الإنسان ذلك المعلوم 10ـــ ..ظَلُومًا جَهُولًا - جمال قطب - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 10ـــ ..ظَلُومًا جَهُولًا

نشر فى : الجمعة 21 مارس 2014 - 8:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 مارس 2014 - 8:35 ص

إذا كان «الإنسان» هذا السيد العاقل، والخليفة المؤتمن ــ جهولا ــ بشهادة القرآن، فمن يكون العالِم أو المتعلم يا ترى؟ ولا تنس أن القرآن الكريم لم يصف الإنسان بالجهل فحسب، بل وصفه بالجهل الزائد والمركب...

ألا يدفعنا هذا النص القرآنى لتدقيق الفكر وتقليب الأمر على كافة الوجوه لنتبين مصدر هذا الجهل؟ وحجمه؟ ومدى خطره؟ وماذا يجب على الإنسان أن يفعله ليتخلص من هذا الجهل ويسترد عافيته العقلية؟

(1)

جهولا (واسع الجهل) لأنه يتجاهل الغاية من وجوده فلا يسعى لتحقيقها، ولو تعقل وتفكر وأدرك أن الغاية التى خلقه الله لها غاية سامية ترفع شأن الإنسان وتعلى قدره...إذ إن الغاية من وجود الإنسان هو «توحيد الله»، وتوحيد الله ميزة لكل إنسان وليس مجرد تقديس لذاته...

إن توحيد الله هو شهادة إلهية ذات دلالتين، أولاهما «وحدانية الله»، والدلالة الأخرى هى «مساواة جميع البشر بعضهم لبعض» إذ مادام الإله واحدا فكل الناس يتساوى بعضهم ببعض، فلو تفهم الإنسان هذا المعنى لحرص أشد الحرص على تجديد إيمانه بوحدانية الله تجديدا عمليا ليس بالقلب واللسان فقط، بل بجميع أقواله وأفعاله.

فالإنسان المؤمن بإله واحد لا يخشى إلا الله، ولا يخاف بطش أحد من الخلق، ولا يستعلى على أحد من الناس... لأن كل الناس عباد الله ولا يصح لعاقل أن يعتدى على أحد من عباد الله وإلا كان جاهلا بل جهولا... ونحن نرى بأعيننا أن العاقل لا يعتدى على «إنسان له ظهر قوى» خشية من هذا القوى وتقديرا له، فكيف يجرؤ الإنسان على عباد الله إلا إذا نسى ربه ونسى قدرته. ونسى أن الله قد حذره فى القرآن ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ...)) فلو كانوا قدروا الله حق قدره لما اعتدوا على خلقه ولا أفسدوا فى الكون الذى خلقه ويملكه.

(2)

جهولا إذ يغفل عن «الوظيفة الرئيسة» التى خلقه الله لإنجازها، وهذه الوظيفة هى «إعمار الأرض» فها هو القرآن الكريم يوضح وظيفة الإنسان فيقول ((هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...)) فالعمل الأساسى للإنسان هو الإعمار...إعمار الأرض باستخراج خيراتها وزيادة إنتاجها، وحسن استخدام كل ما عليها. والإعمار هو إحسان التواصل مع الناس كافة، وحسن التعلم والتطبيق.والإعمار هو منع الفساد ومحاصرته، فإن لم يستطع الإنسان أن يحاصر الفساد فإن عليه ألا يشارك فيه وألا يستفيد منه.

فإذا تغافل الإنسان عن وظيفته الأساسية وهى الإعمار، فهو جاهل يجهل وظيفته، وإذا تقبل الفساد وتعامل معه، فقد ازداد جهلا. أما إذا انقلب على وجهه وتحول فاسدا يفسد ما يجب أن يصلحه، فهو لا شك أكثر جهالة مما يتصوره أحد، فإذا احترف الإفساد وأخذ يعلم غيره الفساد ويحضه عليه، فقد صار فاسدا فى نفسه مفسدا لغيره، وبذلك يكون قد ارتقى جهالة فوق أخرى، واستحق بجدارة أن يوصف بـ«جهولا»

(3)

جهولا إذ يبالغ فى تقدير نفسه ويبخس الناس أقدارهم فيسعى دائما إلى تمييز نفسه على الآخرين دون حق، كما يسعى إلى فرض رؤيته وإرادته على الآخرين كما لو كان نبيا أو حكيما أو زعيما ملهما.. فهو جهول أطلق عنان خياله فاستهوته أحلام اليقظة تماما مثل ما أصاب فرعون فى سوء تصرفاته، ومثل ما فعل هامان بخضوعه لفرعون، أو قل مثلما فعل قارون بخيلائه وتكبره، وغروره بما جمعه من مال، وراح يخدع نفسه فيقول ((إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)).

(4)

وطريق الإنسان للنجاة من الجهل والجهالة طريق ممهد مضيء لا يحتاج إلى جهود جبارة، ولا إلى جيوش جرارة، بل لا يحتاج إلا لـ«توازن نفسى» يستشعر من خلاله حاجته إلى الناس كلهم، وعدم استغنائه عن جميع مهاراتهم، وهنا يصل الإنسان إلى بر الأمان فتراه يقر إقرارا صحيحا بوحدانية الله، ومساواة البشر بعضهم لبعض، كما يقر بحاجته إلى كل الناس كما يحتاج الناس إليه، وحينئذ لا يصدر عنه كبر ولا استعلاء، ولا يسبب لأحد أذى ولا يمارس طغيانا، ((فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) )) فالجهول من بنى الإنسان، هو ذلك الغافل عن واجباته، الحالم بما لا حق له فيه، الطاغى على من حوله بفكره الفاسد وقوله المعيب وتصرفاته الطائشة.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات