رسالة الدم - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة الدم

نشر فى : السبت 21 فبراير 2015 - 11:45 ص | آخر تحديث : السبت 21 فبراير 2015 - 11:45 ص

لا يحتاج الأمر للعناء كى يدرك المتابع أن الفيلم المشين، الساقط إنسانيا «رسالة موقعة بالدم..»، وصناعه، لا علاقة له، ولهم، بالسينما التسجيلية فى بلادنا العربية، بشبابها، وشيوخها، ذلك أن هذا العمل، الوصمة، لا ينتمى إلا للسفلة، المجهولين مؤقتا، الذين قاموا بتصويره، وإخراجه، وكتابته كسيناريو، يرصد، بطريقته، كيفية ذبح عشرين مصريا، بالإضافة لأفريقى، ساقه حظه البائس إلى الانخراط ضمن شبابنا المغدور.

يثير الفيلم أكثر من قضية مهنية، أخلاقية، ربما أهمها، يتعلق بدور المحترف، وقبوله، للقيام بعمل بالغ الخسة، يتابع فيه، باستمتاع، مسيرة موت، من دون أن يرمش له جفن، بل يضفى، برصانة كريهة، ومهارة شريرة، نوعا من «الجمالية المقيتة» ـ إن صح التعبير ـ على وقائع جبانة، سيدفع ثمنها مرتكبوها، إن عاجلا أو آجلا، ومن بينهم، الذين باعوا مهاراتهم، من أجل «تخليد» لحظات زهق أرواح.

بعيدا عن عفوية التصوير، المعتمد على كاميرا واحدة، فى الأفلام التسجيلية العربية، يأتى سرد الفيلم الداعشى، منذ اللقطة الأولى، حتى الأخيرة، وفق خطة مرسومة بعناية، مكتوبة على الورق كسيناريو، يستفيد من معطيات السينما الروائية، ويستخدم أحدث تقنيات البرمجيات والمعامل.. فى المشهد الافتتاحى، يأتى، من عمق المكان الرملى، الصخرى، على شاطئ البحر، طابور طويل، يلفه الظلام، يتبين منه، بصعوبة، شباب يرتدون بذلات الإعدام البرتقالية، خلف كل واحد منهم، رجل بالغ الضخامة، يقود ضحيته فى صمت.. يتعمد مخرج الفيلم عدم تقديم نهاية الطابور، كما لو أنه يمتد لمسافات طويلة إلى الخلف، ولا يفوت الكاميرا، المرتفعة، تصوير مياه البحر، بأمواجها الموحشة، مما يزيد من قتامة المشهد.

تهبط الكاميرا، وربما يكون ثمة آلة تصوير أخرى، لتتابع، من موقع جانبى، مسيرة الطابور. الملاحظ أن المقبوض عليهم يسيرون، فى استسلام سيلازمهم طوال الوقت، بالإضافة لعدم تعثرهم، مما أثار دهشة كل من شاهد الفيلم.. الأرجح، أنه تم إجراء عدة بروفات، قبل المذبحة، وهذا ما يسفر حالة الطمأنينة الخادعة التى لم يفيقوا منها إلا لحظة الغدر.

تعمد المخرج إضفاء طابع أسطورى على القتلة، فإلى جانب ضخامة أجسامهم، واتدائهم ملابس سوداء، أحاطهم بإعتام جعلهم أقرب للأشباح، مجرد كتل داكنة، مهيمنة على المشهد، بينما بدت وجوه الضحايا، شديدة الوضوح، كأنه يؤكد أن القتلة، قوة غامضة، واثقة، راسخة، لا فكاك منها.. وعقب إركاع المختطفين، بانتظام يؤكد إجراء بروفات سابقة ينتقل المونتاج، من اللقطات العامة، إلى لقطة كبيرة لرئيس الجناة، الملثم، المميز بقميص عسكرى، لا يظهر منه سوى الذراعين، ذلك أنه يرتدى، مثل البقية، أفرولا أسود.. خلفه، الأفق الواسع للبحر والسماء، وفى حركة مسرحية، يخطو خطوتين إلى اليسار يلتفت ناحية كاميرا ترصد وجهه الخفى فى بروفيل جانبى.. وبنزعة استعراضية واضحة، يرفع يده اليسرى، ويشير بالخنجر الطويل ـ حيث يمسك بمقبضه ـ نحو الشرق، ليواصل خلطة كلامه العجيب، الموجه لنا، ولأولادنا، الذين على عتبات الموت، قائلا «إنكم تقاتلوننا كافة، فسنقاتلكم كافة».. لم يقل الوغد، المعتوه، متى كيف قاتله هؤلاء الأبرياء، الغلابة، الذين سيذبحون حالا.

ينتهى «رسالة الدم» باللون الأحمر، يصبغ مياه البحر، غالبا، بواحدة من الحيل التى توفرها التقنيات الحديثة، ذلك أن الاغتيالات جرت على الرمال من ناحية، وأمواج البحر تبدو لون الدم من ناحية أخرى.. لكن هكذا شاء صناع الفيلم.

أمران يثيرهما هذا العمل، أولهما يتعلق بأثره المتناقض لهدفه.. كان المقصود به، بث الرعب فى نفوس مشاهديه، لكن الواضح أنه سبب فى مضاعفة النقمة على جلادين، بلا ضمائر أو قلوب، وجعل الناس مهيأة نفسيا، لغض النظر عما سيلقاه، حتما، هؤلاء القتلة من عقاب.
أما ثانيهما فإنه يتعلق بطاقم العمل، فلأول مرة ـ فى حدود علمى ـ يظهر مثل هذا «الفيلم التسجيلى»، الذى يرصد، بنشوة، مثل هذه العملية الوحشية.. من المصور، أو المصورين، ومن المخرج، وما هى الشركة؟ الإجابات متضاربة، يقال إنها شركة هندية، وأحيانا برتغالية، وربما كورية، وزعمت إحدى المذيعات، عندنا، أن شقيقها المختطف فى ليبيا، العامل أصلا فى قناة «برقة» هو مخرج الفيلم، وأنا لا أصدقها، لأن مستوى الفلم المنحط، حرفيا، يتفوق على إنتاجنا..

تصوير «رسالة الدم» تواطؤ فى جريمة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات