أزمة الثورات العربيـة - سلامة كيلة - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة الثورات العربيـة

نشر فى : السبت 21 أبريل 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 21 أبريل 2012 - 9:00 ص

كان الأمل كبيرا بتحقيق التغيير بعد اندلاع الثورات فى أكثر من بلد عربى، لكن يبدو الوضع الآن وكأن شيئا لم يحدث، وأن دم الشهداء قد ذهب دون نتيجة. فقد جاءت نتائج الانتخابات التى جرى الترتيب لها على عجل بقوى كانت هامشية فى الثورات أو لم تشارك جديا فيها، التى ظهر أنها لا تحمل حلولا لمشكلات الشعب الذى قامت الثورات على أكتافه.

 

إذن، الشعب يثور لكى يطالب بالعمل والأجر الذى يجعله قادرا على العيش، وبتحسين الظروف العامة، وتحقيق الديمقراطية الحقيقية وبناء الدولة المدنية، ويصل إلى الحكم قوى ليست فى وارد كل ذلك. هذه هى الأزمة التى تعيشها الثورات، والتى تؤسس لحالة يأس لدى قطاعات اعتقدت بأنها قد فتحت أفق مرحلة جديدة.

 

هل الثورات فى أزمة؟ أم أنها ليست ثورات بالأصل، بل حراك استفادت منه بعض القوى لتعزيز مواقعها؟

 

●●●

 

لا شك فى أن وصول قوى إلى السلطة عبر الانتخابات لا تختلف فى توجهاتها عن النظام السابق هو الوضع الذى تشكل قبيل الثورات من زاوية وضع الأحزاب المعارضة بالتحديد. فقد كانت الأحزاب التى تصدرت المشهد العالمى، والعربى، فى صيرورة انهيار بعد أن استنفدت «شعبيتها» على ضوء نتائج التجارب التى خاضتها. فاليسار بعمومية أحزابه كان ينهار عالميا (التجارب الاشتراكية)، ويكاد يتلاشى عربيا نتيجة انهيار تجارب الأحزاب القومية، وعجز أطياف اليسار عن أن تنفك عن الاتحاد السوفييتى من جهة، والنظم القومية من جهة أخرى. وبالتالى نهضت الثورات واليسار فى اضمحلال (مع استثناءات محدودة)، ويميل طيف كبير منه نحو اللبرلة التى هى أصلا فى أساس التهميش والإفقار الذى بات يلف الشعب.

 

فى المقابل، كانت تبدو القوى الإسلامية كقوى ناهضة تقاوم الإمبريالية، وتعارض النظم، وتقول بأنها البديل. لكنها فى الواقع كانت فى تعارض مع الإمبريالية نتيجة السياسة الإمبريالية ذاتها التى قامت منذ الحادى عشر من سبتمبر بـ«اختراع عدو»، هو «الإسلام». كما كانت فى تعارض مع النظم نتيجة الخلاف والصراع حول المصالح والسيطرة والدور أكثر من أى شىء آخر. وبالتالى فإن رؤيتها وبرنامجها لا يتعلقان بمشكلات المجتمع الاقتصادية والمعيشية، ولا يتوافقان مع تأسيس دولة مدنية ديمقراطية، حيث إن الحكم هو لله، وهم من ينفذه عبر تفسيره الخاص للشريعة.

 

المشكلة الأولى التى ظهرت هى أن الشعب الثائر قبل بأول مناورة قامت بها الطبقة الرأسمالية المسيطرة، فاعتقد بأن رحيل الرئيس هو رحيل للنظام بمجمله، وأن الجيش كما رُسم فى المخيلة العربية بعد انقلابات الخمسينيات هو الذى سيحقق مطالب الشعب. وإلى أن أفاق من هذا الوهم كانت المرحلة الانتقالية قد رُتبت بين هؤلاء والإسلاميين انطلاقا من توسيع محدود للديمقراطية يتمثل فى «تحسين وضع الانتخابات» بهدف إدخال هؤلاء فى السلطة، والحفاظ على النمط الاقتصادى مع توفير ظروف أفضل للفئات الطبقية التى تعبّر عنها القوى الإسلامية. والتوافق على تقاسم السلطة فى شكل يسمح بالقول إن ثورة الشعب قد أوصلت المعارضة إلى السلطة، وأن هذه باتت هى السلطة.

 

بالتالى يمكن القول بأن الشعب الذى صنع الثورات لم يحمل إلى السلطة القوى التى تحمل مطالبه لكى تجرى التغيير الضرورى فى النمط الاقتصادى وبنية الدولة الذى يحقق هذه المطالب. والسبب فى ذلك هو الانهيار الذى أصاب تلك القوى فى السنوات الماضية، فشلها وميل جزء كبير منها إلى اللبرلة التى تجعله غير معنى بتلك المطالب. لهذا بدأت الثورات عفوية، وظلت عفوية، رغم دور بعض الشباب تحديدا فى تنظيم الحراك دون رؤية استراتيجية واضحة، ومع تشوش فى الأهداف. وهو الأمر الذى أفضى إلى «عدم الانتباه» إلى لعبة العسكر، أو لعبة الرأسمالية المافياوية المسيطرة.

 

لكن السؤال الأهم هنا هو: هل هذا التحول الشكلى سوف يوقف الحراك الشعبى؟

 

إلى الآن، لا يبدو ذلك ممكنا، حيث يستمر الحراك فى تونس ومصر والمغرب واليمن، بالضبط لأن مطالب الشعب لم تتحقق، وإذا كانت الانتخابات قد أوهمت فئات بأن الإسلاميين يحملون حلولا لمشاكلهم فإن الأمر سينقلب قريبا بعد أن يتوضح أنها عاجزة عن ذلك، أو أنها تتمسك بالأساس الذى قامت عليه النظم التى قامت الثورات ضدها. وبهذا سوف يتوسع الحراك ويستمر، وسوف النظم ذاتها ضعيفة نتيجة العجز عن الحكم.

 

●●●

 

ما ينقص، كان ومازال، هو القوى التى تحمل مطالب الشعب، وتعمل على أن تفرض سلطة الشعب من أجل تحقيقها. والأزمة فى الثورات هى هنا بالتحديد. الشعب سوف يقاتل إلى أن يفرض بديله، لكنه يحتاج إلى القوى التى تنظم وتوضح وتقود الصراع. وإذا كانت القوى القديمة عاجزة فإن الشباب هم من سيفتح على فعل سياسى جديد، نابع من الشعب، ومعبر عن مطالبه. بالتالى يمكن القول بأن المرحلة الأولى من الثورات قد أضعفت النظم، وكشفت عجز المعارضة، لكنها فتحت الباب واسعا على أن ينتظم الشعب فى سياق يفرض تحقيق التغيير الجذرى.

 

المسألة هنا تتمثل فى أن الشعب لم يعد يمتلك ترف التراجع عن الثورة، وأنه بالتالى لن يعود إلى السكينة الطويلة التى ظل فيها سابقا، لهذا نقول بأن الثورة قد بدأت للتو.

سلامة كيلة  كاتب وناشط سياسي فلسطيني
التعليقات