مواعيد الخريف - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مواعيد الخريف

نشر فى : الأربعاء 20 أغسطس 2014 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 أغسطس 2014 - 8:25 ص

فى الانتقال من نظام إلى آخر يسد ركام الماضى طرق المستقبل وتنصب الكمائن فوقها.

الماضى يفرض سطوته مرة بقوة المال والنفوذ لإنتاج سياسات ثار عليها شعبها ومرة أخرى بقوة السلاح والعنف لعرقلة أية فرصة نجاح ممكنة بينما المستقبل تتثاقل خطاه والسياسة شبه معطلة.

أخطر ما يجرى الآن أن هواجس الماضى أقوى من رهانات المستقبل.

الطعن فى «يناير» يسحب من رصيد الشرعية ويضرب فى جذرها والطعن فى «يونيو» ينال مما هو قادم من زاوية الشرعية ذاتها.

مسألة الشرعية تطرح أسئلتها قبل أن يحسم النظام الجديد خياراته الكبرى وتباطؤ الإيقاع يضعه فى مهب التساؤلات الصعبة.

من حيث الوضع الدستورى فإننا أمام دولة تفتقد إلى مؤسستها النيابية والانتخابات مؤجلة إلى الخريف بغير تفسير معلن وتبرير مقنع.

عند انعقاد المجلس النيابى مطلع الشتاء المقبل تكون مرت أربع سنوات كاملة على الدولة المصرية لم تستكمل خلالها مرة واحدة مؤسساتها الدستورية.

عند إطاحة «حسنى مبارك» فى (١١) فبراير (٢٠١١) سقط دستور (١٩٧١). هو نفسه أسقطه بتخويل المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد على عكس ما تقتضيه نصوصه وحُل مجلسا الشعب والشورى وتوالت بعد ذلك وقائع فوضى دستورية لا مثيل لها من إدخال تعديلات على دستور كان قد سقط باستفتاء اثار شقاقا واسعا إلى انتخاب مجلس نيابى بلا دستور يضبط صلاحياته وينظم علاقاته مع مؤسسات الدولة الأخرى قبل أن يُحل بحكم من المحكمة الدستورية.. إلى إعلان دستورى أصدره سلفه «محمد مرسى» مفوضا نفسه صلاحيات تخوله العصف بخصومه وتحصين قراراته من أن ينظرها القضاء الدستورى ومن بينها إضفاء صلاحيات تشريعية على «مجلس الشورى» الذى يخضع لهيمنة جماعته قبل أن يُحل تاليا فى (٣) يوليو (٢٠١٣) مع مرحلة انتقالية جديدة لم تستكمل خريطتها حتى هذه اللحظة.

فى استكمال المؤسسات الدستورية اختبار جدى للنظام الجديد، فالبرلمان يحوز صلاحيات غير مسبوقة بالقياس على أية برلمانات سابقة من حيث قدرته الرقابية على أعمال السلطة التنفيذية ومحاسبتها وفى اختيار الحكومة نفسها التى تشارك رئيس الجمهورية مسئولية السياسات العامة.

الاختبار يتجاوز النص الدستورى على أهميته إلى الواقع السياسى بتعقيداته، فبقدر ما يكون البرلمان معبرا عن الرؤى الجديدة لمجتمع قام بثورتين ودفع فواتير دم للانتقال إلى نظام جديد والالتحاق بعصره يمكن التطلع إلى تأسيس شرعية دستورية راسخة تنسخ الماضى وركامه وتفتح صفحة جديدة. وهذه ليست مسألة سهلة، فالجو السياسى تشغله الانتخابات وحصصها عن ضرورات التوافق السياسى بين شركاء «يناير» و«يونيو» وتحولات التحالفات الانتخابية تبدو فوضوية الرؤى فيها شبه غائبة وما هو خاص يغلب ما هو عام.

صورة البرلمان سوف تعكس إلى حد كبير صورة المستقبل.

فى مواعيد الخريف تتصدر الانتخابات البرلمانية المشهد تحت ظلال خشية أن يحصد الماضى أكثرية المقاعد معلنا انقلابا سياسيا على الثورة وأهدافها يحاول استنساخ ذات السياسات التى أفضت إليها، وهو مشروع اضطراب ينتقص بفداحة من شرعية نظام جديد يتعثر ميلاده.

الاضطراب السياسى من طبيعة غياب القواعد والرؤى والانحيازات وترك المجال واسعا ومريبا لتهجمات منهجية على «يناير» ونفى أن يكون هناك مشروعا للتوريث وأن الأمر كله كان شائعة، هذا النمط من الاستخفاف بالتاريخ وحقائقه قد يفضى إلى تغييرات دراماتيكية فى قواعد اللعبة السياسية تقلب معادلاتها رأسا على عقب وبأسرع مما يتوقع أحد.

هذا وقت الحسم بلا إيقاع يتمهل الحركة بأكثر مما تمهلت فبعض ما يقال يقوض الرهانات الكبرى على «يونيو».

ارتباكات الصورة العامة لا تبرر غياب لغة الحوار بأكثر مما طالت واتساع أفقها على مجتمعها بكل ما فيه من حيوية عمل وفكر.

الوسائل السياسية وحدها صاحبة الكلمة الفصل فى تأكيد التوافقات العامة وتوسيع مجالها.

يستحيل أن تكون هناك ديمقراطية بلا تعددية ولا تعددية بلا أحزاب كما أنه يستحيل الحديث جديا عن تداول السلطة والتوازن بين سلطات الدولة بلا برلمان يعكس حركة المجتمع وتفاعلاته، يتطلع إلى المستقبل ولا يشده الماضى إلى معاركه الخاسرة.

هذه مسألة توافقات عامة تحتاجها مصر على أعتاب استكمال مؤسساتها الدستورية.

وفى مواعيد الخريف فإن الرئاسة الجديدة مدعوة أن تحسم أمرها فى فريقها. وربما يرجع تأخر الحسم إلى عدم ثقتها فى الحياة السياسية ومكوناتها الحالية بالنظر إلى مستويات الأداء العام وغلبة الحسابات الشخصية غير أنه قد يرجع أيضا إلى عدم توافر الخبرة الكافية بمقتضيات العمل السياسى، فهو قد قضى نحو خمسة وأربعين عاما منذ أن كان طالبا فى المدارس العسكرية إلى أن تولى قيادة الجيش ملتزما بقواعد لا تعرفها الحياة المدنية، فالانضباط من طبائع العمل العسكرى بينما للعمل السياسى طبائع أخرى ووسائل مختلفة.

الكلام السياسى من طبيعة التوافقات العامة ونصف العمل السياسى فى لغة الحوار.

من بين كمائن اللحظة صد الأبواب أمام لغة الحوار وتكريس شىء من القطيعة الصامتة.

أمام المهام الصعبة لإنقاذ بلد أوشك أن يسقط فإن البحث عن كفاءات قادرة عليها يستدعى النظر فى مواضع العمل والإنتاج والإبداع قبل النظر فى شاشات التليفزيون عن نجومها وأن يكون النظر منفتحا على أجيال الوسط التى اكتسبت الخبرة دون أن تفقد همتها.

بحسب ما هو متاح من معلومات لا توجد خيارات نهائية لمعاونى ومستشارى الرئيس باستثناء موقعين أو ثلاثة لمقربين منه عملوا بجواره أثناء خدمته العسكرية، وهذا شىء طبيعى وإنسانى فيما يتعلق بإدارة مكتبه التى تتطلب الثقة الكاملة أو فيما يتعلق بإدارة ملفات على درجة عالية من التعقيد والخطورة حيث يفكر جديا فى إسناد منصب «مستشار الأمن القومى» إلى شخصية خارج التوقعات وإن كانت معروفة تماما للرأى العام المصرى.

مع تحديات الانتخابات النيابية فى مدى تمثيل نتائجها لحركة المجتمع ومصادر عافيته وإعلان الفريق الرئاسى ودلالات اختياره تحمل مواعيد الخريف اختبارات أخرى ضاغطة وكاشفة لمدى قدرة المؤسسة البرلمانية أن تكون شريكا فى الحكم وفق النصوص الدستورية.

بحسب المعلومات المتوافرة فإن بقاء المهندس «إبراهيم محلب» على رأس الحكومة القادمة مرجح إلى حد كبير لكن كل شىء يظل مرتهنا بالحقائق التى تترتب على الانتخابات النيابية وتفاعلات الحوادث بالشارع.

فى مواعيدالخريف استحقاقات دستورية وتحديات سياسية وكمائن على الطريق وأطلال نظامين سابقين يهددان شرعية ما هو قادم وتساؤلات قلقه عن الخيارات الكبرى والملفات المعلقة فى الحريات العامة والعدالة الاجتماعية والأمن القومى فى إقليم يشتعل بالنيران.