حاضنات المشروعات الناشئة.. دعوة للمبتكرين - مدحت نافع - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 4:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حاضنات المشروعات الناشئة.. دعوة للمبتكرين

نشر فى : الإثنين 20 أغسطس 2018 - 9:25 م | آخر تحديث : الإثنين 20 أغسطس 2018 - 9:25 م

كثيرا ما تحدثت فى مقالات ولقاءات إعلامية عن أهمية توفير حاضنات incubators لتسويق منتجات المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، كركيزة مهمة لنجاح تلك المشروعات. اليوم أجدنى ملتزما بالمساهمة فى تحويل جانب من مقترحاتى إلى حلول على الأرض متى أمكن ذلك. كثير من الشباب الذين أتعرف عليهم عبر وسائط التواصل الاجتماعى، وفى المؤتمرات يطلبون عقد اجتماع معى لمناقشة بعض الأفكار والابتكارات الجديدة. حقيقة أسعد بهذا التواصل وأخصص له من وقتى ما أذن الله به، وفى نهاية اللقاء أحرص على وضع الشاب صاحب الابتكار أو المشروع فى تواصل مباشر مع رئيس إحدى الشركات التابعة التى تعمل فى مجال ابتكاره.. هذا شاب يقوم بصناعة ساعات جديدة، ويريد تصنيع قطعة نحاسية بمواصفات معينة عوضا عن استيرادها من الصين، نوفر له عبر شركة مصانع النحاس المصرية ما يريد. هذه شابة تريد إقامة مشروع للتخلص من مخلفات أوانى الألومنيوم، تجد لها منفذا عبر إحدى الشركات التابعة التى تستخدم هذه المخلفات كخردة للتصنيع.. وهكذا يكون القرار سريعا لمساعدة الشباب فى تحقيق أهداف فردية ذات أثر مجتمعى أحسبه كبيرا. لكن تظل المعضلة فى كيفية تحويل تلك المساهمات البسيطة إلى مشروع متكامل، تحكمه ضوابط وشروط وآليات لانتخاب المشروعات والابتكارات ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير جميع التسهيلات المطلوبة لدعمها وتمويلها، بغرض تحويلها إلى مشروعات يمكن بيعها بمئات الملايين.
***
المشروعات الناشئة startups هى اقتصاد بذاته، وصناعة كبرى يمكنها أن تكون دعامة للاقتصاد القومى، وفرصة لتدفق الاستثمارات المباشرة بداخله. فيما سبق كان تقييم مشروع ناشئ بمبلغ مليار دولار وبيعه لإحدى شركات الـventure capital ضربا من الخيال، ثم أصبح حدثا نادر التكرار، وأخيرا وتحديدا فى عام 2017 وبعد أن ظن الجميع أن صناعة الاستحواذ على المشروعات الناشئة بدأت تخفض من تقييماتها بصورة ملحوظة، تدفقت الاستثمارات فى هذا المجال بما يفوق كثيرا ما تم ضخه فى عام 2016. وفقا لقاعدة بيانات pitchbook المتخصصة فى رصد صفقات بيع الشركات فإن نحو 23 شركة ناشئة من الولايات المتحدة الأمريكية وحدها قد تم بيعها بما يفوق المليار دولار للشركة الواحدة عام 2017!.
الدراسات الحديثة تشير إلى أهمية تواجد أرباب المشروعات الناشئة فى بيئة عمل مختلطة co working environment. خاصة إذا توافرت لتلك المشروعات الظروف التى تسمح بتفرغ أصحابها للابتكار والتطوير، بعيدا عن تفاصيل التشغيل المختلفة، بدءا من استصدار التراخيص الصناعية وتصاريح العمل، وتوفير التمويل اللازم لشراء العقارات وترفيقها، بل والإنفاق على البحث والتطوير وتسجيل العلامات التجارية وبراءات الاختراع.. إلى غير ذلك من إجراءات ومصروفات يتعذر على المبتكرين التفرغ لها، أو حتى إهدار جزء من وقتهم فى توفيرها. هناك أيضا مهام التسويق لمنتجات وابتكارات تلك المشروعات، التى كلما كان التعامل معها بصورة مجمعة كلما انخفضت تكلفة التسويق للوحدة الواحدة... وهكذا يمكن للشركة القابضة للصناعات المعدنية وغيرها من الشركات التى تمتلك بعض الأراضى المرفقة فى مناطق صناعية، أن تخصص جانبا من تلك الأراضى لاستقبال عدد من المشروعات الناشئة، التى تقدم ابتكارات غير تقليدية، يخضع تقييمها للجان محايدة بمواصفات عالمية. هذه المشروعات يمكن أيضا أن تحظى برعاية مالية كاملة من الشركة الحاضنة، وأن يكون ذلك من خلال اتفاقية شراكة واقتسام أرباح تشغيلية ورأسمالية واضحة تضمن لتلك الشركة استثماراتها، وتحفظ للمبتكرين حقوق الملكية الفكرية وغيرها من حقوق.
الشركات المتخصصة فى مجال إقامة حاضنات الأعمال والتسويق يمكن أن تلعب دورا مهما فى مشروع الشراكة المشار إليه. تقدم مختلف الخبرات فى مجالات التشغيل والتدريب والتسويق نظير حصة من الأرباح و/أو من الأسهم. كذلك يمكن قيد أسهم الشركات الحاضنة فى البورصة بغرض توسيع الملكية، وتوفير التمويل اللازم للإنفاق على البحث والتطوير والتسويق وتوفير رأس مال عامل لكل مشروع ناشئ...فضلا عن تحسين حوكمة الشركات وضمان الإفصاح والشفافية لمختلف أنشطتها.
***
علينا إذن أن نضع آلية مستقرة شفافة لاستقبال الأفكار والابتكارات، وتصفيتها على نحو يسمح بسرعة تحويل الصالح منها إلى مشروع ناشئ تحت رعاية كاملة لحاضنة تشغيل وتسويق تمتلك الأصول والأدوات والتمويل اللازم لدعم تلك المشروعات تمهيدا لجذب انتباه شركات الــventure capital على مستوى العالم، والتى يمكنها انتخاب عدد من تلك المشروعات لهيكلتها ماليا وإداريا لرفع قيمتها السوقية على النحو الذى ورد آنفا فى الشركات الأمريكية الناشئة عام 2017.
الفكرة التى أطرحها قابلة للتطبيق الفورى، ما إن تضافرت لها جهود الجامعات والمعاهد والمؤسسات البحثية، فضلا عن بعض النقابات المتخصصة، وقد وقعت الشركة القابضة للصناعات المعدنية فى هذا الصدد مذكرة تفاهم مع نقابة المهندسين، يمكن أن يكون هذا المشروع باكورة التعاون الناشئ عنها. كذلك ترتبط الشركة بأواصر تعاون مختلفة مع معهد التبين للدراسات المعدنية ومركز بحوث الفلزات ومركز إعداد القادة التابع لوزارة قطاع الأعمال العام.. والعديد من المراكز والمؤسسات الأخرى التى يمكنها أن تساعد فى الدعوة لمسابقة استقبال مشروعات ناشئة، بغرض تحكيمها وتمكين الفائز منها من تحويل حلمه إلى واقع على الأرض فى زمن قياسى. كذلك يمكن لمشروعات وأفكار التطوير لماكينات ومعدات الشركات القائمة أن تكون هدفا لهذا النوع من المسابقات، وأن يحظى أصحاب الأفكار المبتكرة بفرصة لتطبيق مبتكراتهم، ووظيفة مرموقة بعائد مجزى تسمح لهم بإدارة أفكارهم فى قلب المصانع والورش.
***
الوقت يداهمنا والعالم يتطور من حولنا ولا تنقصنا أداوت العصر ولا المعرفة ولا عزيمة الشباب التى يمكنها أن تحقق حلم التنمية بمعدلات سريعة للغاية، أسرع كثيرا من تلك التى نتطلع إلى تحقيقها عبر مفردات الاقتصاد التقليدى، وأدوات الثورة الصناعية الأولى والثانية. اليوم نحن بصدد ثورة صناعية رابعة (أفردنا لها مقالا سابقا) تشهد تطورات فى مجال الذكاء الصناعى والروبوتيكس، والنانو تكنولوجى، والتكنولوجيا الحيوية، والحوسبة الكمية quantum computin، وسلاسل الكتل blockchain، وإنترنت الأشياء، وتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد.. وغيرها من تطورات تكنولوجية لها تداعياتها المؤثرة على مختلف الصناعات والخدمات، وكلها يتم تطويره سريعا عبر مشروعات ناشئة، من شأنها أن تكون أكثر إنصافا لفئة المهمشين اقتصاديا، الذين صار بمقدورهم الوصول إلى مختلف المعلومات والخدمات بسهولة عبر الشبكات الرقمية.
هذه دعوة وإعلان نوايا لتعظيم الاستفادة من أصولنا البشرية والتقنية والعقارية غير المستغلة، وخلق مجتمعات كاملة تقوم على ترابط المشروعات الناشئة، وأرى أن يكون صعيد مصر المهد الأول لانطلاق تلك الحاضنات، حرصا على تنميته واستدامة مجتمعاته التى تهددها مظاهر الفقر وتعثر التنمية.

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات