الطعام وقود الحياة - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطعام وقود الحياة

نشر فى : الجمعة 20 نوفمبر 2015 - 12:10 م | آخر تحديث : الجمعة 20 نوفمبر 2015 - 12:10 م
-1-
تكفل الله جل جلاله بطعام جميع المخلوقات إذ خلق الطعام والشراب والملبس والسكن قبل أن يخلق المستهلكين، وفي هذا التدبير الإلهي في خلق المطلوبات قبل خلق المحتاجين تعليم لمن يريد أن يتعلم أن يستعد للعمل قبل الإقدام عليه، وأن يجهز جميع الاحتياجات قبل الحاجة إليها. وهذا الخلق المبكر للاحتياجات يسمى عند الله تقدير وتدبير، فهو العليم بخلقه كما وكيفا وزمانا ومكانا، فقدر لكل فم ولكل بطن ما تحتاجه قبل حلول موعد الاحتياج.

وقد تعلم ذوو الفطرة السليمة فترى الرجل العاقل لا يقدم على خطبة امرأة إلا إذا تأكد أنه قادر على تحمل تكاليف معيشتها، فإذا رأى في نفسه القدرة على ذلك قرر أن يخطبها ويخبر أهلها بما يطمئنهم على ضرورات ابنتهم إذا انتقلت إلى بيته ومسئوليته. كما تجد المرأة الحامل في الشهور الأولى للحمل تقضي جزءا من وقتها في تجهيز متطلبات الجنين قبل أن يولد. فها هي تتناول طعاما يكفي لقوتها بالإضافة إلى ما يحتاجه الجنين، ثم ها هي تعد وتجهز ملابس الجنين قبل أن يولد بالإضافة لبعض احتياجاته الأخرى. فالفطرة السليمة والعقل الراشد يستشعر المسئولية قبل أن تحمل عليه، ويتأهل للمستقبل قبل أن يداهمه.

-2-
ومن هنا ارتفعت البشرية درجة في تفكيرها السياسي، فها هي دنيا الفكر قد تعارفت على أن المرشح لمنصب ما من المناصب العامة يعرض على الناس –عامة- وعلى المتخصصين بصفة خاصة مدى مهاراته ورؤيته في تدبير احتياجات الرعية بالقدر الذي يكفل للناس اطمئنانا واستقرارا. ويقارن الناس بين مرشح وآخر بمقارنة برامجهم ومدى ما تقدمه من وعود مضمونة سواء بإخراج الدولة من أزماتها أو بتنمية مواردها وتمكين الشعب من حياة إن لم تكن كريمة فلا تكن حياة مهينة أو مهددة.

-3-
والمرشحون من ناحية، والشعوب من ناحية أخرى قد تعارفوا على أهمية ذلك وضرورته، ليس للخوف على أرزاقهم –حاشا لله- ولكن خوفا من ضعف المرشح أو عدم درايته، أو من نقص منهجي في تعليمه وتدريبه أو قصور في قدرته على الإحاطة بالواقع واستشراف المستقبل القريب قبل البعيد. وربما كان المرشح متمتعا بكل تلك النواقص أو بعضها، وربما كان مستوفيا لمقومات المنصب المتقدم له.

-4-
وقلنا أن الناس لا يخافون على أرزاقهم لأن إيمان المؤمن يطمئنه أن رزقه لن يذهب لغيره، ولن ينتفع به سواه. لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق وهو الذي جعل الأرزاق وافية كافية لا يبقى لحصول الناس عليها إلا السعي الجاد شكرا للمنعم على نعمته. أما أن يحمل مسئولية الأسرة زوج مهمل، أو أن يدير المشروع مدير جهول أو أن يتولى الولاية من لا يملك فهما ولا يعرف كيف يستعين بغيره ولا بنوعية من يستشيرهم، بل ويفتقد الإحساس بالخطر –خطر الجوع- فذلك الخطأ المرعب.

فالجوع –عافانا الله منه- ألم شديد، ولعلم الله به لم يجعله فريضة على عباده إلا بقدر ساعات محدودة (نهار اليوم) لمدة شهر يرجع الناس كل ليلة إلى طعامهم استعدادا لجوع الغد. أما أن يتصور أحد أن هناك من يتحمل آلام الجوع أكثر من ذلك، فليتذكر أن الصبية والمرضى والحوامل والنفساء والمسنين، كل هؤلاء قد أعفاهم الله من ألم جوع الصيام لعلمه سبحانه أنهم لا يطيقون.

-5-
وليس المطلوب من محاربة الجوع مجرد بذل الطعام والشراب، بل محاربة الجوع تحتاج إلى حركة اقتصادية منتجة تدير رؤوس الأموال فتتحرك الأنشطة ويعمل العاملون فيكتسبون ما يذهبون به شر الجوع. أما إذا رأى المستثمرون أن إيداع الأموال في البنوك أكثر راحة وأمانا وأبعد عن فساد الأوضاع ومعوقات الاستثمار، فيقررون عدم المجاهدة ويستسلمون للركود ويودعون أموالهم في البنوك طلبا للفائدة...فتتوقف الأعمال ويمتنع الكسب وينتشر الجوع ويظهر الخوف والنزع...تلك التي تخشى الأمم عواقبها.

-6-
لقد تحسبت أمم الاقتصاد الحر لما يمكن أن يقع من متقلبات سياسية واقتصادية، فقررت إعانة للبطالة وللظروف المشابهة محاربة للجوع ومنعا للخطر الاجتماعي المخيف..فلماذا لا يتحرك أهل المسئولية إلى سرعة مواجهة معوقات الاستثمار والإنتاج قبل أن تغلق المشروعات وتواجه المجتمعات أخطارا لا قبل لهم بها؟!
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات