من يحكم مصر؟ - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من يحكم مصر؟

نشر فى : الأحد 20 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 20 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

كما أن مما كان يجرى قبل الثلاثين من يونيو، ما لم يكن يرضى أحدًا. فضلا عن أنه مهّد الطريق لسقوط مدوٍ لجماعة كانت تحكم، فلا أظن أن بعضًا مما يجرى الآن، شطط إجراءات تجاوزت، أو حيف مشروعات لقوانين تخوفت، مما يرضى أحدًا أيضًا. بل ولعله يحملُ من المخاطر على نظام جديد أكثر مما يطمئن على مستقبله.

●●●

من يحكم مصرَ الآن؟

بعضُ من يستغرب، أو أحبطه بعضُ مما يرى، يجد السؤالَ مشروعًا.

من يحكم مصر الآن؟

إن أخذنا فى الاعتبار مدرسة فى التعريف أكثر شموليةٍ من نص على الورق لصلاحيات هنا أو مسئوليات هناك، فلعلنا نذهب الى القول بأن من «يحكم» واقعيًا هو من «يتحكم» بأفعاله سلبية كانت أو إيجابية، دفعًا كان أو إعاقة فى مجريات الأمور وطبيعة الإجراءات والقرارات. إذ يحدث، وأنت الأب «ولى الأمر» أن تريد فتح النافذة طلبًا لنسمة هواء، إلا أن صراخ طفلك قد يجبرك على إغلاقها حتى لا تزعج الجيران. أو قد تضطر لإغلاقها، إن كان نائما لتُجَنبه صخبَ الشارع أو هواءَه الملوث.. وفى ذلك أمثلة كثيرة. 

شيءٌ من ذلك يحدث فى مصرَ الآن.

سيولٌ أتت بها موجاتٌ تعاقبت فى يناير ثم يونيو لتتجمع فى النهاية فى نهر لم يرسم طريقًا إلى مصبه بعد. وإن كان الحاصل أن تدافع مياهه «يحكمه، ويتحكم فيه» عددٌ من السدود «والتوربينات» يعمل كل منها ببعض  طاقته حينًا، وبمعظمها فى معظم الأحيان. وبحكم طبائع الأمور، فإن مناعة هذه السدود، وقوة هذه التوربينات «المتعارضة» الاتجاهات، هى التى تحددُ فى النهاية مسارَ النهر، إما جداولَ إلى حقول تهبها خيرا ونماء، أو مياه مستنقعات ضحلة تتبخر فى الصحراء، أو ربما فيضان طاغٍ لا ندرك عواقبه.

شيء من ذلك يحدث فى مصر الآن.

إذ فى التحليل النهائى، تبدو على منبع النهر ثلاثة توربينات رئيسة «متعارضةَ» الغرض والهدف، وإن تصادف أن اتفق اتجاه حركتها فى بعض الأحيان.

ففضلا عن تأثير لا يمكن تجاهله لاقتصاد منهك، وحسابات أمن قومى، وتلك «دبلوماسية» لمحيط إقليمى ودولى ضاغط، يمكننا أن نرى فى مصر الآن ثلاث قوى تحاول أن تكون فاعلة، يعمل التدافع بين حركتها؛ سلبا وإيجابا، كما فى حال توربينات النهر وسدوده، على رسم السياسات والقرارات.. والتحكم فى المسار:

1ـــ  فريق من يريدون أو يحاولون أو «يتوهمون» إمكانية العودة الى ما قبل ٣٠ يونيو، ولا يألون فى ذلك سبيلا؛ تخويفًا أو ترهيبًا.. أو حتى تزييفا؛ بتبديل الشعارات أو بتستر مصطنع خلف عناوين يناير «القديمة». يستثمرون من ناحية حماقة إجراءاتٍ أمنية تجاوزت. ويستمدون طاقة إضافية من مشاعر إنسانية «صادقة» لأولئك البسطاء الذين لم يفيقوا من الصدمة بعد، أو ممن أصيبوا فى أعزاء لهم، فباتوا غير مصدقين، أو مسكونين «بثأرهم الشخصى». ويعمل هذا الفريق  «بلا واقعية» يعلمها لما يطلب على إجهاض كل «حكمة» تحاول إنقاذهم أو إنقاذ الوطن أو مساره نحو المستقبل. ويعملون، من ناحية ثالثة بما يحدثونه من صخب، وبما يضعونه من عوائق وعقبات ومتاريس، وبما تتناقله الأنباءُ «يوميًا» عن تفجيرات هنا وضحايا هناك على «استنزاف» الدولة والوطن.. «والمسار». ويُقوون للأسف، بقصد أو بدونه فصيلَ السلطة الأكثر تشددًا والداعى الى إحكام القبضة الأمنية، بتجاوزاتها غير المقبولة أحيانا «لمقاومة إرهاب» لا يمكننا أن ننكر أصداء تفجيراته، أو نتائج هجماته، جنائز باتت يومية فى هذه القرية أو تلك لمجندين بسطاء أبرياء.

2ــ وفريق من لا يريدون غير الانتقام من ٢٥ يناير بمحاولة العودة الى ما قبلها، بفساده واستبداده، وسطوته الأمنية، بل وبوجوهه الكالحة القديمة. يظنون أن الأمر قد دان لهم، فباتت أصواتهم عالية بلا حرج، يبدون أحيانًا جوقة واحدة رغم «نشاز» المصالح، وما تفرضه المزايدات من «عزف منفرد». يستقوون للمفارقة بما يفعله الفريق الأول، أو مناصروه. ويجدون فى أفعاله «الحمقاء اليومية» تبريرا يُسكتون به كل معارض لهم. وفى الوقت ذاته يُقوون بشطط تجاوزاتهم، وما تحمله من ظلال لذكريات قديمة خطاب المجموعة الأولى، الذى يحاول أن يقول إن كل ما يجرى الآن ليس أكثر من عودة الى ما قبل يناير.

3ــ  ثم، محشورٌ بين حمق وانتهازية وصلف كلا الفريقين، يقف الفريق الثالث. أولئك «القابضون على الجمر»؛ شبابٌ فى الشارع، وحملة أقلام، ونفرٌ «أخشى أن يتناقص» فى السلطة، يحاولون وسط كل هذا الصخب والأنانية والكذب، أن يبحثوا عن مصر التى نستحق؛ «ضوءاً فى نهاية النفق»..

ورغم أننى أحسب أن المصريين «جميعهم» كذلك، إلا أن الحاصل أن دخان تفجيرات الفريق الأول وما بدا من فاشية المنتمين اليه (ما جرى فى باريس مثلا) فضلا عن غبار مدرعات الفريق الثاني، وضباب قنابله المسيلة للدموع، كفيٌل، للأسف بأن يزداد النفقَ عتمة، وأن يذوى الضوءُ فى نهايته.

●●●

وبعد..

فحين كنا مع الوزير أحمد مكى، نحاول أن ندفع بقوانين «أكثر ديموقراطية»، لا يمررها عادة مجلس الشورى، المحكوم «بالسمع والطاعة»، المنشغل بصدامه مع «عموم» مؤسسة القضاء بقانونه الشهير ذى المواد الأربع، والمحرض لأنصاره «وقتها» بالهتاف فى الشارع ضد الوزير «المستقيل»، لم نكن نتمنى أن يأتى يوما نجد فيه أمامنا مشروعات لقوانين مثل التى نسمع عنها الآن؛ لا تمتُّ للعصر وحقائقه، ولا للعدل وقواعده بصلة أو رابط.

أفهم وأتفهم أن التهديدات للأمن القومى أخطر مما نتصور. وأراها قد تصل الى حدٍ يُسكِت كل صوت. ولكنى أخشى أن يكون هناك من لم يعرف بعد أن «للسلاح حدودًا» فأنساه «زهو القوة» أن المصريين عندما خرجوا فى يناير، إنما خرجوا يطالبون بإسقاط النظام. والذى كانت أهم ملامحه «جماعة» تحتكر السلطة والثروة، ودولة «بوليسية» أمنية ظالمة. وإن كان صحيحٌ أن الذين أتوا بهم الى سدة الحكم وقتها قد احتفظوا للأسف «بالنظام» كما هو، مكتفين، كما كل مراوغ، بمحاولات «ترويضه» ليلعب لصالحهم، دون أن يعملوا أبدًا على إصلاحه «بالمعايير المتعارف عليها للإصلاح والاستقلال»، فكان ذلك أحد معاول هدم تجربتهم، فأظن أن على الذين أتوا بعدهم أن يتعلموا من التاريخ القريب. 

ما يريده الناس باختصار، قوةٌ بلا إفراط أو تفريط.. وعدلٌ بلا مداهنة أو ظلم.

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات