السلوك المفترض - سامح فوزي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السلوك المفترض

نشر فى : الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 - 11:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 - 11:05 م

سلوكياتنا بعيدة عن صحيح الدين فى الصدق والأمانة. هذه العبارة وردت فى ثنايا كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى أمس الأول فى الاحتفال بذكرى المولد النبوى، وهى تعبير صادق وواقعى عن حال المجتمع المصرى الذى أصبح يعانى من فائض فى الكذب والادعاء وغياب المهنية، والتبجح فى تبرير الأخطاء.
ليس هناك سبب واحد يفسر هذه الظاهرة، بل جملة من الأسباب تتعلق بتحولات الحياة فى المجتمع، أهمها التغيرات الاقتصادية المتلاحقة على مدى عقود التى غيرت نفسية الشعب المصرى من اقتصاد اشتراكى إلى انفتاح غير منضبط إلى إصلاح اقتصادى، من دولة تدعم كل شىء بحق أو بباطل إلى دولة تريد أن تتخفف من الدعم، وتصبح السلع بسعرها الحقيقى، هذه التقلبات تركت آثارا اجتماعية تمثلت فى صعود وهبوط طبقات اجتماعية، وبخاصة الطبقة الوسطى، وأدى إلى تحول المجتمع نحو ثقافة مادية، تفرضها احتياجات المعيشة، مما يدفع إلى التحايل والكذب خاصة فى ضوء تراجع الفرص الاقتصادية. وقد أدت هذه التحولات إلى تفسخ عرى الأسر تدريجيا، نتيجة انتقال عائلها إلى العمل خارجها، أو دفع الأبناء إلى كسب رزقهم بأنفسهم فى مراحل تعليمهم.
سبب آخر لا يقل أهمية عن الأول هو التدين الشكلى الذى شاع، وكأنه المبرر للتحولات الاقتصادية، يعطيها الشرعية، وظهور نمط الفاسد المتدين، والتاجر الغاش المتدين، خاصة مع زيادة جرعة استخدام الدين فى الحديث، والمظهر، والعلاقات الاجتماعية، وظهر من ينتجون خطابات دينية لصالح فئات اجتماعية صاعدة، تلائمهم، وتشعرهم بالاستقرار، وتوجد مسوغات لبعض السلوكيات الخاطئة، ولا أحد ينكر أن الحركة الاسلامية، وما رافقها من مظاهر مماثلة مشوهة على الجانب القبطى، كان لها دور فى اضفاء الشكل ــ دون المضمون ــ على التدين، ولعل ظهور العديد من الكتابات فى الفترة الأخيرة التى تتحدث عن القيم، وأهمية العودة إلى ممارسات التدين الصحيح يثبت أن الجرعة الدينية الشكلية التى غزت المجتمع المصرى منذ سبعينيات القرن الماضى شكلت استثمارا خاطئا فى رأس المال الدينى، وحان الآن الوقت لاستثمار صحيح فيه على نحو يقدم الدين بوصفه تحرر من الاستغلال، وبناء الانسان، والتأكيد على قيم الصدق والثقة والاخلاق، ومكافحة جميع صور الاتجار فى البشر، ونهب المال العام، والاعتداء على حقوق المواطنين، والافتئات على الدولة نفسها مما نراه فى العديد من الممارسات الخاطئة التى نراها حولنا.
الإشكالية الحقيقية أن هذا المجتمع لابد أن يعترف أنه بحاجة إلى ثورة اخلاقية حقيقية، يعززها خطاب دينى يركز على الجوهر دون الشكل، وممارسات تربوية وتعليمية تذكى الشعور بالضمير، والاحساس بالذنب عند الخطأ لدى المواطن منذ نعومة أظافره، وتكثيف العمل الانسانى والاخلاقى والاجتماعى التى يقوم به صغار السن خلال سنوات الدراسة، وإحياء مفاهيم التطوع، والتبرع دون ادعاء أو افتعال، والتوسع فى بناء المشروعات الاجتماعية التى تخدم كل المواطنين، مما يسهم فى النهاية فى رفع منسوب الاخلاق العامة فى المجتمع، واحياء الروابط المهنية الجادة التى تساعد اعضاءها على استعادة القيم المهنية الأصيلة التى اتسم بها المصرى سواء فى عمله داخليا وخارجيا، وأصبح الآن خارج المنافسة مع جنسيات أخرى.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات