البعض يتناسى - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البعض يتناسى

نشر فى : الخميس 20 نوفمبر 2014 - 8:10 ص | آخر تحديث : الخميس 20 نوفمبر 2014 - 8:10 ص

نعم يتناسى أن رفع المظالم وإيقاف انتهاك الحقوق والحريات وإعادة مركزيتها المجتمعية بمساءلة ومحاسبة المتورطين فى الانتهاكات وتخليق مسار تحول ديمقراطى ينتصر على تجدد النزوع نحو الاستبداد والسلطوية هى أولويات مصيرية للمواطن وللمجتمع وللدولة فى مصر وهى تبحث عن الإبداع والتقدم والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وعن التوحد فى مواجهة الإرهاب والعنف والتطرف وكراهية الحياة وإزاء خطر إبقائها فى خانات الفقر والجهل والتخلف وتردى مؤسساتها العامة والخاصة.

البعض يتناسى، نعم يتناسى ضرورة اعتماد منظومة متكاملة للعدالة الانتقالية تفعل الضمانات الدستورية والقانونية للحقوق وللحريات وتعالج بالتوثيق والمكاشفة والمساءلة والمحاسبة بأدوات قانونية متبوعة بالتسامح بوسائل ووسائط مجتمعية ماضى وحاضر الانتهاكات وملفاتها المؤلمة، ويتجاهل كون اعتماد منظومات العدالة الانتقالية لا يتناقض أبدا مع حشد طاقات المواطن والمجتمع والدولة فى سبيل القضاء على الفقر والجهل والتخلف وبهدف مواجهة الإرهاب والعنف، بل ويستخف بحقيقة أن العدالة الانتقالية هى شرط جوهرى لاستعادة ثقة المواطن فى ذاته المتساوية مع نظرائه من مواطنات ومواطنين وثقته فى المجتمع والدولة ومن ثم تمكين المؤسسات العامة والخاصة من الانفتاح على التحول الديمقراطى وقيم الشفافية والنزاهة ورفض الفساد والإهمال.

البعض يتناسى، نعم يتناسى أن المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات لا تسقط بالتقادم، ولا تتوارى الآلام الشخصية والانشقاقات المجتمعية التى ترتبها حين يفرض الحكم الصمت بشأنها ويوظف سيطرته على المجال العام إن لتشويه أو تسفيه الأصوات والمجموعات المتمسكة بالمطالبة بالتوثيق والمكاشفة والمساءلة والمحاسبة بشأن انتهاكات حدثت ــ فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء ورابعة والنهضة وغيرها ــ والمدافعة عن ضرورة تفعيل ضمانات دستورية وقانونية تحول بيننا وبين تكرر الانتهاكات واستمرار وضعية الإفلات من العقاب، ولا تغيب أبدا عن الذاكرة الجمعية للناس مهما كابر بعضهم وتجاهل بعضهم الآخر الطبيعة المأساوية لتعرجات السير الذاتية التى يكابدها ضحايا المظالم والانتهاكات وأهليهم ــ من الضحايا الذين تسلب حرياتهم أو من الضحايا الذين يتعرضون للتعذيب أو يفصلون من مدارسهم وجامعاتهم وأماكن عملهم أو يواجهون وأسرهم الاختفاء القسرى وبالقطع ممن يفقدون حياتهم أو سلامتهم الجسدية والنفسية.

البعض يتناسى، نعم يتناسى أن الخبرات المعاصرة لبلدان كشيلى والبرازيل وأوروجواى وجنوب إفريقيا والمغرب وجمهورية التشيك تدلل على أن الأفضل للمواطن وللمجتمع وللدولة حين تبدأ عمليات التحول الديمقراطى هو بناء توافق واسع حول منظومة للعدالة الانتقالية تتقدم بها أعمال توثيق المظالم والانتهاكات وفعاليات المكاشفة والنقاش العلنى على إجراءات المساءلة والمحاسبة والربط بين هذا التوافق الواسع وبين استعادة ثقة المواطن فى ذاته وفى العدل والمساواة وتجديد وعى المجتمع بتسامحه وسلمه الأهلى واكتشاف قدرة مؤسسات الدولة على الالتزام بالقانون والشفافية والنزاهة بعد طول غياب. هذا، بينما تظهر خبرات تعثر اعتماد منظومات للعدالة الانتقالية فى بلدان كروسيا وأوكرانيا والمجر ورومانيا وتركيا وماليزيا والمكسيك التداعيات الكارثية على البناء الديمقراطى الذى إما يتداعى بالكامل أو تتجاوزه حقائق وجود المواطن والمجتمع والدولة أو يظل على هشاشته.

البعض يتناسى، فدعونا نحن نواصل التوعية بسلمية وبتحايل إيجابى على الواقع وبحب للحياة وللوطن الذى نريده عادلا ومتقدما ومتسامحا لمواطنيه ولمجتمعه ولدولته.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات