كيف استطاعت البرازيل الحد من الفقر وعدم المساواة؟ - سارة صبري - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف استطاعت البرازيل الحد من الفقر وعدم المساواة؟

نشر فى : الأحد 20 ديسمبر 2015 - 11:15 م | آخر تحديث : الأحد 20 ديسمبر 2015 - 11:15 م
فى منتدى العلوم الاجتماعية العالمى، الذى عقد فى ديربان فى جنوب أفريقيا فى سبتمبر 2015، طرح المشاركون العديد من الرؤى القاتمة عن التقدم فى جهود الحد من الفقر وعدم المساواة فى مختلف بلدان العالم. وكانت هناك استثناءات بارزة عرضت أنباء مثيرة للانتباه ترفع المعنويات بشأن إحراز تقدم كبير فى هذا الصدد. وكانت البرازيل من هذه الاستثناءات. ونظرا لأن قصص نجاح الحد من الفقر وعدم المساواة نادرة إلى حد ما، يستعرض هذا المقال ثلاث سياسات رئيسية ساهمت فى هذا النجاح، بأمل تقديم اقتراحات ملموسة فى مجال سياسات الحد من الفقر.
والمعروف أن البرازيل، التى تعد كدولة متوسطة الدخل وقوة عالمية صاعدة، تعتبر منذ فترة طويلة واحدة من أكثر البلدان التى تعانى من عدم المساواة. وفى السنوات الأخيرة نجحت بشكل كبير فى الحد من الفقر وعدم المساواة. وفيما بين عامى 2003 و2009، نجحت سياسات الدولة فى المساعدة على تجاوز21 مليون شخص خط الفقر وانخفض معدل الفقر من 35.8 فى المائة، إلى 21.4 فى المائة. وقد خفضت البرازيل أيضا من حدة التفاوت، فانخفض مؤشر جينى بنسبة 9 فى المائة بين عامى 2001 و2009، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ السبعينيات.
***
وهناك ثلاث سياسات رئيسية وراء هذا النجاح:

1. برنامج بولسا فاميليا (منحة الأسرة): يقدم هذا البرنامج مساعدات مالية للأسر الفقيرة التى يقل الدخل الشهرى للفرد فيها عن 150ريالا برازيليا (47 دولارا أمريكيا). وتتراوح قيمة المساعدات بين نحو عشرة وثمانين دولارا أمريكيا شهريا وفى مارس 2014 بلغت متوسط قيمة المساعدة 47 دولارا شهريا. وبعد تقديم الأسرة الوثائق اللازمة وقبولها، تتسلم المبلغ النقدى إلكترونيا من أجهزة الصراف الآلى. فى مقابل التحويلات النقدية الصغيرة، يجب على الأسر إبقاء أطفالهم فى المدارس وتطعيمهم، وحضور زيارات الرعاية الصحية الوقائية والتى تشمل رعاية ما قبل الولادة للنساء الحوامل، وعناصر الرعاية الغذائية ومراقبة نمو أطفالهم. ومع بداية هذا البرنامج فى 2003 فقد تم دمج وتعزيز ما كان قائما من برامج التحويلات النقدية، مما أدى إلى زيادة عدد المستفيدين منها إلى 13.8 مليون أسرة فى 2014، ليصل إلى ما يقرب من 50 مليون شخص، بنسبة 26 فى المائة من سكان البرازيل.
ويعتبر هذا أكبر برامج للتحويلات النقدية المشروطة فى العالم. وهو يخفف المشكلات قصيرة المدى التى تنتج عن الفقر، ويساعد فى تحقيق استثمارات طويلة الأجل فى مجال الصحة والتعليم، مما يؤدى إلى وقف انتقال الفقر بين الأجيال. وتشير الدراسات إلى أن ذلك البرنامج أدى إلى تخفيض كبير فى الفقر المدقع والجوع، وزيادة الالتحاق بالمدارس وانخفاض معدلات التسرب. وفى أحد التقديرات فإن هذا البرنامج قد ساهم فى خفض نسبة الفقر من 12 إلى 18 فى المائة بين عامى 2003 و2009. كما يعتبر البرنامج تدخلا فعالا إذا ما قارنا بين تكلفته الضئيلة ومردودة الكبير؛ حيث لا تزيد تكلفته على 0.5 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى وتصل فوائده إلى أكثر من ربع السكان. وقد ساهم هذا البرنامج فى تعزيز استقلال واحترام كرامة الفقراء. وإذا صاحب طموحاته تحسينات أكبر فى المرافق الصحية والمدارس، لكان له تأثير أكبر.

2. إصلاح التعليم: اهتمت البرازيل بتحسين التعليم كمًّا وكيفا. وزاد الإنفاق العام على التعليم من 2.7 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 1980 إلى 4.5 فى المائة فى العقد الأول من القرن الحالى مع تركيز معظم الزيادات فى الإنفاق على التعليم الابتدائى. ولقد أدت زيادة وتحسين نوعية التعليم إلى تحسين مهارات العمل ومن ثم زيادة الدخل. وشمل تحسين نوعية التعليم وضع أهداف طموحة لذلك وإنشاء نظام على مستوى الدولة لتقييم التقدم الذى تحرزه المدرسة، والبلدية والولاية والمنطقة فى عموم البرازيل. ويتم إعلان النتائج مرتين فى العام عبر وسائل الإعلام، ويستطيع المواطنون الاطلاع إليها. وتشمل أهداف التقييم مستوى تفوق الطلاب فى مختلف المواد بهدف تحسين مستوياتهم مقارنة بالمعايير الدولية، وكذلك نسب الالتحاق بالتعليم وعدد مرات الرسوب. وفى حين لا تزال معدلات البرازيل أقل من المتوسط بالنسبة للمستويات العالمية حسب تصنيف البرنامج الدولى لتقييم الطلبة، التابع لمنظمة التعاون الاقتصادى للتنمية لتقييم أداء الطلاب فى سن 15 سنة فى الرياضيات والعلوم والقراءة، إلا أن البرازيل قد حققت أعلى تحسن فى مستوى الأداء فى مادة الرياضيات بين عامى 2003 و2012 وارتفعت معدلات التحاق الصبية فى سن 15 عاما من 65 فى المائة عام 2003 إلى 78 فى المائة عام 2012.
3. الحد الأدنى للأجور: ظلت البرازيل لفترة طويلة تطبق حدا أدنى للأجور على العمل الرسمى المأجور فى كل من القطاعين العام والخاص. وبعد سنوات من انخفاض قيمته الحقيقية، قامت الحكومة البرازيلية بزيادته وقررت أنه سيتم تعديله سنويا على أساس معدل التضخم العام ومعدل نمو الناتج المحلى الإجمالى فى السنتين السابقتين، وليس وفقا لأهواء الرؤساء. وفى فبراير 2009، ارتفع الحد الأدنى للأجور إلى نحو 230 دولارا أمريكيا، وهو تقريبا ضعف ما كان عليه قبل 7 سنوات. وتم ربط قيمة الحد الأدنى للأجور فى البرازيل أيضا بقيمة استحقاقات التأمينات الاجتماعية مثل المعاشات وإعانات البطالة، ومن ثم، تؤثر الزيادات فى الحد الأدنى للأجور أيضا على مجموعات أخرى بخلاف العمالة الرسمية فى القطاعين العام والخاص، وأبرزها المتقاعدون والعاطلون عن العمل. وساهم الحد الأدنى للأجور فى تقليل التمييز على أساس النوع أو العرق. وكان تأثيره على الحد من الفقر والتفاوت فى الدخول ملموسا بوضوح، وهو تأثير أعلى من تأثير بولسا فاميليا، لأن الدخل من العمل فى عام 2005 كان يزيد على الدخل من المعاشات بما يقرب من أربعة أضعاف. وانخفض عدد العمال الذين كانوا تحت خط الفقر من 23 فى المائة فى عام 1999 إلى 14 فى المائة فى عام 2006. إلا أن العيب الأساسى، أن الحد الأدنى للأجور لا يمتد إلى عمال القطاع غير المنظم، وبالتالى يستبعد معظم أصحاب الفئات الأكثر فقرا. ولكن زيادة الحد الأدنى للأجور فى القطاع الرسمى قد ساهمت بشكل غير مباشر فى رفع مستوى الأجور فى المجتمع بشكل عام بما يتضمن القطاع غير المنظم.
***
ولم ينصب تركيز البرازيل على تحقيق النمو الاقتصادى فحسب، ولكن صاحب هذا النمو سياسات اجتماعية نشطة لإعادة توزيع الدخل، وبالتالى أدى النمو إلى مستويات معيشية أفضل لمعظم السكان عبر تحسين الأجور والتحولات الاجتماعية. كما أدى النمو إلى توسع كبير فى فرص العمل والوظائف الرسمية. وكان نهج البرازيل يهدف إلى تحسين دخل الفئات القابعة أسفل هرم الدخل بأسرع من تلك التى فى أعلاه، وأسرع من معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى. وكانت النتيجة، نجاح البرازيل فى تقليل كل من الفقر وعدم المساواة. ولا شك أن إنجازات البرازيل تستحق التدبر، على الرغم من أنه مازال هناك الكثير الذى يمكن تحسينه فى جميع هذه السياسات ومن الممكن تقديم المزيد. وكما يقول الوزير البرازيلى السابق للشئون الاستراتيجية فى مقابلة أجريتها معه فى ديربان أثناء انعقاد منتدى العلوم الاجتماعية العالمى، فقد حقق هذا النهج نجاحا كبيرا حتى عام 2012، وبسبب ملاحظة تباطؤ معدلات النجاح فإن البرازيل تبحث الآن عن صيغة جديدة لمواصلة تخفيض ما يعتبر حتى الآن مستويات عالية من التفاوت فى الدخول.
سارة صبري باحثة متخصصة فى السياسات الاجتماعية والعشوائيات والفقر والمجتمع المدنى
التعليقات