ليس من المبالغة القول إنه فى ظل التحولات الكبيرة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ اندلاع ثورات «الربيع العربى»، بدأت السعودية رويدا رويدا تحل محل مصر فى زعامة المعسكر المعتدل فى العالم العربى، وذلك جراء انشغال هذه الأخيرة كليا بنفسها وأوضاعها الداخلية.
وهذا الأمر ينعكس أكثر من أى شىء آخر من خلال إبراز السعودية تحالفها الوثيق مع الإدارة الأمريكية من جهة، ومن جهة أخرى من خلال تقديمها المساعدات المتعددة إلى القوى التى تحاول أن تكبح تغلغل النفوذ الإيرانى فى المنطقة.
إن الإشارات التى تدل على هذا الأمر كثيرة، ومنها ما يلى: قيام السعودية بتوفير ملجأ سياسى للرئيس التونسى المخلوع زين العابدين بن على وتمهيد الأجواء لتسلم حركة «النهضة» الإسلامية مقاليد الحكم فى تونس؛ إنقاذ حياة الرئيس اليمنى المخلوع على عبدالله صالح والحرص على أن يسلم «مفاتيح» الرئاسة فى بلده إلى زعيم حركة «الإصلاح» التى اشتد عودها فى السعودية؛ إرسال قوة عسكرية سعودية إلى البحرين لمنع سقوط النظام الملكى فى قبضة نظام آيات الله فى طهران.
على صعيد آخر مارست السعودية ضغوطا على قطر لإطاحة المدير العام السابق لقناة الجزيرة وضاح خنفر الذى كان يقف وراء حملة التحريض على الولايات المتحدة فى القناة، واقترحت على العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى مساعدات بملايين الدولارات للحفاظ على استقرار عرشه، لكن هذا الأخير أثار غضبها ولم يخرج الاقتراح إلى حيز التنفيذ.
فى الوقت نفسه لم يعد فى الإمكان إخفاء أن السعودية تتبنى موقفا مناهضا لإيران فالاستخبارات السعودية هى التى كشفت مسار تهريب الأسلحة والوسائل القتالية من إيران إلى نظام بشار الأسد فى سورية عبر الأراضى العراقية، ونقلت هذه المعلومات إلى الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية. وكانت السعودية أول دولة عربية تغلق سفارتها فى دمشق، فى الوقت الذى تجرى فيه فى الرياض عملية بحث عن وريث محتمل للأسد.
ولا بد من القول إن موقف السعودية إزاء إيران شبيه إلى حد بعيد بموقف إسرائيل، ولذا يمكن التقدير أن هذا الأمر أدى إلى مزيد من التقارب بين الدولتين، وعزز أكثر فأكثر الاتصالات غير الرسمية التى تجرى بينهما بعيدا عن الأنظار.