فى توصيف السلطوية - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى توصيف السلطوية

نشر فى : الجمعة 20 يوليه 2018 - 9:30 م | آخر تحديث : الجمعة 20 يوليه 2018 - 9:30 م

فى أدبيات علم السياسة، توصف الحكومات بالسلطوية حين لا تقر للشعوب الحق فى اختيارها بحرية وتغييرها بحرية من خلال انتخابات دورية ونزيهة، وحين تمنع التداول الحر للمعلومات وتمتنع هى عن التزام الشفافية فى إدارتها للشأن العام، وحين تتنصل من احترام حقوق وحريات المواطن الشخصية والمدنية والسياسية مثل حرية الاعتقاد وحرية التعبير عن الرأى وحرية التنظيم وتساومه على حقوقه الاقتصادية والاجتماعية وحقه فى الأمن. تتعامل الحكومات السلطوية مع القانون كأداة لفرض سيطرتها على المجتمع، وللإمساك بالمؤسسات العامة والهيمنة على المؤسسات الخاصة، ولإخضاع المواطن وحمله على الابتعاد عن المطالبة السلمية بحقوقه وحرياته، ولإنزال العقاب بمن يمتنعون عن تقديم فروض الولاء والطاعة. لا للفضاء العام الحر، لا للإعلام الحر، لا للأحزاب السياسية التى تسعى للتداول الحر والسلمى للسلطة، لا للمجتمع المدنى الذى يراقب ويسأل ويحاسب الحكام، لا للحريات الدينية والفكرية والثقافية والأكاديمية، لا للحرية الشخصية؛ تلك هى لاءات الحكومات السلطوية التى تتكرر عبر المكان والزمان لتضع فى خانة واحدة إسبانيا بين ثلاثينيات وسبعينيات القرن العشرين، والبرازيل فى ستينياته وسبعينياته، وروسيا منذ تمكن فلاديمير بوتين من مؤسسات وأجهزة الدولة بها، والمجر التى تدفعها اليوم حكومة منتخبة ديمقراطيا بعيدا عن الديمقراطية والليبرالية، والمملكة العربية السعودية منذ نشأتها فى الربع الأول من القرن العشرين، ومصر منذ عام ١٩٥٢ وباستثناء عامى مساعى الانتقال الديمقراطى ٢٠١١ و٢٠١٢ اللذين انتهى إلى فشل ذريع.
***
تتشابه الحكومات السلطوية فى إهدارها لقيمتى حكم القانون الأساسيتين. القيمة الأولى هى قيمة العدل المستندة إلى موضوعية القواعد القانونية وشفافية إجراءات التقاضى وضمانات حقوق الإنسان والحريات، والقيمة الثانية هى قيمة المساواة المستندة إلى الامتناع عن التمييز بين المواطنين والإقدام على محاسبة المؤسسات العامة والخاصة حين تتورط فى ممارسات تمييزية. وعلى الرغم من القواسم المشتركة بينهم، إلا أن السلطويين ليسوا دائما على حال واحدة فيما يتعلق بتفاصيل وطرق تعاطيهم مع السلطات العامة من المؤسسات القضائية إلى توظيف أداة التشريع التى تقوم عليها البرلمانات (أى إصدار القوانين الجديدة وتمرير التعديلات على القوانين القائمة) لإدارة شئون الدولة والمجتمع والمواطن. السلطويون ليسوا أيضا على حال واحد فيما يخص حدود الالتزام بتنسيب قراراتهم وسياساتهم إلى «القوانين واللوائح المعمول بها» وحرصهم على اصطناع صورة الحكم المحترم لسيادة القانون.
فنجد أن قليلا من الحكومات السلطوية المعاصرة لا ينكر عداءه الصريح لوجود مؤسسات قضائية مستقلة، ولا يتوقف عن التغول على المحاكم والتدخل فى أعمالها بطرق شتى. قليل منها يضرب عرض الحائط بالقوانين واللوائح، ويمعن فى ممارسة القمع باتجاه المواطن والضبط باتجاه المجتمع والإخضاع باتجاه المؤسسات القضائية والمؤسسات التشريعية، معتمدا فقط على المتاح له من أدوات القوة الجبرية والعنف الرسمى. فقط القليل من الحكومات السلطوية هو الذى لا يسعى للتجمل بإبعاد شكلى للمكون الأمنى عن واجهة الحكم، فالأغلبية تريد للمكون الأمنى أن يدير شئون الدول والمجتمعات من وراء ستار. فقط القليل من الحكومات السلطوية هو الذى لا يعنيه تزييف وعى الناس بالترويج لكون حكم الفرد ليس حكما للفرد والحزب الحاكم ليس حزبا حاكما واحدا والانتخابات الرئاسية والبرلمانية معلومة النتائج سلفا ليست سوى انتخابات جادة تترجم الإرادة الشعبية بحرية ونزاهة. فقط القليل من الحكومات السلطوية هو الذى لا يخجل من أن يعلن على الناس أن الحكم هو حكم الفرد أو حكم الحزب الواحد وأن صناديق الاقتراع لا أهمية لها وأن دون ذلك ستسقط الدول وتدمر المجتمعات وينهار الأمن ويذهب إلى غير رجعة الاستقرار.
وإن كان هذا هو حال القليل من الحكومات السلطوية فى التعاطى مع المؤسسات القضائية والتشريعية ومع الرأى العام، فأين يقف، إذن، العدد الأكبر من سلطويى القرن الحادى والعشرين؟
***

تصر أغلبية السلطويين المعاصرين على أن حكوماتهم تحترم سيادة القانون، وتعلن على رءوس الأشهاد امتناعها عن التدخل فى أعمال المؤسسات القضائية والمحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها وابتعادها عن السيطرة على المؤسسات التشريعية. تشدد أيضا على أن القضاء المستقل يمثل فرض ضرورة لتحقيق استقرار الدولة والمجتمع شأنه شأن البرلمان المستقل، ولا تمانع أن يتم النص دستوريا على استقلال المؤسسات القضائية وحياد القضاة واستقلالية البرلمانات وإرساء مبادئ الفصل والتوازن بين السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية. غير أن تواتر إعلانات النوايا الحكومية الحميدة وحضور الضمانات الدستورية القاطعة لا يحولان دون السعى المستمر للسلطويين المعاصرين إلى استتباع القضاء وإخضاعه إلى أهوائهم، تماما مثلما يضغطون على المؤسسات التشريعية لتقزيمها إلى برلمانات دورها الوحيد هو تمرير مشروعات القوانين التى تطرحها الحكومات والموافقة على قرارات وسياسات الحكام دون إعمال جاد ومستقل للأدوات الرقابية.
لا يريد العدد الأكبر من أولئك السلطويين فى القرن الحادى والعشرين أن يبدو كمن ينتهك القوانين وهو يقمع ويتعقب ويضبط ويخضع أو أن يظهر العداء الصريح للمؤسسات القضائية المستقلة وهو يستتبع القضاء والقضاة أو أن يمتهن البرلمانات وهى تمرر القوانين المقيدة للحريات. باستثناءات قليلة، يهدر سلطويو القرن الحادى والعشرين القيم الأساسية لحكم القانون وهم يدعون أنهم يحترمون سيادته، ويقضون على معانى العدل والمساواة فى إدارة شئون الدولة والمجتمع بإجبار البرلمانات على تمرير قوانين وتعديلات قانونية ظالمة وتمييزية.
على سبيل المثال، يقمع الإعلام الحر فى روسيا ويراقب المجتمع المدنى أمنيا بالقوانين واللوائح. وفى المجر، تنزع شرعية الوجود عن منظمات حقوق الإنسان ويتعقب من يعمل بالقوانين واللوائح، وفى تركيا، يعزل الرئيس رجب طيب أردوغان ومعه حكومة حزب العدالة والتنمية القضاة وأساتذة الجامعات وموظفى العموم وفقا لأهواء أردوغان السياسية لأن القوانين واللوائح تمكنه من ذلك. فى تركيا أيضا، وافق البرلمان الذى يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية فى بدايات ٢٠١٧ على تعديلات دستورية تغير النظام السياسى من برلمانى إلى رئاسى وتمنح رئيس الجمهورية صلاحيات تنفيذية واسعة من بينها الاشتراك فى تعيين القضاة ومدعى العموم وتلغى منصب رئاسة الوزراء (فى ربيع ٢٠١٧، أقرت التعديلات الدستورية فى استفتاء شعبى بأغلبية ضئيلة هى ٥‚٥۱٪). وفى بلاد العرب، بحور متلاطمة من الأفعال السلطوية لحكام وحكومات لا يعنيهم غير إخضاع المواطن وضبط المجتمع والسيطرة على الفضاء العام.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات