ ــ يقبل خرافة ما مثل الجن الذى يلبس جسد الإنسان، أو الأعمال السحرية أو الحسد وحجته فى ذلك أن الكتب المقدسة (الإنجيل والقرآن) تتحدث عن ذلك وتجده فى ذات الحلقة يقدم احد القمم فى موضوع علمى وتحليل منطقى ثم الفقرة التى تليها مباشرة يستضيف من يتحدث عن خزعبلات، وهو مع الاثنين يمدح ويثنى ويصفق.. كيف؟ لا أعلم.

***

بعيدا عن كل هؤلاء تأتى إسعاد يونس صاحبة السعادة وأنا أتابعها بانتظام ولم أضبطها مرة واحدة فى حلقة غير معدة بطريقة جيدة جدا ولم اضبطها مرة تعبر عن رأيها بطريقة مبالغ فيها، أجمل وأروع ما فيها أن ردود أفعالها طبيعية جدا، إنها لا تمثل أو تتكلف مثل كثيرين، رغم أنها بدأت ممثلة وأرجو ــ شخصيا ــ ألا تعود للتمثيل رغم دورها الرائع فى فيلم عمارة يعقوبيان.
ولم تبن سعاد منذ البدء برنامجها على الأسماء الرنانة، إنها تنتقى من المجتمع نماذج رائعة لا نعرف عنها شيئا وتقدمهم بأسلوب محترم وبديع وخفة دم دون تجريح.

حاولت أن أتذكر حلقة شعرت فيها بالملل لكى أبدو موضوعيا فلم أنجح، إنها تقبل الآخر دون أن تدعى ذلك وهى محايدة ومشجعة دون أن «تطنطن» بذلك، ترى الضيف مشدودا وهو يجلس امامها فى بداية اللقاء غير مصدق نفسه لأنه رجل أو امرأة بسيطة وإذ بها وبحرفية شديدة «تفكه» شيئا فشيئا فينطلق معبرا تعبيرا طبيعيا دون تصنع.

إن ابتسامتها وضحكتها وتشجيعها تنم عن ثقافة واضحة وعمق إنسانى وروح متجددة واستيعاب مذهل لضيوفها إنها تركز بعمق مع ما يقوله الضيف عكس مذيعين يبدون من تعليقهم أنهم لم يستمعوا للضيف نهائيا.

***

أكثر ما أغضبنى هو إلغاء برنامجها فى رمضان وهذا الأسلوب يسىء إلى الشهر الكريم أكثر مما يعظمه، فغالبا إلغاء البرنامج كان لحساب هوجة التمثيليات المتشابهة المكررة المواضيع المبالغ فيها، أو لحساب البرامج المملوءة بالتهريج والمغامرات المعروفة مسبقا، أو لحساب برامج دينية يقوم المتحدث فيها بتأنيبنا و«يشخط» فينا ويعدنا بالنار والثبور وعظائم الأمور.

إن كنا نريد أن نعبد الله فعلا فى رمضان فأنا أرى أن ما تقوم به إسعاد من تقديم نماذج متميزة وتشجيعها لهم وإسعادنا إنما هو نوع من العبادة الحقيقية التى يرضى الله بها ويتقبلها فى سعادة من إسعاد التى تسعد عبيده بلا إسفاف ولا تهريج ولا بهرجة.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات