يوسف أفندى.. إدى له حاجة - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 1:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يوسف أفندى.. إدى له حاجة

نشر فى : الأربعاء 21 أبريل 2010 - 10:49 ص | آخر تحديث : الأربعاء 21 أبريل 2010 - 10:49 ص

 استهل الرئيس مبارك عودته بسلامة الله إلى مزاولة نشاطه باجتماع مع مجلس وزارى يقال إن نظيف حضره، ناقش فيه مشروع الموازنة العامة، التى أنذرت صيغتها الأولى بتزايد عجز يرفع المديونية إلى ما يقارب الناتج المحلى الإجمالى.

وخرجت علينا أجهزة الإعلام ببشرى أمر السيد الرئيس رفع العلاوة الاجتماعية بالنصف من 7% إلى 10%، وبزيادة مخصصات الدعم. وصاحب نشر الخبر تقارير عن دعوات خالصات من رجال ونساء يلهجون بالثناء والدعاء للسيد الرئيس. ووجدتنى انضم إليهم باعتبار أننى من أرباب المعاشات، الذين يقال ــ والله أعلم ــ إن الأمر يسرى عليهم.

أما بقية الخبر فيتضمن أن السيد الرئيس طالب ــ كالعادة ــ بمراعاة محدودى الدخل، وأكد ضرورة أن تلتزم الحكومة بعدم زيادة العجز فى الموازنة العامة الجديدة على المقدر له فى الموازنة الحالية. وهكذا وجد الدكتور يوسف نفسه فى موقف الريحانى فى فيلم غزل البنات، وهو يستمع إلى الباشا يأمر «مرزوق أفندى.. إدى له حاجة».

وكانت الحاجة فى الفيلم تأتى من أموال الباشا، فمن أين ستأتى الحاجة التى ينتظرها 6 ملايين وعائلاتهم المنكوبة بكون رب الأسرة، الذى يعولها يعمل فى حكومة لا تفتأ تمن عليه بأنها تحمل همه رغم كونه كمالة عدد، ولولا الخوف من الله (أو لا أدرى من ماذا) لألقت به فى الطريق العام لينضم إلى فريقين، فريق ألقى به المخصخصون لكونه المسئول عن خسائر، رغم اتهام سوء إدارة القطاع العام بالتسبب فيها، وفريق يضم فلذات أكباده الذين صرف عليهم دم قلبه ليقفوا فى طوابير البطالة.. وتظل الأجور دون تلبية الكفاف بدعوى أن كبر عدد العاملين يحول دون رفعها. فلا الأجر يشفع، ولا العلاوة تنفع.

وسرعان ما تبخرت الفرحة وجاءت الفكرة، فاكتشفت أننا نتعرض لكلاكيت ثالث مرة، حيث دار حوار فى العام الماضى حول العلاوة الاجتماعية، وراهن كثيرون على أن الرئيس سينحاز إلى الضعفاء. وعندما طالب الرئيس قبل ذلك بعلاوة 30% انزعج كثيرون، منهم سائق تاكسى دعا الله ألا يفعل.

ولما سألته لماذا، قال إنه من فريق لا يحصل على علاوات، ولن يناله سوف ارتفاع الأسعار، الذى سيبادر به التجار استباقا للعلاوة. ولعله كان يقرأ الغيب، إذ إنه رغم الأزمة العالمية التى كان يفترض فيها أن تحدث انخفاضا فى الأسعار، عشنا تضخما ملتهبا، بينما انشغلت الدولة بحوار فنى حول كيفية قياسه ــ لعلها كانت تريد أن تستنسخ منه نصف دستة ــ بدلا من أن تكلف خبراءها الفطاحل، المؤمنين من عواقب التضخم بمكافآت خارج الكادر وبعيدة عن كدر التضخم، بإيجاد حلول ناجعة لإيقافه، وإعادة الأسعار إلى طبيعتها. ووجدتنى أستعيذ من علاوة استباقية (وفق المصطلحات العسكرية السائدة) لرفع بات وشيكا لأسعار الماء والكهرباء والطاقة، وتذوب فى أسعار الخبز والسكر والجبن واللحوم و....

الطريف أن الحكومة مطالبة الآن ــ كما طلب منها سابقا ــ بأن تدبر الأمر من موارد حقيقية.. من قبيل «صحيح ما تكسر.. مكسور ما تاكل.. وكل لما تشبع». أعترف أنى حرت فى الأمر ولا أدرى كيف سيعالجه الوزير الجهبذ، الذى يرأس لجنة دولية مهمتها توجيه النصح إلى العالم لحل مشاكله الاقتصادية المستعصية. وحاولت أن أجيب عن أسئلة تبادرت إلى ذهنى، فإذا بى بحاجة للاستعانة بصديق، أو ربما دستة أصدقاء.

خيل إلى أن المقصود من تأكيد عدم زيادة العجز الحالى، هو إقرار هذا العجز بفرمان استباقى يحجب مناقشة كيفية تفاديه. وتشهد السوابق على أن الحزب الوطنى ومجلس شعبه سوف يصدقان عليه دون مناقشة، أو بمناقشة صورية تنتهى برفع أسمى آيات الشكر للسيد الرئيس وطمأنته على أن العجز فى الحفظ والصون.

وبحد علمى الذى قد يكون قد سقط بالتقادم أن العجز هو عجز أيا كانت الموارد التى تغطيه، وتتباين الطرق التى تتداعى بها آثاره، ولكنها جميعا تسىء إلى الأجيال الحاضرة والمستقبلة من الكادحين المستضعفين، لأن أى مبالغ تدخل جيوبهم فى ظل عجز فى موارد الحكومة وفى قدراتها، تصبح بمثابة شيك بدون رصيد.

إن العجز يعنى إنفاقا يفوق الإيراد، يوجه للشراء فى الأسواق دون أن يغطيه إنتاج. ووفقا لقواعد السوق، التى يرفع أساطين الليبرالية سيوفها البتارة فى وجه كل من يرفض الانصياع لها، فإن هذا يرفع الأسعار بالضرورة. وحتى نعقم تأثير الفجوة بين الطلب النقدى والإنتاج الفعلى، علينا أن نوقف جانبا آخر من جوانب الطلب ليوفر ما يسمى موارد حقيقية، حتى لا يتحول العجز الحكومى إلى عجز كلى.

ولا يتأتى ذلك إلا بتحصيل ضرائب على الموسرين، أى على فوائض دخولهم غير الموجهة للإنفاق، سواء لأغراض الاستهلاك الجارى أو الاستثمار العينى. وهو أمر يرفضه وزير المالية لأنه لا يريد أن يجرح مشاعرهم، فينسحبوا من النشاط الاقتصادى، ويهربوا بأموالهم ــ كعادتهم حتى بدون ضرائب ــ إلى الخارج إن كانوا مصريين، أو يحجموا عن تلبية إغراءات السيد وزير الاستثمار إن كانوا أجانب.

ولو استجاب السيد وزير المالية، فإن تغطية العجز الحكومى بموارد حقيقية فعلا، يتم على حساب مدخرات القطاع الأهلى، والنتيجة هى انخفاض الادخار القومى وقصوره عن توفير ما يلزم لتمويل الاستثمار، وبالتالى توقف مصادر إيجاد فرص عمل جديدة، وإضافة أعداد جديدة إلى رصيد معدومى ــ وليس فقط محدودى ــ الدخل.

والسبب فى هذا أن العجز ليس مرجعه إقدام الدولة على الاستثمار وتعزيز العرض، فهذا تنهى عنه الكتب الليبرالية المقدسة، بل تضخيم الطلب وما يعنيه من توسيع الفجوة الدافعة لارتفاع الأسعار. ويعهد للاستثمار إلى أجانب يحلون محل المواطنين أفرادا وحكومة فى مراكز اتخاذ القرارات الاقتصادية، دون التزام بتشغيل عمال ودفع أجور مناسبة لهم، أو علاوات.

وقد يفضل السيد وزير المالية الالتجاء إلى الاقتراض من السوق المحلية بدعوى أن الاقتراض يمول بموارد حقيقية، بدلا من تكليف البنك المركزى بطباعة نقود تشعل الأسعار. غير أن هذا يختلف عن الموارد الضريبية من ناحيتين: الأولى أنه ينقل أموالا من دورة الأصول الرأسمالية إلى الإنفاق الجارى، وهو ما يضيف إلى الطلب النقدى فيرفع الأسعار.

وعندما يحل أجل السداد يُقتطع من الموارد الحقيقية للموازنة فيحد من الإنفاق على السلع والخدمات، بخاصة الاستثمارات الحكومية، أو يضطر الحكومة إلى إعادة الاقتراض لتتراكم كرة الثلج على نحو ما نشهده الآن.

فإذا وجه الاقتراض إلى الخارج فإن العبء ينتقل مباشرة إلى ميزان المدفوعات.. وقد لا نجد حرب خليج جديدة تسقط بها مديونياتنا مثلما حدث فى أوائل التسعينيات. وفى كل الأحوال تنتقل الآثار السلبية إلى ميزان المدفوعات، حيث يتحول العجز الحكومى إلى عجز كلى سرعان ما ينعكس على سعر الصرف وما يليه من آثار عانينا منها الكثير.

وإذا جرى الالتفاف على الأمور بابتلاع أموال المعاشات والتأمينات بحجة أن الأمر لا يعدو قيودا دفترية دون مساس بها، فهذا من قبيل الخداع الذى يعاقب عليه القانون، لأنه يمول إنفاقا جاريا بمدخرات سابقة، ولا يمثل موارد حقيقية بل هو اغتصاب موارد حقيقى ممن لا يملكون القدرة على تعويضها وهى التى لا تكاد يسد رمقهم.

وهكذا فبينما التمويل بموارد غير حقيقية هو استدعاء صريح للتضخم وخفض الأجور الحقيقية بعد العلاوة عن مستواها بدونها، فإن التمويل بما يظن أنه موارد حقيقية يحدث آثاره بصورة غير مباشرة، ويستدعى انخفاضا متواليا فى معدلات النمو، أشد فتكا بالعاملين من التضخم.

إن الأمر يقتضى أن يتولى التخطيط دوره الصحيح فى توفير النظرة المتكاملة للأمور ومعالجة العواقب قبل استفحالها. عندئذ يشارك الجميع فى مناقشة الخطة ويلتزمون بتنفيذها حالما يجدوا أنها توفر للجميع عيشا كريما حقيقيا من دخل يمثل عائد رفع متواصل فى قدراتهم الإنتاجية. العبرة برفع الدخل الحقيقى، وليس بعلاوة نقدية زائفة تندرج فى آليات طبخ انتخابات الشعب والشورى ومن بعدها الرئاسة، ثم تلاشيها فى ظل سياسات تغذى استفحال التضخم.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات