فى حب القاهرة - زينب عثمان - بوابة الشروق
الخميس 24 يوليه 2025 7:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

فى حب القاهرة

نشر فى : الخميس 20 سبتمبر 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الخميس 20 سبتمبر 2012 - 8:25 ص

وصلت إلى القاهرة قبل تسع سنوات، وسرعان ما وقعت فى غرام المدينة وسكانها. أحببت حيويتها، وتلقائيتها، وروح الإبداع فيها، وكنت قد ولدت فى هذه المدينة، ونشأت على ثناء والدى وحكاياتهما عن القاهرة، ومصر، والمصريين. وهى المدينة التى حوت أجمل الصروح المعمارية التى درستها، ورسمتها، وحفظت جميع تفاصيلها.

 

●●●

 

وعلى الرغم من المزايا السابق ذكرها، إلا أن القاهرة مدينة مريضة، تعانى من الفساد الإدارى والعام. ويمكن تقسيم معركة القاهرة الحضرية إلى ست تصنيفات مادية: الإسكان، والنقل، والمناطق التجارية، والقمامة والتلوث، والأماكن العامة والمواقع التراثية.

 

ومع النقص الكبير فى المساكن المقبولة وفقا للمعايير الدولية؛ اضطر الناس إلى العيش فى المقابر والاعتداء على الأراضى الزراعية فى مناطق عشوائية كبيرة. ويكافح سكان هذه المناطق من أجل توفير هذه الخدمات الحضرية الأساسية لأنفسهم. لذا يتعين وقف انتشار العشوائيات، من خلال توفير برامج إسكان متكاملة تمثل جزءا من شبكة واسعة. وقد دهشت أن البلد الذى أنجب واحدا من أشهر المعماريين فى العالم؛ حسن فتحى، كرس رسالته فى الحياة من أجل توفير مسكن ملائم للفقراء، ونال تقديرا دوليا على جهوده، لا يوجد فيه دليل على أعماله سوى فى بيوت الأغنياء ومناطقهم.

 

 وأعتقد، أن حوادث المواصلات من أكبر أسباب الوفاة فى القاهرة، حيث يمكن أن يصل عدد المتوفين فى حادث سير واحد إلى ما يتراوح بين 30 و40 شخصا. وليس هناك تقبل لمعايير السلامة على الطرق أو احترام للقانون. كما لا تتوافر وسائل انتقال آمنة وبأسعار معقولة لجماهير العمال.

 

●●●

 

 فضلا عن أن المواقع التجارية كبيرة فى القاهرة، وهى فى الغالب الأعم غير منظمة. فمع وجود نحو 25 مليون مشتر محتمل، على مختلف المستويات الاقتصادية، يحتل التجار معظم الطرق العامة، ومرة أخرى، يبدو أنه لا توجد قواعد، وإذا وجدت فهى لاتحترم. كما تترك المطاعم فى المناطق الفخمة قمامتها فى الشوارع. وتشكل لافتات المحال التى تتصارع لجذب الأنظار، قذى للعيون بكل المعايير المعمارية. وتحتل المحال والورش ومنافذ بيع الأطعمة المبانى السكنية.

 

أنا لست على علم بالقانون، وما إذا كان يسمح بهذا التوغل إلى ممتلكات خاصة. فالمخازن التجارية تشغل مكان مواقف السيارات فى معظم المبانى. إنها قواعد الفساد مرة أخرى، تتخلل جميع المستويات، وأكثر من يعانى منها هم الأشد فقرا لأنهم يفتقرون إلى الإمكانيات، وبالتالى القدرة على رفع الظلم عن أنفسهم.

 

●●●

 

 وتشمل القضايا البيئية فى القاهرة، القمامة والتلوث، لكنها لا تقتصر عليهما، وهى تستحق تخصيص دراسة كاملة لها. فقد وصل الوضع إلى مستويات كارثية. وقد شاهدت بنفسى مناطق سكنية تعيش على القمامة وفرزها، مع تراكم كميات هائلة من القمامة بين المبانى.

 

ولم تنج المجتمعات المغلقة الفاخرة أيضا من هجوم القمامة، حيث يوجد فى واحدة من أفخم المجمعات التى بنيت عبر الطريق السريع، أكبر مكبات القمامة الرسمية فى القاهرة. ومؤخرا ذهبت إلى اثنتين من المناطق الفقيرة التى يقسمها الجزء الغربى من الطريق الدائرى، وشاهدت مشهدا مروعا: كان أسفل الطريق الدائرى تشغله سيارات جمع القمامة والمكبات، وفى بعض أجزاء الطريق، كان على سيارتنا أن تشق طريقها بين أكوام القمامة. وقد بدأ فشل النظام قبل بضع سنوات عندما كانت الدولة تدعم الشركة الخاصة المسئولة عن جمع القمامة والتخلص منها، وقد وصلت إلى مستويات الأمراض المتوطنة. فلا يوجد أى دليل على وجود عملية إعادة تدوير واسعة، ولم أشاهد دليلا على حماية شبكة مياه الشرب من هذه المكبات.

 

●●●

 

تعانى القاهرة من قلة المناطق الترفيهية العامة وإهمالها. وينبغى إدراج بعضها مثل حديقة الحيوان والحدائق النباتية الأورمان تحت تصنيف حماية التراث. وتقتصر مناطق الترفيه العامة إما على الأغنياء، أو النخب، أى تابعة للجيش والشرطة، أو المهندسين والقضاة، وما إلى ذلك. وأرى أن حديقة الأزهر، وهى مشروع ناجح جدا لإعادة تأهيل المناطق الحضرية،

 

يرجع نجاحها إلى أنها توفر واحة جميلة لذلك تلقى احتراما من الجمهور فى المقابل.

 

 ويبدو أن تشغيل هذه المناطق لغير هدف الربح، وإنما لمجرد صيانتها والحفاظ عليها، يحقق نجاحا، وفى هذا المقال سوف أركز على التصنيف الأخير، وهو أكثر هذه التصنيفات احتياجا للحماية: المواقع التراثية بالقاهرة.

 

وقد يتضمن النطاق الواسع لهذه المواقع، جميع أقسام القاهرة، على سبيل المثال: المدافن، والفسطاط، والقاهرة الإسلامية، والقاهرة الخديوية، والزمالك، وبولاق، ومصر الجديدة، والدقى، والجيزة، ومنطقة الأهرامات، والنيل، على سبيل المثال.

 

وفى إطار خطة حماية هذه المناطق الكبيرة المعينة، يجب دراسة كل جانب من جوانب التصميم الحضرى، وليس فقط المبانى والمواقع الأثرية داخلها. حيث يجب بحث حركة المشاة، والعلامات الإرشادية واللافتات العامة، وسائل النقل العام والخاص بما فى ذلك أماكن وقوف السيارات، والمساحات الخضراء، والمناطق التجارية بما فيها واجهات المتاجر واللافتات المناسبة، والخدمات والبنية التحتية: الصرف الصحى وإمدادات المياه، والطاقة، وجمع القمامة، والأهم: النهج العمرانى، كما فى حظر أنماط ومواد وارتفاعات المبانى غير الملائمة، والحيلولة دون تلويث مواقع التراث والبناء بجانبها.

 

ومما يؤسف له، مشاهدة المبانى والمحال التجارية عبر الطريق من الجامع الأزهر، أحد أقدم المؤسسات التعليمية فى العالم، وقد قرر أحد المحال التجارية قطع الطريق بكتل خرسانية هائلة، ثم قرر المالك تغطية هذا المبنى ببلاطات من السيراميك الرخيص، الملائم لحمامات المنازل وليس للاستخدام الخارجى، ناهيك عن أن يكون مجاورا لمنطقة تاريخية مثل الحسين. وليس هذا سوى مجرد مثال ضمن أمثلة كثيرة فى هذه المنطقة، وعند جميع المبانى التراثية فى القاهرة.

 

وينبغى تكليف لجان من الخبراء والمصممين والمطورين بدلا من المقاولين الجشعين، بإعادة تأهيل جميع هذه المناطق المحمية.

 

●●●

 

لا يمكن أن يتحقق الاعتزاز بالمدينة، إلا بعد معالجة جميع ما سبق، والوفاء بالاحتياجات الإنسانية الأساسية للمسكن الآمن، والمياه النظيفة وتوفير التغذية الصحية.

 

 عندها، يمكن للمواطنين معرفة تاريخهم، والتمتع به وبالتالى حماية تراثهم واحترامه ومن ثم يكتسبون ثقة فى مستقبلهم وتقدمهم.

زينب عثمان مهندسة معمارية أردنية مقيمة فى بريطانيا
التعليقات