طرق تهريب ترسانات الأسلحة إلى الصعيد «1_3» - مصطفى الأسواني - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طرق تهريب ترسانات الأسلحة إلى الصعيد «1_3»

نشر فى : الإثنين 21 أبريل 2014 - 5:15 م | آخر تحديث : الإثنين 21 أبريل 2014 - 11:51 م

بعدما تحدثت من قبل عن «حقيقة ما يحدث في أسوان»، وما سبّبه ذلك من «إحراج للأجهزة الأمنية» هناك، وجدت الكثيرين يتحدثون عن أن أسوأ ما في هذه الأزمة، هو ملف السلاح الذي استخدم في تلك المجزرة، واعتبروا أنه الأخطر، وأننا أمام ترسانات من أسلحة متقدمة جرى استخدامها، وأنها متوفرة في مناطق أخرى بصعيد مصر، محذرين من إمكانية استخدامها في عمليات إرهابية ضد مؤسسات الدولة، إلا إنني أرى أنهم بالغوا في ذلك بشدة؛ حيث إنه من المسلّمات في بلادي أن «الصعيدي يستخدم السلاح لحماية أرضه وعِرضه، ولا يرفعه إلا في وجه عدوه فقط»، وليس ضد الدولة بمؤسساتها المختلفة.

ويمكنكم اعتبار أن الوضع في الصعيد ليس بالخطورة التي يتم الترويج لها، رغم كل شيء، حيث إن وجود السلاح ليس بجديد على الأهالي في بلادي، وانتشاره بهذه الصورة لم يكن السبب الرئيس في ما يحدث من عدم استقرار للأوضاع الأمنية من حين لآخر هناك، لكنه أحد الأسباب، بجانب تعامل الحكومة مع جميع محافظات الصعيد، وخاصة محافظات «الصعيد الجواني» أسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان، على أنها ملفات أمنية بالدرجة الأولى.

ورغم أنني سأتحدث في مقالي هذا عن «تجارة السلاح في الصعيد، ومصادره، وكيفية دخوله إليه، وعلاقة الأجهزة الأمنية بذلك، وموسم انتعاش تلك التجارة»، إلا أنه يجب عليّ، أولاً، أن ألفت انتباه الجميع إلى أن الأزمة الحقيقية في الصعيد هي تجاهل ملفاته المرشحة للانفجار في أي وقت وأي منطقة فيه، فلا يخفى على أحد أن الصعيد يعاني من الفقر وإهمال التنمية، رغم توافر كافة المقومات فيه؛ حيث إن صعيد مصر يتمتع بوجود البنية التحتية اللازمة لأي مشروع، كما أن به الكثير من الثروات المعدنية التي لا توجد في مناطق كثيرة خارج حدوده، مما يجعله منطقة جاذبة للاستثمار بشكل كبير، ولكنه يعاني من إهمال الحكومة، وهذا ما سأتحدث عنه في مقال مستقل فيما بعد، إن شاء الله.

******

إنّ علاقة الصعيد بالسلاح علاقة وثيقة، اكتسبت أهميتها من عادات وتقاليد القبائل والعائلات هناك التي تجعل اقتناء السلاح ضرورة لعدة أسباب؛ منها ما يُلزمنا به العُرف القاسي عند قتل الخصم في عادة «الثأر»، والحماية فيما بعد من انتقام ذويه، وكذلك «الوجاهة الاجتماعية» بين العائلات، أما السبب الرئيس في هذه العلاقة، يكمن في حماية الفرد لنفسه وممتلكاته من الحيوانات الجبلية المفترسة التي من المحتمل أن تهاجمنا، ومعظمكم يعرف جيدًا أن الصعيد به مناطق كثيرة نائية ولا تتوفر بها أبسط الخدمات، ما يجعل اقتناء السلاح ضرورة حتمية، عند الفقراء قبل الأغنياء.

كما أن امتلاك السلاح في العائلات والقبائل يعني «هيبة القبيلة»، وتُقاس مكانة كل قبيلة في الصعيد بمقدار الأسلحة التي تمتلكها، فهناك بعض العائلات تحرص على إطلاق الأعيرة النارية في الهواء كل مساء، كنوع من التباهي واستعراض القوة والنفوذ القبَلي والاقتصادي بين العائلات الأخرى، حتى أصبح مقياس ثراء العائلة أو القبيلة هو كمية الذخيرة التي تطلقها في ليلة زفاف، على سبيل المثال، ونوع السلاح المستخدم في ذلك.

*****

إن تجار السلاح يتربحون ملايين الجنيهات سنويًا، حتى من وراء تلك الصفقات التي يمكن وصفها بالبسيطة، ولهذه التجارة أصول لا يعرفها إلا لاعبوها، ومن يمارس هذا العمل يجب أن تتوافر فيه مواصفات لجذب العملاء، وأن يتميز كذلك بإيجاد طرق مبتكرة لتوصيل السلاح إلى المشتري، وحينما يفقد جاذبيته وقدرته على جلب الزبائن أو فن الترويج لما بحوزته من أسلحة، يكون قد كتب نهايته بيده.

وتجارة السلاح من الأنشطة الرائجة في الصعيد؛ حيث الطبيعة الجغرافية للصعيد وامتداده على رقعة مترامية الأطراف، تسمح بحرية التحرك لعصابات تجارة السلاح دون رقابة في أماكن مختلفة منه؛ ما يجعل السيطرة عليهم أمرًا بالغ الصعوبة، وهذا ما نتج عنه أن انتشار وتهريب السلاح في الصعيد لم يعد مقتصرًا على الأسلحة الصغيرة أو محلية الصنع، وإنما امتد ليشمل أسلحة ثقيلة ومتطورة لم تكن متاحة وربما غير معروفة من قبل، منها رشاشات الجرينوف، كما اشتهرت بعض عائلات الصعيد في الآونة الأخيرة بامتلاكها أسلحة أكثر تطورًا مثل مدفع «آر.بي.جي» المضاد للدبابات، فضلاً عن مجموعة متنوعة من الأسلحة الخاصة بالجيوش.

ولن ننكر أنه من بين الأسباب التي اضطرت أهالي الصعيد إلى شراء الأسلحة من تجار السوق السوداء والمهربين هي القيود التي وضعتها الجهات الأمنية على طلبات استخراج رخصة سلاح، والشروط المطلوبة لحيازته، وتحديد نوعيات معينة منه مسموح بشرائها.

وهذه التجارة في الصعيد ليست وليدة اليوم‏،‏ بل نجدها عملية معتمدة على التوريث والتخصص؛ فلكل عائلة أو منطقة نوع معين من السلاح أو الذخيرة تتعامل معه، وتعرف من أين تأتي به وكيف تمرره بعيدًا عن أعين الأجهزة الأمنية، وأحيانًا بعلم بعضها، فهناك من يعمل في تجارة الأسلحة «الميري»، ومن يعمل في الأسلحة الإسرائيلية التي تصلهم عبر بدو سيناء‏،‏ وآخرون في الأسلحة الروسية والألمانية والبلجيكية والأمريكية.

******

أود الإشارة هنا إلى أنني استندت في معلوماتي التالية إلى عدد من الأشخاص، كانوا بمثابة وسطاء أوصلوني بمجموعة من تجار وسماسرة السلاح في الصعيد، وسأذكر هؤلاء التجار بمجرد الرمز إليهم: «عدنان.خ- شيبوب.أ- محسن.ص- يونس.ن- العمدة»، ولست واثقًا من إن كانت هذه أسماؤهم الحقيقية أم أنها مجرد أسماء حركية لهم، كما أن منهم من تحدث إليّ بحرص شديد، وآخرين أخبروني المزيد من التفاصيل دون مبالاة.

وعلى كل حال، فإن هناك طريقتين لتهريب الأسلحة إلى الصعيد، ومنه إلى باقي محافظات مصر، وأظن أنهما معروفتان لدى معظم الناس؛ «الأولى»: عن طريق الممرات والدروب الصحراوية في الجنوب والغرب؛ حيث يتم استقبال شحنات الأسلحة في السودان، بواسطة الجمال في مناطق الوسط عند نقاط الحدود ضعيفة الحراسة، ثم يتم دفن السلاح في مغارات معروفة بالصحراء يستخدمها التجار مخازنًا للسلاح القادم إليهم، ومن ثمّ يتم نقله تدريجيًا لحين إتمام عملية التسليم.

«الثانية»: عن طريق إما شركات الشحن الخاصة بالأثاث‏،‏ أو عن طريق المراكب النيلية «الصنادل»؛ حيث يتم تفكيك السلاح وتخبئته في أماكن مخصصة بقاع «الصندل»، ويقومون بتوصيل الشحنة إلى القرى المُطلة على نهر النيل نظير مبلغ من المال يصل إلى «800 جنيه» للقطعة الواحدة، أما الطلقات والذخيرة فتُحسب بالصندوق، ويتم تسليم شحنة السلاح للمشترين في عرض النهر بمراكب صغيرة.

وكشف أحد كبار هؤلاء التجار عن أن الأسلحة تأتيهم عبر البحر الأحمر من السودان محمّلة في بواخر، تتوقف في عرض البحر عند نقطة محددة يتم الاتفاق عليها مسبقًا، وتقوم بإنزال شحنة الأسلحة في «لانشات»، تتجه بدورها إلى شاطئ بالصحراء الشرقية، ثم تشحن مرة أخرى في سيارات، ويتم تخزينها بمنطقتي «حلايب وشلاتين»، وفيما بعد تبدأ عمليات التوزيع على التجار الصغار في محافظات الصعيد.

وإذا ما تحدثنا بشيء من التفصيل عن تحركات ترسانة السلاح فور وصولها إلى الصعيد قادمة من السودان، نجد أن لها مناطق معينة تتم فيها صفقات تسليم وإنزال الشحنات، ففي أسوان يتم التسليم داخل صحراء مدينة إدفو الشرقية، وفي قرية «وادي خريط» التابعة لمركز نصر النوبة، وفي قرية «حجازة» بمحافظة الأقصر، أما محافظة قنا فقد تميزت بكثرة مناطق إنزال وتسليم السلاح بها؛ فالمنطقة الأولى هي مدينة «قفط» أعلى مصنع الفوسفات، والثانية في «جبل القناوية»، والثالثة في «جبل الشيخ عيسى»، والرابعة في «وادي اللقيطة»، وفي محافظة سوهاج هناك نقطتا إنزال في قريتي «نجع البلابيش» و«الشيخ إمبادر» التابعتين لمركز دار السلام، أما محافظة أسيوط فتفتقر إلى مناطق إنزال السلاح بها؛ لذا فإنها تعتمد اعتمادًا كليًا في جلب السلاح من محافظات «سوهاج، وقنا، وأسوان».

وبخروجنا من محافظات ما يسمى بـ«الصعيد الجواني»، نجد أن منطقة إنزال السلاح في محافظة المنيا تقع بمنطقة «عرب الشيخ فضل» التابعة لمركز بني مزار، أما محافظة بني سويف فهناك نقطة تسليم واحدة تقع على حدود منطقة «الكريمات» التابعة لمركز أطفيح بمحافظة الجيزة، وبعد أن تأخذ تلك المحافظات بقبائلها كفايتها من السلاح، يتم تهريب البقية إلى محافظات مصر الأخرى.

وهناك أسلحة أخرى مهربة من إسرائيل تأتي إلى الصعيد عبر سيناء ومرسى مطروح، يبيعها البدو سكان تلك المناطق لتجار السلاح في جنوب مصر، وتتم الصفقة عن طريق دفع نصف ثمنها عند الاتفاق على الشراء، وبقية المبلغ يُدفع وقت التسليم.

أما إذا كانت شحنة السلاح القادمة من السودان متجهة بالكامل إلى محافظات قناة السويس وشبه جزيرة سيناء، ولن يتم بيعها في الصعيد، فالتجار يقومون في هذه الحالة بتهريبها من منطقة «كسلا» شرقي السودان (700 كلم من الحدود المصرية تقريبًا)، ومنها إلى محافظة أسوان أو منطقتي «حلايب وشلاتين» في البحر الأحمر، ثم إلى الصحراء الشرقية، وبعد ذلك إلى قناة السويس وشبه جزيرة سيناء عبر الدروب والجيوب الصحراوية، في رحلة تستغرق 15 يومًا على الأقل، تقوم خلالها جماعات منتشرة على طول خط التهريب بتولي تأمين ترسانة السلاح من نقطة إلى أخرى، حتى وصولها إلى الجهة المقصودة، ومن ثمّ يحصلون على المال أو السلاح نظير تأمينهم للشحنة خلال رحلتها تلك.

ويعزف الأهالي في الصعيد عن شراء السلاح «الميري»، والذي انخفض سعره بصورة ملحوظة خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك لأنهم يعتبرون حمله «تُهمة» حتى من دون استعماله، في حين أن هناك إقبال على شراء الذخيرة «الميري». وفي الصعيد أيضًا، من الممكن أن يتم خداعك ببيعهم السلاح «الميري» لك على أنه مهّرب، ما لم تكن خبيرًا في التمييز ما بين هذا وذاك، عندها لا يمكنك استرداد ما دفعته من مال مقابل قطعة السلاح تلك؛ لأن البيع يتم بما يُسمى «الغرامة».

وحتى لا أطيل عليك أيها القارئ الكريم، قررت إرجاء الحديث عن «أشهر مناطق تجارة السلاح في الصعيد، وأكثر النقاط الحصينة فيه، وعلاقة الأجهزة الأمنية بذلك، وموسم انتعاش تلك التجارة، وكيفية إتمام هذه الصفقات في السودان تحديدًا» إلى مقالين آخرين. وقبل أن أختم حديثي هنا، أؤكد لكم مرة أخرى، أن السلاح موجود في الصعيد طوال الوقت، وسيظل كذلك موجودًا في جميع الأحوال.

التعليقات