نشر موقع قناة TRT WORLD تقريرًا للكاتب CJ Werleman، يتناول فيه قضية الأسلحة النووية الإسرائيلية واستراتيجية الغموض التى تتبعها إسرائيل بشأن ترسانتها النووية، وضرورة أن تعلن إسرائيل عن حجم هذه الترسانة من أجل أن تصبح قادرة على تحقيق الردع الناجح.
يبدأ الكاتب حديثه بأنه يمكن لإسرائيل أن تجعل العالم مكانا أكثر أمنا من خلال الكشف عن ترسانتها النووية ومناقشتها بشكل علنى. ويضيف أنه إذا لم نأخذ فى الاعتبار النزاعات الحدودية بين باكستان والهند، فمن المستحيل أن نجد مثالا واحدا على جيش عسكرى قام بمهاجمة سيادة دولة تمتلك أسلحة نووية. باختصار، يمكننا القول إن الترسانة النووية تعد بمثابة «الضامن الأمنى المطلق»، وكان هذا المنطق السائد فى العلاقات الدولية خلال الحرب الباردة، وكان يقع على عاتق الدول غير النووية السعى إلى كسب ضمانات وبناء تحالفات أمنية سواء مع القوى العظمى السوفيتية أو الأمريكية.
ولكن الضمانات التى تقدمها القوة العظمى لم تكن كافية و«مريحة» لرئيس الوزراء الإسرائيلى «شيمون بيريز»، وفى عام 1956 خلال أزمة السويس، طلب من الحكومة الفرنسية مساعدة إسرائيل فى بناء «قوة انتقامية» نووية، حيث أخبر نظيره الفرنسى حينها أنه لا يثق بالضمانات التى يقدمها الآخرون.
وبشكل سرى ــ وفى تحدٍ لحليف إسرائيل الرئيسى، الولايات المتحدة، ــ انضمت إسرائيل إلى نادى الدول النووية فى وقت ما بين عامى 1967و 1969، على الرغم من جهدها الذى استمر لما يقرب من خمسة عقود لإنكارها أو خداعها بشأن ترسانتها النووية. حيث تعمدت إسرائيل اتباع سياسة مبهمة للردع النووى، يشار إليها أحيانا بـ«سياسة الغموض».
ويضيف الكاتب أنه عندما ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى بنيامين نتنياهو أخيرا على شبكة سى إن إن ليقدم اتهامات ضد برنامج إيران النووى المتعثر حاليا، فقد أوضح بالضبط ما تبدو عليه «سياسة الغموض» التى تنتهجها إسرائيل بحديثه المزدوج. وطرح عليه «كريس كومو» من سى إن إن تساؤلا قائلا: «هل تملك إسرائيل قدرات نووية وأسلحة نووية، نعم أم لا؟»
ورد نتنياهو على ذلك قائلا: « لقد قلنا دوما أننا لن نكون أول من يمتلك أسلحة نووية، لذا لم نقم بعرضها أو الإعلان عنها».
وضغط عليه كومو قائلا: «هذا ليس إجابة على السؤال. هل تمتلك إسرائيل ترسانة نووية أم لا ؟»
وجاء رد نتنياهو أن إجابته كانت جيدة.
ويقول المؤرخ الإسرائيلى «شلومو أرونسون»: أن إسرائيل اختارت سياسة الغموض لأن الهدف من الردع النووى هو ردع الهجمات على حدودك السيادية، وبالنظر إلى أن المجتمع الدولى يرفض مزاعم إسرائيل بشأن امتلاكها للأراضى التى استولت عليها، تظل حدود إسرائيل غير محددة.
بكم يقدر حجم الترسانة النووية الإسرائيلية؟
على الرغم من الجهود الإسرائيلية الرامية إلى الإنكار والخداع بشأن حجم ترساناتها النووية وقدراتها، فقد أشار البريد الإلكترونى الخاص الذى سربه وزير الخارجية الأمريكى السابق «كولن باول» إلى امتلاك إسرائيل ترسانة مكونة من «200 سلاح نووى»، وهو ضعف العدد الذى قدمته وكالة الاستخبارات الأمريكية فى عام 1999. إن رسالة البريد الإلكترونى المسربة التى أرسلها «باول» أخرجت إلى العلن ما نجحت فيه إسرائيل بإقناع أربعة رؤساء أمريكيين بعدم التباحث علنا فى ترسانة إسرائيل غير المعلنة.
وفى الواقع، تُظهر مقالة نشرتها صحيفة «النيويوركر» فى الآونة الأخيرة مدى سعى إسرائيل إلى الحصول على هذا الوعد فى شكل «رسالة سرية» من كل رئيس أمريكى يتم تنصيبه حديثا.
وكتب «آدم إنتوس» قائلا: «تمت صياغة النسخة الأولى من الرسالة السرية من خلال إدارة كلينتون، كجزء من اتفاقية مشاركة إسرائيل فى مفاوضات واى ريفر مع الفلسطينيين عام 1998. «وفى الرسالة، أكد الرئيس بيل كلينتون للدولة اليهودية أنه لن تكون هناك أى مبادرة أمريكية مستقبلية لتحديد الأسلحة ستقلل من قدرات الردع الإسرائيلية»، وهى إشارة غير مباشرة ولكنها واضحة إلى ترسانتها النووية.
ويضيف قائلا: إنه بعد أن أدى الرئيس ترامب اليمين الدستورية فى 20 يناير 2017 مباشرة، ظهر وفد إسرائيلى، ضم سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، فى البيت الأبيض للضغط على ترامب لوضع توقيعه على هذه الرسالة غير الرسمية. ووفقا لإنتوس، لم يكن مسئولو إدارة ترامب محبطين فقط بسبب عدم قدرتهم على العثور على هذه «الرسائل السرية»، ولكنهم أيضا منزعجون من ضغوط الوفد الإسرائيلى.
«أفنير كوهين»، مؤرخ نووى فى معهد ميدلبرى للدراسات الدولية فى مونتيرى ومؤلف كتاب «إسرائيل والقنبلة النووية»، وهو الكتاب الحاسم حول البرنامج النووى الإسرائيلى، يقول إن يأس إسرائيل لتجديد «الرسائل السرية» يمكن تفسيره من خلال حقيقة أن امتلاك القنبلة يعطى نتنياهو «شعورا بالحصانة، والشعور بأن إسرائيل قوية للغاية، بحيث يمكنها أن تملى شروطها الخاصة فى المنطقة».
هل تحمى القنابل النووية إسرائيل؟
يؤكد الخبراء الاستراتيجيون أنه من الأفضل لإسرائيل أن تكشف بشكل كامل عن حجم وقدرة ترسانتها النووية، معتبرين أن «سياسة الغموض» الإسرائيلية لم تعد تخدم مصالحها ومصالح «عملية السلام» أو المجتمع الدولى.
فمن وجهة نظر الدفاع عن النفس، لا ينجح الردع النووى إلا إذا اعتقد المعتدى أن الهجوم سيؤدى إلى رد فعل مدمر وكارثى مضاد. غير أن الاستمرار باستراتيجية ردع نووى مبهم يؤدى إلى خطأ فى التقدير ومغامرة من قبل المهاجم، لأنه يترك الباب مفتوحا أمام احتمال قيام إسرائيل بالخداع بشأن قدراتها النووية.
وبعد استيلاء إسرائيل المستمر على الأراضى، قد تعتقد مجموعة من الدول المعادية التى لا تمتلك أسلحة نووية، أن الهجوم التقليدى المشترك ضد إسرائيل سيكون مربحا ويضيف لويس رينيه بيرس ــ أستاذ القانون الدولى فى جامعة بوردو ــ « أنه من أجل منع مثل هذا الاستنتاج، وبالتالى الحفاظ على الردع النووى الناجح، ستحتاج إسرائيل إلى إقناع هذه الدول المعادية بأن هجومها التقليدى المرتقب يمكن أن يؤدى إلى انتقام نووى كامل».
وختاما يرى الكاتب أن الكشف عن ترسانة إسرائيل النووية مهم الآن أكثر من أى وقت مضى. فعلى سبيل المثال إذا قام حزب الله بتوجيه صواريخ ضد المدن الإسرائيلية فسوف يؤدى ذلك إلى حدوث أضرار مفرطة. وبالتالى على إسرائيل أن تعلن عن حجم أسلحتها النووية.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى: