الإسلام كما أدين به
 35 ــ رأس المال = الأرض و العمل - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به
 35 ــ رأس المال = الأرض و العمل

نشر فى : الخميس 20 أكتوبر 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 20 أكتوبر 2016 - 9:55 م
جميع الأموال بجميع أشكالها (نقدى/ عينى) (ثابت/ منقول) لا مصدر لها سوى الأرض والجهد البشرى، فإذا توافر جهد بشرى يقظ مع أى أرض استطاع الجهد أن يصنع المال بجميع درجاته (المواد الخام ــ المواد المحولة ــ المواد المصنعة ــ المواد المساعدة ــ المواد المشبعة للحاجات الضرورية). فالأرض (يابس/ ماء) هى السكن والقرار وهى المنجم والحقل، وهى الركن الأساسى فى كل مال أو فى أى إعمار.. فإذا أتيحت الأض ــ أى أرض ــ والجهد البشرى الجاد انطلق الإعمار الإنسانى إنطلاقة لا حدود لها.. فالقليل من الماء يكفى الكثير من الزراعة، وإنتاج الفرد الواحد يكفى استهلاك عائلة ويفيض عنها. وقد عاش الأجداد آلاف السنين ــ قبل التكنولوجيا ــ ليس لديهم إلا الأرض والعمل فأقاموا حضارات العالم كلها.. ومازالت الأرض هى الأرض لكن الإنسان هو الذى تغير تغيرا يثير العجب.

ــ1ــ

نعم فالإنسان بعد أن توصل إلى تكنولوجيا تقهر الأرض وتضاعف المستخرج منها، زهد فى العمل وأنف من بذل الجهد وأصبح يريد من الآلة أن تتولى بنفسها جميع مراحل الإنتاج وتخرج له طعاما جاهزا لفمه وملابس جاهزة لجسده وسكنا مشيدا لإقامته ومتنزهات لرفاهيته دون أن يفعل أى شىء.. أليس ذلك بعجيب؟ أليس من أكبر العيوب وأقبحها أن تحوز بلد من البلاد مثل مصر مئات الآلاف من الكيلومترات من الأرض متنوعة التربة ومع ذلك لا تنتج طعامها؟! هل انقطع النسل ومات الرجال؟! هل ضاقت الأرض؟! إن الأرض متسعة اتساعا يكفى لإقامة عشرة أضعاف عدد السكان بشرط واحد هو الرغبة فى العمل. أين علماء الإدارة والاقتصاد؟ وأين فقهاء السياسة؟ أين القليل القليل من العقل والفكر ليحول كل هذه الأراضى إلى مزارع؟!

ــ2ــ

ليس عبثا أن يتكرر ذكر الأرض ومائها فى القرآن أكثر من 500 مرة. لقد تكرر ذكر الأرض والماء إلحاحا من القرآن على الإنسان أن يلتفت إلى نشأته الأولى من الأرض وارتباطه بها وكفايتها له وتسخيرها.. فما بالك إذا وجدت الآلات والخطط والحكومات والإخلاص؟! سوف تحدثك الأرض بجميع أخبارها وجميع ما أخزنه الله فيها من خيرات وأرزاق لكل من يسعى مخلصا. وكما تكرر لفظ الأرض بما فيها تكرر لفظ السماء بمائها وضوئها وحرارتها ورياحها بما يعنى أن السماء تمد الأرض مجانا بكل الميسرات ومتطلبات الإنتاج.

ــ3ــ

فكل أرض مهما كان نوع تربتها يعلوها سماء، والأرض والسماء هو الوسط الحقيقى والمجال الأساسى لإنتاج وتراكم رأس المال. فلا ينقص الأرض والسماء غير الجهد البشرى.. فهل يعجز الإنسان وتعجز الفلسفة وتعجز الحكومات والمؤسسات عن استصحاب الناس للإنتاج والإعمار وإخراج العباد والبلاد من الركود والكساد والخراب ومن الديون والإفلاس؟! هل يعجز فرد ــ غير متعلم ــ عن أن يشق الأرض؟! فكيف إذا نال قسطا من التعليم؟! كيف إذا صاحبته وسيلة اتصال جادة مثل الفضائيات؟! ألا تتحول الملايين التائهة والملايين البائسة والملايين الكسالى إلى قوى بشرية وطنية تطعم نفسها وتمول وطنها وتغير حياتها.

ــ4ــ

وبين الأرض والسماء، وبغير تعليم وتدريس وبغير تخطيط وتكنولوجيا وبعد حكومات ومؤسسات أتاح الله لمن يريد من العباد نماذج تدل وتهدى من يريد، فالناس كل الناس يرون النحل ويشتهون عسله. فمن هذا المصنع الضخم الذى يخرج الشهد ومن أى الخامات يستخرجه؟! أليس عجيبا أن أرى النحل (دون عقل ودون علم ودون حكومة بل ودون أى تكلفة) يعمل ليس على الأرض ولا الأرض، بل يعمل وهو معلق بين السماء والأرض.. الآلاف المؤلفة من النحل تتبع الملكة وتؤدى عملها لا لشىء ولا لقهر ولا لرغبة، إن هو إلا أداء الدور الذى خلق له.. وهذا النحل لا ينتظر من البشر أن يصنعوا له بيتا أو مأوى فهو يعلم جيدا الحكمة القائلة: «ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك»، فالنحل فى الدنيا كلها يعيش فى ثلاثة أنساق فى كل أنواع الأرض، فالفئة الأولى تعمل فى أصعب وأشد البيئات (الجبال)، ومع ذلك ينتج أرقى وأغلى أنواع العسل، والفئة الوسطى تعمل فى البيئة الشجرية وهى تنتج عسلا أقل جودة من العسل الجبلى، أما الفئة الأخيرة وهى التى تعتمد على الإنسان (الخلايا المصنوعة) فلشديد الأسف تنتج العسل الأقل جودة. هل أدركت هذا الترتيب الوارد فى القرآن ((وأوْحىٰ ربك إلى النحْل أن اتخذى من الْجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعْرشون * ثم كلى من كل الثمرات فاسْلكى سبل ربك ذللا ۚ يخْرج من بطونها شراب مخْتلف ألْوانه فيه شفاء للناس ۗ إن فى ذٰلك لآية لقوْم يتفكرون)). فهل يعجز الآدمى إذا أراد أن يعيش كريما أن يكون مثل النحل؟!
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات