سنة 3 ثورة 4- الأزهر وخريجو آخر زمن - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سنة 3 ثورة 4- الأزهر وخريجو آخر زمن

نشر فى : الجمعة 20 ديسمبر 2013 - 8:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 20 ديسمبر 2013 - 11:27 ص

ينعى أغلب الناس على خريجى الأزهر أنهم تقليديون لا يعايش خطابهم العصر وظروفه، بل لا يقدم أدنى فائدة للناس فى دينهم أو دنياهم، ويحق للمجتمع أن يضج من ذلك الخطاب غير الرشيد. فإن خطابهم جولات تاريخية وقصصية دون توثيق ودون إظهار حكمة أو عبرة.

وكثير من هؤلاء الدعاة يذكر فقه الوضوء والصلاة والجنازة فى خطبة الجمعة، أو يشتغل بغيبيات غير موثقة وغير مطلوبة، ولم يرد بشأنها شىء فى القرآن أو فى صحيح السنة، والأمثلة أكثر من أن تحصى. ومع ذلك فإن هذا الخطاب المتخلف يهون خطبه ويخف خطره حينما نسمع «عليم اللسان» ينطق باسم الله! ويتجاوز فى تعبيره صلاحيات الأنبياء والمرسلين.

-1-

وإذا تجاوزنا ظاهرة الخطاب المتخلف عن عصره، فسوف نشاهد ظواهر أخرى تستحق الشجب.

ومن هذه الظواهر العجيبة ما نراه ونسمعه ممن يلبس عمامة الأزهر على رأسه ويحمل ألقاب أساتذته، ومع ذلك يناقض طبيعة الدين من ناحية، ويتناقض مع نفسه من ناحية أخرى. فطبيعة ديننا «إتمام مكارم الأخلاق» كما عبر رسولنا محمد قائلا: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» فالخطاب الدينى دعوة للسمو الروحى والاعتدال السلوكى فيما بين الناس بعضهم وبعض ثم التزام بالشعائر والشرائع فيما بين العبد وربه.

أما أن نرى ونسمع من كان بالأمس القريب «رفيقا رقيقا» يسند ويستند لأعمدة الظلم والفساد متغافلا عن سوءات ثلاثين سنة من الفساد والاستبداد، فيتطوع ــ على الملأ ــ فيبشر المفسدين بجنة عرضها السموات والأرض جزاء افتقادهم لحفيد دنا أجله، بينما استكثر الشهادة على من غرق فى البحر مهاجرا باحثا عن الرزق، فإننا حيال أعجوبة تضاف إلى عجائب الدنيا السبع، تلك العجيبة هى تحول الفقيه إلى ناطق باسم الرحمة الإلهية سلبا وإيجابا!

-2-

فإذا تركنا هذا «اللون الداكن»، يصادفنا لون آخر يتخذ الغيب سلما يحاول أن يتصاعد به إلى ما فوق العقل والنقل، فهو يأمر بالقتل متناسيا أن غاية ما يملكه الدعاة هو الوعظ والفتوى، علما بأن الفتوى غير ملزمة.. فيغافل الشيخ نفسه فيتجاوز الإفتاء إلى الحكم والقضاء، فيحكم لأحد المتخاصمين: «اضرب واقتل» متجاوزا صلاحيات الأنبياء والمرسلين!

-3-

ونموذج ثالث يحرم الشىء ويحلله فى «حادثة واحدة» و«زمن واحد» وبين «أشخاص بعينهم» وفى ظرف ممتد بل يتمدد وتتسع آثاره بسبب هذه البهلوانية العجيبة.. إذ سمعته الناس مرات عديدة يقارب الحق معلنا عدم جواز استقطاب الناس فى شئون الدنيا بدغدغة مشاعرهم الدينية، وعدم جواز احتماء فصيل سياسى فى شعارات دينية إلخ.. وهذا قول يرتاح له الكثيرون فيحسبون أن الشيخ ينطق نقلا عن نصوص «قطعية الظن قطعية الدلالة» وعلمه وقوله فوق الشبهات. وسرعان ما يندهش الناس إذ يرون «الرجل إياه» يخالف ما أفتى به، فيعود يفتى مناصرا رأيا سياسيا محددا بعبثه بالمشاعرالدينية محللا لطرف ما حرمه على الآخر، فكانت كارثة ورحم الله شوقى أمير الشعراء حيث قال: «خطبت فكنت خطبا لا خطيبا.. أضيف إلى مصائبنا العظام».

-4-

وقد استعرضت هذه النماذج السيئة لبعض المتخرجين فى الأزهر، ولست فى حاجة إلى أن نشير أن كثيرا من المتطوعين غير الأزهريين يماثلون هذه النماذج بل أشد منها، لكننا حين نتوجه باللوم نلوم المتخصص على تجاوزه للأصول بأكثر مما نلوم المتطوع بسبب جهله بتلك الأصول. وحتى يستفيق الدعاة المتخصصون منهم والمتطوعون فيقدروا الله حق قدره ولا يخلطوا دينه الحنيف بطموحات دنياهم وشهوات أنفسهم، سنبقى نلح فى الدعاء أن يمن الله بلطفه على الجميع فيعتدل المتخصصون ويتهيب المتطوعون.

فإذا اعتدل الجميع عن الإفراط والتفريط، فإن مصرنا ستتبوأ مكانة تليق بها بين الأمم. حيث إن اعتدال الخطاب الدينى سيحدث أثره فيعتدل الخطاب السياسى والخطاب الثقافى والخطاب الفنى، فكل هذه الخطابات قد أصابها ما أصاب الخطاب الدينى الذى نحن بصدده

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات