ما فعلته الكرة لمكافحة العنصرية؟ - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما فعلته الكرة لمكافحة العنصرية؟

نشر فى : الأربعاء 20 يونيو 2018 - 10:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 20 يونيو 2018 - 10:10 م

أحد الأصدقاء الأعزاء أرسل لى صباح الثلاثاء الماضى فيديو شديد التعبير عنوانه «إنجلترا من دون الهجرة»، يصور المنتخب الإنجليزى لكرة القدم، وبه خمسة لاعبين فقط من أصول إنجليزية فى حين أن بقية الفريق من أصول أجنبية، لا يسرى فيها الدم الأزرق!

ربما كان الفريق الإنجليزى أسعد حظا مقارنة بالمنتخب الفرنسى، الذى فاز بكأس العالم عام ١٩٩٨، حيث كان كله من ذوى البشرة السمراء باستثناء لاعبين اثنين فقط. يومها كانت صورة المنتخب وهو يرفع كأس العالم، ومعهم الرئيس جاك شيراك، هو أكبر طعنة فى قلب العنصرية وحزب الحركة الوطنية اليمينى المتعصب بزعامة جان مارى لوبان. وقتها سأله البعض ساخرا: كيف تهاجم وتنتقد المهاجرين وهم سبب فخر كل فرنسا حيث جعلوها تفوز بالكأس الأغلى؟!

الآن غالبية نجوم الفريق أيضا من السود، أصولهم إما إفريقية أو كاريبية، وآخر من سجل لهم قبل ايام كان اللاعب الأسمر الموهوب بول بوجبا فى أول مباراة للفريق أمام أستراليا. وفى بطولة الأمم الأوروبية قبل عامين، لم يكن هناك فى المنتخب إلا أربعة فقط من أصول فرنسية.

ومن باريس إلى بروكسل فإن آخر من سجل للمنتخب البلجيكى فى أول مباراة له يوم الاثنين الماضى أمام بنما كان اللاعب الأسمر روميلو لوكاكو، وهو من أصول كونغولية.

حتى الفريق الألمانى، فقد شهدنا فى أولى مبارياته بالمونديال أمام المكسيك هذا الاسبوع ثلاثة أصولهم غير ألمانية، هم مسعود أوزيل التركى وسامى خضيرة التونسى وجيروم بواتينج الغانى إضافة لآخرين يشاركون بين الحين والآخر. وكلنا يتذكر اللاعب محمد شول من أصول تركية، وكان ابنا لمهاجر غير شرعى، لكنه ترك بصمة مهمة على المنتخب الألمانى بين عامى «١٩٩٥ ــ ٢٠٠٢».

ما حدث لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، صار موضة عالمية، وترسخ إلى حد كبير، وربما سيكتب التاريخ لاحقا أن كرة القدم ورياضات أخرى، معها قد قدمت أفضل خدمة للإنسانية وللحضارة، حين وجهت ضربة شديدة للعنصرية والتمييز القائم على اللون أو العرق.

صحيح أن العنصرية لم تختفِ تماما من الملاعب أو من العقول، لكن يحسب لكرة القدم أنها بدأت تهد تحصينات عنصرية كثيرة.

فى مارس الماضى لعب المنتخب الفرنسى مباراة ودية مع نظيره الروسى فى سان بطرسبرج استعدادا للمونديال. وخلال المباراة وجه بعض المشجعين الروس هتافات عنصرية ضد اللاعبين الفرنسيين من أصول إفريقية، ولذلك غرم الاتحاد الدولى لكرة القدم الاتحاد الروسى ٣٠ ألف دولار.

بعض الجماهير الأوروبية ما تزال تمارس العنصرية ضد اللاعبين الأفارقة أو الملونين وتصفهم بالقرود، وتلقى إليهم بالموز من المدرجات!. وبعض الجماهير مثل المكسيكية تعودت على نعت أى حارس مرمى للفرق المنافسة بـ«العاهر»، ولهذا السبب فتح الاتحاد الدولى «الفيفا» تحقيقا فى الأمر، بعد أن تكرر الوصف ضد حارس المنتخب الألمانى مانويل نوير خلال مباراة الفريقين فى افتتاح مبارياتهما فى مونديال روسيا.

هناك بعض الروح العنصرية القليلة ما تزال موجودة لدى بعض الجماهير الأوروبية، لكن للموضوعية فقد أخذت الظاهرة تقل إلى حد كبير، بسبب العقوبات التى ينفذها «الفيفا» أو السلطات المحلية فى كل دولة على حدة.

المشكلة أن صعود اليمين المتطرف فى أمريكا وأوروبا فى الفترة الأخيرة يؤثر على مجالات كثيرة فى إحياء النبرة العنصرية، ليس فقط فى ملاعب الكرة، ولكن حتى فى المقاهى كما حدث فى مشكلة مقاهى «ستاربكس» الأمريكية، التى أعلنت أنها ستعيد تأهيل العاملين فيها ليتعلموا عدم التفريق بين الزبائن على أساس اللون.

لكن ما نود التأكيد عليه أن الرياضة تساهم فى حل العديد من المشكلات وتهذب ذوى النفوس الضعيفة والمتطرفة وتقنعهم بأن اللون ليس هو سبب التفوق، بل الإجادة والاتقان والموهبة.

شكرا لكرة القدم ولكل الموهوبين فيها الذين يقدمون لنا متعة خالصة، والأهم إنسانية صافية.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي