الحلف الأطلسى: قمة بداية النهاية - محمد السماك - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 10:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحلف الأطلسى: قمة بداية النهاية

نشر فى : الأحد 22 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 22 أبريل 2012 - 8:00 ص

بعد العملية العسكرية الناجحة فى ليبيا، وبعد العملية العسكرية الفاشلة فى أفغانستان، وبعد العملية العسكرية المتعثرة فى البلقان، أى مستقبل لحلف شمال الأطلسى؟..

 

تحاول قمة دول الحلف التى تعقد فى مدينة شيكاغو فى مايو فى الولايات المتحدة أن تجيب عن هذه التساؤلات. ولعل مكان انعقادها يضيف مؤشرا إضافيا إلى المؤشرات السلبية التى تتعلق بمستقبل هذه المنظمة العسكرية الغربية الكبرى. فالولايات المتحدة نقلت بندقيتها من «كتف» المحيط الأطلسى إلى «كتف» المحيط الباسيفيكى. ذلك أن هموم الولايات المتحدة تحولت إلى آسيا. هناك يخرج الجبار الصينى من القمقم، قوة اقتصادية ــ نووية ــ صاروخية ــ عسكرية ترعب جيرانها. وكل هؤلاء الجيران هم حلفاء للولايات المتحدة من اليابان إلى كوريا، امتدادا حتى الفلبين، بما فى ذلك تايوان القلقة على مستقبلها.

 

●●●

 

من أجل ذلك بدأت الولايات المتحدة سحب قواتها من أوروبا وتصفية قواعدها العسكرية فى ألمانيا، وفى ذلك دعوة صريحة إلى دول المجموعة الأوروبية لتحمل أعباء ومسئوليات الدفاع عن نفسها بنفسها، وذلك للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. فالاستراتيجية الأمريكية تجاه أوروبا تقول اليوم بأن على أوروبا أن تكون «منتجا للأمن وليس مستهلكا للأمن». بمعنى أن تتحمل أوروبا مسئولية أمنها الذاتى بدلا من الاعتماد على الولايات المتحدة. غير أن المساهمات الأوروبية فى حروب البلقان والعراق وأفغانستان وليبيا، تشير إلى مدى عدم القدرة الأوروبية على تحمل أعباء وتبعات هذا التغيير حتى الآن.

 

ثم إن التحولات التى فرضتها المعادلات الجديدة فى الشرق الآسيوى تتزامن مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تعانى منها أوروبا. فالأعضاء الأوروبيون فى حلف الأطلسى يتحملون 21 بالمائة فقط من موازنة الحلف، علما بأن هذه النسبة كانت تبلغ 34 بالمائة خلال الحرب الباردة. ومع ذلك فإن الأوروبيين غير قادرين ــ أو على الأقل غير راغبين ــ الآن فى تحمّل نسبة الواحد والعشرين بالمائة المقررة. ذلك أن الأولوية لديهم هى معالجة المشكلات المالية والاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية، وليس الإنفاق على التسلح.

 

كذلك توجب اتفاقية حلف شمال الأطلسى على الدول الأعضاء الثمانية والعشرين تخصيص نسبة اثنين بالمائة من دخلها القومى على التسلح. غير أن أربع دول فقط تلتزم بذلك، هى فرنسا وبريطانيا واليونان وألبانيا. ولأول مرة فى التاريخ الحديث ــ منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم ــ يزيد حجم الإنفاق العسكرى فى الدول الآسيوية على حجم الإنفاق العسكرى الأوروبى. وهو أمر يحمل دلالات مهمة ويرسم احتمالات أكثر أهمية وخطورة.

 

من هنا يبدو أن قمة شيكاغو تضع قادة حلف الأطلسى أمام مفترق مصيرى. من الإنكفاء الأمريكى عن المسئوليات العسكرية المباشرة فى أوروبا، إلى العجز الأوروبى عن تحمل هذه المسئوليات. ويترافق ذلك مع ظاهرتين مثيرتين للقلق. تتمثل الظاهرة الأولى فى سياسة التشدد التى ينتهجها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بعد إعادة انتخابه، خصوصا إثر حملة التشهير التى تعرض لها فى الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك بعد اعتماد الولايات المتحدة استراتيجية دفاعية جديدة مبنية على إقامة أجهزة مراقبة متطورة فى تركيا وفى بولندا وتشيكيا مجهزة بشبكة صاروخية نووية بعيدة المدى بحجة مواجهة أى خطر «محتمل» من إيران!!

 

أما الظاهرة الثانية فتتمثل فى حالة اللااستقرار فى إفريقيا وخصوصا فى شمال القارة وانعكاساتها المباشرة على استقرار أوروبا وعلى أمنها الداخلى. وكلما تشددت أوروبا فى تشريعاتها ضد المهاجرين الأجانب على خلفية دينية أو عنصرية، كلما تشدد هؤلاء فى رد فعلهم الانتقامى. وهو رد فعل ينطلق أساسا من أن دولهم وشعوبهم تعرضت للاحتلال وللابتزاز على مدى عقود طويلة من الزمن.

 

من أجل ذلك تعتبر الدول الأوروبية الأطلسية أن الأولوية لديها هى مواجهة القضايا الأمنية الداخلية وليس القضايا العسكرية الخارجية. وتعتبر تاليا أن الإنفاق على الأمن الداخلى يتقدم على الإنفاق على الأمن الخارجى (وهو غير معرّض للتهديد بشكل جدى فى الوقت الحاضر على الأقل).

 

غير أن الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسى اندرياس فوج راسموسن ــ رئيس حكومة الدانمرك السابق ــ يؤكد فى تقريره إلى قمة واشنطن، عدم صوابية هذه النظرية. ويقول إن الإنفاق على الأمن الداخلى لا يوفر الأمن الكافى. وفى الواقع هناك تداخل لا يمكن تجاهله بين الأمن الداخلى والأمن الخارجى، خصوصا فى ضوء خلفية علاقات أوروبا الأطلسية مع دول الجوار فى العالم الثالث. وهى علاقات يظللها الكثير من الأحقاد الدفينة.

 

كما أن علاقاتها مع الاتحاد الروسى يظللها الكثير أيضا من عدم الثقة رغم أنها تعتمد بدرجة كبيرة على الطاقة ــ النفط والغاز ــ الذى تستورده منه.

 

على أن القضية الأكبر والأخطر التى يواجهها مستقبل حلف شمال الأطسى تتجاوز كل هذه المتغيرات فى الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة، وللاتحاد السوفياتى. فالقضية الأساس تكمن داخل دول الحلف. ويصحّ وصف قادة هذه الدول من خلال السياسات التى ينتهجونها بالقول: «تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى».

 

ولقد بدا ذلك واضحا خلال العملية العسكرية التى قام بها الحلف فى ليبيا. فقد رفضت ألمانيا الاشتراك فى العملية. وصوتت ضد قرار التدخل فى الأمم المتحدة. وذهبت إلى حد سحب قواتها وسفنها العسكرية من قواعد الأطلسى ومن مرافئه فى البحر المتوسط عندما بدأ الحلف عملياته. وبررت ألمانيا موقفها السلبى بأنها مبدئيا ضد أى تدخل عسكرى فى الخارج. وهو مبدأ التزمت به منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولا تزال ألمانيا ملتزمة بهذا المبدأ.. باستثناء أفغانستان!!..

 

وتعدّ ألمانيا الأيام المتبقية للانسحاب من هناك فى عام 2014. وهى ما كانت لتشارك فى الحرب الأفغانية لو لم يكن الضغط الأمريكى من الشدة بحيث كان يتعذر عليها رفضه. فالمشاركة العسكرية فى أفغانستان كانت استرضائية للولايات المتحدة، ولم تكن التزامية بحلف الأطلسى وبسياسته. ولعل هذا الواقع ينطبق أيضا على العديد من الدول الأوروبية الأخرى بما فيها فرنسا.

 

مع ذلك تقف أربع دول أوروبية حديثة أمام بوابة حلف شمال الأطسى طالبة الدخول اليه. وهى الجبل الأسود، والبوسنة ومقدونيا (من مخلفات تفكك الاتحاد اليوغسلافى السباق) وجورجيا. وهدف هذه الدول الصغيرة هو عضوية الاتحاد الأوروبى. إلا أنه يبدو أن من مستلزمات اكتمال شروط العضوية، الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى أولا. وإذا كانت هذه المعادلة تصح على الدول الجديدة فإنها لا تصح على الدول المؤسسة للحلف مثل تركيا مثلا، بل وخاصة تركيا. فهى عضو مؤسس فى حلف الأطلسى وعضو رئيس ملتزم باستراتيجيته، ولكن أبواب الاتحاد الأوروبى مغلقة فى وجهها لأن الأكثرية الساحقة من سكانها البالغ عددهم حوالى 80 مليونا هم من المسلمين. والاتحاد الأوروبى يضيق ذرعا بالمسلمين الأوروبيين ولا يتحمل إضافة مثل هذا العدد الكبير اليهم. وتضيف هذه المشكلة عبئا جديدا على قمة شيكاغو التى سوف تقرر مصير ومستقبل حلف الأطلسى.

 

●●●

 

لقد بلغ عمر الحلف 63 عاما. واجه خلال هذه السنوات صعودا وهبوطا سياسيا وعسكريا. إلا أن الثابت الوحيد فى استراتيجيته هو صناعة عدو خارجى يكون أساسا للتضامن الداخلى. كان لهذا العدو وجه واحد هو الاتحاد السوفييتى. وبعد الحرب الباردة تبدل هذا الوجه، وأصبح الإسلام. أما اليوم فان الحلف يعتبر أن لعدوه الجديد وجهين متناقضين: التشدد الروسى والتطرف الإسلاموى. ولكن بعد تجربتى الحلف الفاشلتين فى العراق وفى أفغانستان، فإن قمة شيكاغو سوف تقرر كيف تعيد صناعة العدو الذى تحتاج اليه لاستمرار الحلف.. هذا إذا كان يمكن للحلف أن يستمر.

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات