مصر التى ربيتمونا عليها - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر التى ربيتمونا عليها

نشر فى : الثلاثاء 20 يونيو 2017 - 10:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 20 يونيو 2017 - 10:30 م
المشاعر ملتهبة، والقلب ثقيل، والخوف ملأ خلايانا.
مصر محروسة، هذه حقيقة لمن هم متفائلون، فهى عبر التاريخ تتخطى المحن والاستعمار والحروب، تمتص المستعمر وتمصره وبعد رحيله تحتفظ بمصريتها، ثرية مجنونة جميلة. أما للمتشائم فهى منكوبة، بالطامعين فيها وبالكافرين بها.
جيلى ممن ولدوا فى ظلال النكسة سمعوا كثيرا من جيل الآباء عن مصر الجميلة، بشوارعها المنظمة، بفنها ورقيها، بتعليمها الحكومى المميز، بجامعاتها المعترف بها دوليا، بصناعتها وزراعتها وخيرها، بالجنيه المصرى الذى كان أغلى من الجنيه الذهب، وأهلها المنضبطين، وقاهرتها الباريسية، ومجتمعها الثرى بمسلميه ومسيحيه ويهوده ويونانييه وإيطالييه.
تربينا على هذه الحواديت ولم نرها، فقط ورثنا عنهم حبهم لمصر، حب وكأنه حلم، وكأنه مرض مزمن يجعلنا لا نستطيع التنفس فى مكان آخر، لا نجد أنفسنا سوى هنا ولا نتخيل حياتنا إلا وأبناؤنا هنا فى حضنها.
تحملنا منهم تهكماتهم بأننا جيل أقل خلقا، أقل مبادئ، سمعنا منهم كيف رأوا فى عملهم أساتذتهم متفانون فى العمل، متراحمون، متحابون، وكيف أن زمننا قبيح وردئ، تناسوا دورهم فيما وصلنا إليه، تناسوا دورهم فى تسليمنا بلد متصدع بعد أن استلموها (بحسب قولهم جنة)، تناسوا أن لدينا أسئلة يمكننا ببساطة أن نسألها إياهم حول الطريق الذى مشوه حتى وصلنا إلى هنا.
الظلم والفساد والانهيار فى الخلق والأداء لا يحدث فى أيام ولا حتى فى سنوات، إنما يبدأ ببذرة تضرب فى الأرض جذورها لتكبر وتغلف أغصانها وجذورها وكل من حولها حتى تخنقه.
***
لماذا لم يصرخ أحد بأن الانفراد بالسلطة خطر حتى لو كانت فى يد رئيس محبوب؟ لماذا لم يعترض أحد أن يسجن رئيس دولتهم بدون محاكمة عادلة مدى الحياة ويهان؟ لماذا لم تخرج مظاهرات عندما يحكم بالإعدام على عمال شباب فى محاكمات هزلية وينفذ؟ لماذا سامحتم من عذبكم فى السجون وزرع بقصصكم الخوف فى نفوس المصريين من مصير أى شخص يعترض حتى بات العمل العام والسياسى مكروه بل مستنكر؟ لماذا نزلتم بالملايين تطالبون من قادكم إلى الهزيمة بالرجوع عن التنحى والاستمرار فى قيادتكم؟ لماذا سكتم عندما فصلوا الأطفال فى المدارس بحجة الدين وعلمتموهم كلمة الآخر الغريب عنهم؟ لماذا لم تصرخوا فى خطبة الجمعة أول مرة دعى الإمام للمسلمين ولم يدعو للمصريين؟ كيف وافقتم أن يطرد إخوانكم فى الوطن من اليهود المصريين وهم جيرانكم وأحبائكم؟ لماذا لم تدافعوا عن جامعاتكم التى استلمتموها عالمية وسلمتوها مكبلة بأعداد من الطلبة مضحكة، وميزانيات مبكية، وقيود وقوانين أقل حرية بكثير مما كانت عليه عندما أنشئت من قرن؟ كيف هان عليكم أن تبنى كل الأراضى الزراعية؟ وتباع كل المصانع حتى أصبحنا لا ننتج حتى قلمنا الرصاص ولا فانوس رمضان؟ لماذا ربيتمونا على الخوف والقلق من قول الحق؟ لماذا أرسيتم فكر البعد عن المشاركة وانتظار الأوامر؟ تربيتم فى عهد طه حسين وأحمد لطفى السيد وسلامة موسى، فلماذا لم تتعلموا منهم حب الحرية والفكر والإجهار بالرأى؟
سكتم عندما ظلم أول أستاذ طالب فى درجاته لأنه مسيحى.. سكتم عندما حجب دخول الكلية الحربية عن الفقراء.. سكتم عندما أصبح هناك سقف لترقى المسيحى فى الجيش والشرطة.. تركتم الساحة السياسية والاجتماعية خاوية من الأفكار المستنيرة فملأتها طيور الظلام لأنها لا تخاف مثلكم.
ربيتمونا على حب مصر فنقلنا هذا الحب لأبنائنا، ولأنهم أكثر انفتاحًا عن جيلنا على العالم لم يرثوا عنا الخوف، ولم يرضوا بالواقع عكسنا، وغضبوا، غضبهم لم يصحبه قيادة ولا خبرة، لأن الساحة خاوية من القيادة والخبرة، لأن القيادة والخبرة تبنى على مر أجيال، ولم نستطع أن نساعدهم ولا أن نساعد أنفسنا.
وصلنا إلى حال فى المجتمع لم يعد هناك لغة غير لغة الغضب، لأننا لم نتعلم ولم نمارس الحوار. الأسرة المصرية منقسمة، أصدقاء العمر تخاصموا، حتى القلة ممن يمارسون السياسة ورثوا نفس الأمراض. وأنتم مستمرون فى لومنا ولومهم على ما وصلنا إليه.

***
لم نرى النور سوى ١٨ يومًا، رأينا فيها محاولة جادة وحقيقية لأن ننسى اختلافاتنا، لأن ننسى تصنيفنا للآخر، حلمنا أن يتربى أبناء المصريين كما ربينا أبنائنا، وأن يتعلموا نفس تعليمهم ويحظوا بنفس فرصهم لأننا آمنا أن هذا هو الطريق لمستقبل آمن فى مصر العادلة الحرة المتقدمة، حلمنا أن يتربوا فى أم الدينا وهى جديرة باللقب. الحلم انتهى بكابوس من الفرقة والتكفير والتخوين والقسوة والغضب.
طوال ٦٥ عامًا الماضية لم يجمعنا أحد تحت شعار مصرى واحد، كان دائما هناك خيار وفقوس، ظالم ومظلوم، «بطة سودة» وفئة مميزة، وتم توزيع الاتهامات من الكل وللكل: إقطاعى، صهيونى، نصرانى، شيوعى، إخوانى، رجعى، علمانى، فلولى، نكسجى، كل الأجيال حملت جين الفرقة، كل الأجيال وزعت الاتهامات والتصنيف واللوم، لا أحد يسمع، لا أحد يراجع نفسه، لا أحد يؤمن حقا بأن قوتنا فى ثرائنا ووحدتنا، وأن السكوت على ظلم الآخر حتى لو اختلفنا معه هو بذرة لشجرة كراهية جديدة بالتأكيد سيطالنا شوكها.
أحلم بنيلسون مانديلا مصرى، يفتح صفحة جديدة بيضاء يكتب فيها أسمائنا جميعا، بدون أن يكتب بجانب الأسماء صفات، يترك لنا أن نكتب صفاتنا بخلقنا وفعلنا وعملنا، أحلم بمصر التى حكيتم لنا عنها، مصر التى نحبها بالرغم أننا لم نرها، مصر بتاعتكم مش بتاعتنا.

 

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات