«أفراح القبة».. الحزينة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«أفراح القبة».. الحزينة

نشر فى : الإثنين 20 يونيو 2016 - 8:45 م | آخر تحديث : الإثنين 20 يونيو 2016 - 8:45 م

لاحظت، بحيرة، أن تترات المسلسل، تخلو من اسم كاتب أو كاتبة السيناريو.. لكن صديقى المخرج المتميز، يسرى نصرالله، الذى أصدقه تماما، فنا وكلاما، قال لى: «كاتب الحلقات، حتى الآن ــ عشر حلقات ــ ومبتدع شخصيات عديدة، مثل كل عائلة تحية، هو محمد أمين راضى، وقد أعطانى الحلقات منذ فترة لقراءتها. أظن أن نشوى زايد بدأ عملها عند الحلقة الخامسة عشرة».


بعيدا عن هذا الالتباس، يمكن القول، إننا أمام عمل كبير، راسخ وشاهق فى آن، يستوعب عمل نجيب محفوظ، سواء اعتبرته رواية أو معالجة سينمائية، يضىء ظلالها، يستكمل المناطق المسكوت عنها، التى ربما تحاشى مؤلفها الخوض فى أحراشها، فضلا عن تلمس جوانب من تاريخ وماضى الأبطال، مع إضافة نماذج بشرية تغنى العمل، بالإضافة لتعميق حضور الشخصيات الثانوية والهامشية.


المسلسل، يأتى من وجهة نظر صناعه، مستبعدا المونولوجات التى تعتمد عليها الرواية، السرد، يستفيد منها، لا يتقيد بها، ذلك أن أسلوب المسلسل، كتابة وإخراجا، جعل من خشبة المسرح، وما يقدم عليه، امتدادا للواقع، ليس من خلال المسرحية التى كتبها «عباس كرم» وحسب، بل بالشذرات المستقاة من نصوص أخرى، تعبر وتكثف الأجواء النفسية للأبطال.

. فوق خشبة المسرح، نشهد مقطعا من التمهيد للجريمة فى «الطريق» ــ نجيب محفوظ طبعا ــ حيث الغدر والخيانة، حين ترسم الزوجة للقاتل، خطة قتل زوجها.. لاحقا، عندما تنتاب «طارق رمضان» موجة من فقدان الثقة، فى الذات وفى الآخرين، يقدم، مع صاحب الفرقة، الملك «سرحان الهلالى»، شيئا من «هاملت» شكسبير.


فى الحلقة الأولى، يوافق «سرحان الهلالى» بحماس، على قبول مسرحية «عباس كرم»، مما يزعج بعض أعضاء الفرقة، لأن النص يتحدث عنهم، يكشف النقاب عن سترهم المخزى، يتمردون، لكن «الهلالى» القوى الشكيمة، يسيطر على الوضع تماما، ثمة معلومة عن مقتل «تحية»، زوجة «عباس كرم»، عشيقة «طارق رمضان» سابقا، الذى يجهش ببكاء مر، أثناء تشييع جنازتها.. لاحقا، فى حلقات تالية، ندرك أن الرجل إنما يبكى مشوار حياته كله، وليس من أجلها فقط.


محمد ياسين، المهتم بأدق التفاصيل، المادية والنفسية، يصل إلى مكانة رفيعة فى إخراجه، ابتداء من توزيع الأدوار، إدارة الممثلين، الانتقالات الناعمة، المنطقية، من الحاضر للماضى، من الواقع لخشبة المسرح والعكس، تفهم العلاقات، ما خفى منها وما ظهر، بتفاصيل الأماكن المتنوعة، بثرائها وفقرها، بطابعها الضيق، المعبر عن اختناق معظم الأبطال، أو مجالها المفتوح، الموحى بلحظات انعتاق وبهجة عابرة.. محمد ياسين، يتجه إلى الفلاش باكات، العودة للماضى، حيث تفسير ما نراه على الشاشة، خاصة إن كان غامضا فى الوهلة الأولى.


واضح أن الممثلين، بناء على إرشادات نجيب محفوظ، حققوا مستويات رفيعة.. أداء جمال سليمان، مثلا، يبدو فى أداء سرحان الهلالى، كأنه خارج من سطور الرواية «يجلس على رأس المائدة.. كحارس صارم، يتابع، بوجه جامد هادئ، يحدق بوجهه الصقرى، فى وجوهنا المشرئبة نحو المخرج. يصادر بجديته المبالغة أى مقاطعة أو تعليق. يتجاهل انفعالاتنا المتوقعة».. و«عندما يغضب.. ينقلب زوبعة».


يعترف كرم يونس، ملقن الفرقة، والد عباس، بأنه «لا أحد يحبنى ولا أحب أحدا».. الفنان «صبرى فواز» طوال الحلقات لا يغادره هذا الإدراك، لا يعبر عنه على نحو فج، لكن يوحى به، خلال فتور حماسه، ونظرة عين بعيدة عن المشاركة.


أما إياد نصار، العمود الفقرى للمسلسل، فإنه يؤدى «طارق رمضان» الممثل الثانوى، على هدى جملة كونه «الخائب الأبدى»، فبينما لم يحظ ببطولة تهجره «تحية عبده» ــ منى زكى ــ مفضلة عليه شابا يصغرها بعشرة أعوام هو «عباس كرم» بأداء الواعد محمد الشرنوبى.


أضاف المسلسل لشخصية «طارق رمضان» إضافات ذات شأن.. جعل له تاريخا وماضيا لم تذكرهما الرواية.. كان له دور سياسى يسارى فيما يبدو، أدى به إلى المعتقل، وها هو على خشبة المسرح يتلقى ضربات السوط، ويجر، داميا، على أرضيته.


حدد المسلسل زمن الأحداث، برهافة لافتة، فمن خلال عنوان جريدة يقول «المشير عامر فى الخطوة الأمامية»، ثم صوت جمال عبدالناصر، خافتا، فى خطاب التنحى، ندرك أن ما يدور أمامنا، خلال أسابيع، النكسة، حيث خيمت الأحزان على «أفراح القبة»، شأن أبطال مسلسل، لا نزال ننتظر، بشغف، بقية حلقاته، كى نتأملها.. من جديد.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات