تركيا.. عندما تفسد السياسة الاقتصاد «1» - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تركيا.. عندما تفسد السياسة الاقتصاد «1»

نشر فى : الإثنين 20 أغسطس 2018 - 9:25 م | آخر تحديث : الإثنين 20 أغسطس 2018 - 9:25 م

اهتمت وسائل الإعلام الدولية ومعها أسواق المال فى العالم بما أصاب الليرة التركية من تدهور شديد يوم الجمعة ١٠ أغسطس الماضى، عندما انخفضت العملة التركية بمقدار ١٨٪ فى يوم واحد. وقد جاء هذا التدهور فى إطار ما تشهده العملة التركية من خسارة لقيمتها بلغت نحو ٤٠ ٪ منذ بداية هذا العام. وقد تعددت التفسيرات فى محاولة فهم وشرح ما يحدث للاقتصاد التركى حاليا. هذا الاقتصاد الذى تضاعف ٣ مرات خلال السنوات العشر الأولى منذ وصول أردوغان إلى الحكم فى نهاية عام ٢٠٠٢. ويزيد من هذا الاهتمام ما بات يحتله الاقتصاد التركى من مكانة فى الاقتصاد الدولى حيث يحتل المركز الـ ( ١٨ ) دوليا، وباقتصاد يبلغ نحو ٩٠٩ مليارات دولار. وقد رأينا انخفاض قيمة العديد من العملات الأخرى كان أبرزها اليورو الذى فقد نحو ١٪ من قيمته تأثرا بما حدث لليرة التركية يوم الجمعة ١٠ أغسطس، مما يعكس درجة ومدى اندماج وتشابك الاقتصاد التركى مع الاقتصاد العالمى، وخاصة الأوروبى.
وقد جاء هذا الترابط بين الاقتصادين الأوروبى والتركى مع بدء تنفيذ اتفاق الاتحاد الجمركى بينهما فى نهاية ديسمبر ١٩٩٥. هذا الاتفاق الذى جعل من دول الاتحاد الأوروبى الشريك الاقتصادى الأول لتركيا، فأصبحت تركيا تمثل اليوم رابع أكبر سوق للصادرات الأوروبية، فى حين أصبحت الأسواق الأوروبية تمثل أكبر مستوردا للبضائع التركية. هذا الترابط تعزز فى السنوات الأخيرة مع انخفاض سعر الفائدة على الإقراض إلى أدنى مراحله بعد الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨، واتجاه البنوك للإقراض بنسب فائدة متدنية للغاية. الأمر الذى شجع الشركات التركية على التوسع فى الاقتراض فى ظل ما كان يشهده الاقتصاد التركى من نمو متسارع، وشجع البنوك الأوروبية بدورها على الاستجابة والتوسع فى الإقراض. ونتيجة لهذا التوسع فى الإقراض والاقتراض، بلغت الديون التركية نحو ٣٥٠ مليار دولار منها ٨٢ مليار دولار للبنوك الإسبانية و٣٨ مليار دولار للبنوك الفرنسية، وتأتى البنوك الألمانية فى المركز الثالث. لذلك نستطيع أن نفهم وندرك حجم الاهتمام والقلق الأوروبى مما يحدث حاليا فى تركيا، والذى يهدد بتكرار ما تعرضت له أوروبا من هزة اقتصادية عنيفة جراء الأزمة اليونانية قبل سنوات قليلة عندما عجزت عن تسديد ديونها. ونظرا لأن الاقتصاد التركى يمثل أربعة أضعاف الاقتصاد اليونانى، فقد انعكس هذا القلق على قيمة اليورو والذى شهد كما ذكرنا انخفاضا متأثرا بما يحدث فى تركيا.
هذا، ورغم إعلان الحكومة التركية عن اتخاذها لمجموعة من الإجراءات المالية بدءا من يوم الإثنين ١٣ أغسطس الماضى بهدف زيادة السيولة النقدية فى السوق، مثل تخفيض حجم الاحتياطى المودع فى البنك المركزى من قبل البنوك بما يؤدى إلى تحرير ١٠مليارات ليرة و٦ مليارات دولار وما قيمته ٣ مليارات دولار من الذهب، وكذلك قيام قطر بالإعلان عن ضخ ما قيمته ١٥ مليار دولار فى السوق التركية فى شكل استثمارات وودائع، إلا أن حالة من القلق مازالت تنتاب أسواق المال العالمية بعد أن تقوضت الثقة فى إردوغان وسياساته الاقتصادية. ورغم عدم الاتفاق بين المتابعين للشأن التركى عن موعد بداية انحسار الثقة بإردوغان وسياساته الاقتصادية، أو بدء تراجع أداء الاقتصاد التركى بعد الطفرة الكبيرة التى شهدها فى السنوات العشر الأولى من حكمه كما ذكرنا، إلا أن هناك شبه إجماع على مجموعة من السياسات والقرارات التى اتخذها إردوغان أخيرا وأدت فى رأيهم إلى الأزمة الحالية.
يأتى على رأس هذه القرارات التى اتخذها إردوغان أخيرا، تعيين صهره بارات البيراك وزيرا للمالية والخزانة، وهو ما أثار استياء مجتمع رجال المال والأعمال فى تركيا. ويحضرنى فى هذا السياق تذكر رد فعل مجتمع رجال المال والأعمال على تعيين على باباجان وزيرا للاقتصاد عندما كنت سفيرا فى أنقرة (٢٠٠٧ ــ ٢٠١٠)، وهو الأمر الذى لقى ترحيبا شديدا منهم وعزز من ثقتهم وعلاقتهم بالحكومة ورئيسها آنذاك. يضاف لما سبق، اتجاه إردوغان لزيادة قبضته الرئاسية على محافظ البنك المركزى والتدخل فى سياسات البنك بعد التعديلات الدستورية الأخيرة. هذه التعديلات التى منحته سلطات وصلاحيات جديدة كرئيس للبلاد بعد أن تم تحويل النظام البرلمانى السابق إلى النظام الرئاسى الحالى بسلطات واسعة. ويأتى تدخل أردوغان هذا فى سياسات البنك المركزى بعد أن هاجم صراحة محافظ البنك المركزى السابق الذى رفض الانصياع له بتخفيض سعر الفائدة، مخالفا بذلك (أى إردوغان) رأى معظم الاقتصاديين بأهمية رفع سعر الفائدة من أجل مكافحة التضخم، ضاربين المثل بروسيا التى واجهت انخفاص سعر عملتها برفع الفائدة بنسبة ٦،٥٪ على سبيل المثال لا الحصر. وقد قام إردوغان بتعيين محافظ جديد موالٍ له مما زاد من قلق وشكوك رجال المال والأعمال فى سلامة سياساته وقراراته الاقتصادية وقدرته على تجاوز الأزمة أو الأزمات التى بات يمر بها حاليا وتؤثر على فرص الاستثمار وأداء الاقتصاد.
يزيد الأمر صعوبة، اتجاه البنك الفيدرالى الأمريكى إلى رفع سعر الفائدة على الدولار، وهو ما يؤثر بشكل سلبى على فرص الإقراض أو الاقتراض، ناهيك عن ارتفاع تكلفة خدمة فوائد بعض الديون. كما أن الاتجاه لرفع سعر الفائدة على الدولار قد أدى بدوره إلى تقوية مركز العملة الأمريكية فى مواجهة العملات الأخرى، وهو ما يعنى تلقائيا انخفاض قيمة هذه العملات، بما فى ذلك الليرة التركية. وقد أثبتت الأيام والأسابيع والأشهر الأخيرة مدى ضعف مركز العملة التركية واحتمال تعرضها لمزيد من التدهور مع كل ارتفاع قادم فى قيمة الدولار. ولذلك يتوقع المراقبون زيادة التضخم فى تركيا بمقدار ٥٪ ليرتفع من ١٦٪ حاليا إلى ٢١٪ الشهر القادم.
كانت هذه بعض من الأسباب الاقتصادية والقرارات الداخلية التى دفعت الاقتصاد التركى إلى أزمته الحالية، ولكنها وحدها ما كانت تصل إلى هذا الحد الذى وصلت إليه لولا أسباب سياسية أخرى فاقمت من الأزمة التى بات يشهدها الاقتصاد التركى وفجرتها على الشكل الحالى، وهى الأسباب التى سنشرحها ببعض التفصيل وعلاقتها بالاقتصاد فى المقال القادم بإذن الله.

التعليقات