شائعة الحوار المجتمعى - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شائعة الحوار المجتمعى

نشر فى : الإثنين 21 أبريل 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 21 أبريل 2014 - 8:00 ص

الحوار المجتمعى مصطلح ملتبس، فى الواقع المصرى على الأقل. ذلك أنك لا تستطيع أن ترفضه، كما أنك لا تستطيع أن تفهمه. فالدعوة إلى الحوار مما لا ينبغى أن يرد، ولكن تنفيذها هو الذى يحتاج إلى مناقشة. وعندما تتحدث عن حوار مجتمعى فإن ذلك يستدعى العديد من الأسئلة حول الطرف أو الأطراف التى لها الحق فى تمثيل المجتمع والتى إذا وافقت أو عارضت أو انتقدت فإن ما يصدر عنها يعد إعلانا عن رأى المجتمع. وإذا كان ذلك مفهوما فى المجتمعات الديمقراطية التى تحفل بالمؤسسات المنتخبة التى لها شرعية الحديث باسم المجتمع أو أغلبيته على الأقل، فإن وضع المجتمعات الأخرى التى غابت عنها مثل تلك المؤسسات يصبح مثيرا للتساؤل والحيرة.

هذا الكلام تثيره الدعوة التى أطلقها الرئيس المؤقت عدلى منصور، حين امتنع عن إصدار مشروع قانون الإرهاب مؤثرا إحالته إلى الحوار المجتمعى رغم موافقة مجلس الوزراء عليه. ولست أشك فى أن دعوته تلك متأثرة بالأصداء السلبية التى ترددت فى أوساط النشطاء والحقوقيين حين أفزعهم المشروع الجديد ورأوا فيه بصمات الدولة البوليسية وشبحها الذى قامت الثورة أساسا للقضاء عليه.

من ناحية أخرى، فإن لنا خبرة لا تنسى مع مصطلح الحوار المجتمعى، تجعلنا نتشكك فى جدواه ولا تطمئن إلى الوسائل المتبعة لإجرائه. فنحن نذكر جيدا انه فى شهر أكتوبر الماضى (2013) عقد مجلس الدفاع الوطنى اجتمعات برئاسة المستشار عدلى منصور وقرر تأجيل إصدار مشروع قانون تنظيم التظاهر لمدة أسبوع، لإجراء حوار مجتمعى حوله. ومر الأسبوع الذى تخللته عدة اجتماعات مع أطراف قدموا فى الإعلام باعتبارهم يمثلون المجتمع الذى يراد إجراء الحوار معه. ثم صدر القانون بعد ذلك ليتحول إلى سُبة فى جبين النظام وعورة فضحته فى الداخل والخارج. إذ لم يتوقع أحد ان تطلق ثورة 25 يناير 2011 تظاهرة كبرى وان يقدم النظام الحالى عقب تظاهرة أخرى يوم 30 يونيو 2013 فى ميدان التحرير، ثم بعد ذلك تحتال الحكومة لمنع التظاهرات، من خلال قانون يدعى تنظيمها. فى حين يطلق يد وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية فى منعها.

من ناحية أخرى، فإنه فى منتصف أبريل الجارى (2014) نشرت الصحف أن قانونى مباشرة الحقوق السياسية وانتخابات مجلس الشعب سيتم طرحهما للحوار المجتمعى بمجرد الانتهاء من المقترحات الخاصة بهما، لكننا لم نسمع شيئا فى ذلك الحوار المفترض، لكن أكبر ضربة وجهت إلى فكرة الحوار المذكور جاءت من لجنة الخمسين التى أعادت كتابة الدستور الجديد (بدلا من إدخال بعض التعديلات عليه كما أعلن) ذلك أن الإعلان الدستورى الذى حدد مهمتها ذكر فى المادة 29 منه انه يتعين على اللجنة ان تنجز مهمتها خلال 60 يوما «تلتزم» خلالها بعرض التعديلات على الحوار المجتمعى. لكن الطريف ان اللجنة المذكورة أجرت التعديلات فى اجتماعات مغلقة. ولم تجر أى حوار مجتمعى حولها، مكتفية بما جرى بين أعضائها من مناقشات لم يتابعها الرأى العام. وحين سألت إحدى الصحفيات رئيس اللجنة السيد عمرو موسى عن موضوع الحوار، كان رده ان الصحفيين يعرفون كل شىء!

الخلاصة أن مصطلح الحوار المجتمعى أصبح فى الخبرة العملية مجرد شعار فارغ المضمون. حتى بدا وكأنه مصطلح لا يستهدف أبعد من دغدغة مشاعر الجماهير وإيهامها بأنها شريكة فى القرار، فى حين أنها من الناحية العملية شاهد لم ير شيئا. ان شئت فقل انه بدا صيغة للالتفاف على آدبيات الممارسة الديمقراطية المتعارف عليها فى المجتمعات المعاصرة. الأمر الذى ينبهنا إلى أن الحوار المجتمعى الحقيقى لا مجال له إلا فى مجتمع حر ينتخب ممثليه فى كيانات ومؤسسات معلومة، برلمانية أو محلية أو مهنية وفئوية. وفى هذه الحالة فإن إدارة الحوار المنشود تتم من خلال استطلاع آراء تلك الجهات، التى تعد معبرا عن الشرائح التى انتخبتها، أما الاجتماعات التى تعقد مع الأنصار والمؤيدين، واللقاءات التى تتم مع أناس تنتقيهم الأجهزة أو تصطفيهم رئاسة الدولة فإن ذلك لا يعد حوارا مجتمعيا بأى حال. وإنما هو فى حقيقته تزوير للحوار ونوع من التهريج السياسى.

لقد ابتدعنا فى مصر حيلا جديدة للالتفاف على الديمقراطية، اعتمدت على التعبئة والحشد وتجاهلت دور المؤسسات. فى انحياز لا يخلو من انتهازية سياسية لصيغة الديمقراطية المباشرة فى صورتها الإغريقية، الأمر الذى يعبر عن تجاهل للديمقراطية التمثيلية التى تقوم على المؤسسات المنتخبة. والصيغة الأولى مقبولة ومعمول بها فى المقاطعات السويسرية والكيانات الصغيرة نسبيا (سكان سويسرا أقل من 8 ملايين يتوزعون على 23 مقاطعة أو كانتون)، لكنها متعذرة فى بلد مثل مصر يضم 90 مليونا من البشر.

إن فكرة الحوار المجتمعى ــ أكرر ــ لا تقوم لها قائمة فى غيبة مناخ ديمقراطى يوفر للمجتمع مؤسسات منتخبة تعبر عنه، وما لم توجد تلك المؤسسات فإن الحوار المفترض سيظل شعارا فارغ المضمون. وفى حدِّه الأدنى فإنه سيكون بمثابة وضع للعربة أمام الحصان.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.