تجارة الموت - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تجارة الموت

نشر فى : الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 9:30 ص

فى ساعات الأمس الأولى وأمام الساحل الليبى، فقد مئات المهاجرين غير الشرعيين (تتراوح التقديرات العددية بين أكثر من 700 وأكثر من 950) حياتهم غرقا فى البحر المتوسط فى كارثة إنسانية مروعة ومتكررة.

فى أكتوبر 2013، غرق أكثر من 360 من المهاجرين غير الشرعيين أمام السواحل الإيطالية وقرعت فى العواصم الأوروبية الكبرى أجراس القيم الأخلاقية والإنسانية التى تلزم أوروبا بمقاومة الهجرة غير الشرعية التى تحولت إلى تجارة موت صريحة بين ضفتى المتوسط. غير أن العامين الماضيين لم يشهدا صياغة موقف أوروبى واضح للقضاء على الهجرة غير الشرعية عبر إجراءات أمنية وعبر سياسات محددة بشأن اللجوء الإنسانى والسياسى إلى أوروبا، وتوالى من ثم سقوط الضحايا من الأطفال والنساء والرجال فى مياه المتوسط ــ معظمهم يبحث عن ملاذ أوروبى آمن بعيدا عن أوطانهم التى تدمرها الحروب الأهلية وحروب الكل ضد الكل التى تنتجها نظم الاستبداد وعصابات الإرهاب كما فى حالة المهاجرين غير الشرعيين الفارين من العراق وسوريا وليبيا والسودان والصومال وبعض البلدان الإفريقية جنوب الصحراء، وبعضهم يلهث وراء فرص أفضل للعمل وللحياة وللرعاية وللنجاة بأنفسهم وأسرهم من الفقر والعوز والبطالة والظلم كما فى حالة المهاجرين غير الشرعيين القادمين من الكثير من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء ومن بلدان المغرب العربى ومن مصر.

أدرك أن مسببات تنامى تجارة الموت المسماة بظاهرة الهجرة غير الشرعية هى إما الحروب الأهلية وحروب الكل ضد الكل العبثية التى تشهدها بلاد العرب وبعض البلدان الإفريقية وتنتهك حق الناس المقدس فى الحياة وتزج بالمجتمعات والدول إلى دوامات الانهيار وتتحمل مسئوليتها نظم الاستبداد وعصابات الإرهاب والعنف أو غياب التنمية المستديمة وشيوع الفقر والعوز والبطالة وتدنى المستويات المعيشية على نحو ينتهك كرامة الإنسان وكل ذلك تسأل عنه نظم الاستبداد الفاشلة التى تنفق الموارد المحدودة على القمع والقهر والضبط الأمنى للمجتمعات والسيطرة الأمنية على مؤسسات وأجهزة الدول وتتجاهل مقتضيات التنمية والعدالة الاجتماعية.

أدرك أيضا أن وراء تجارة الموت المسماة بظاهرة الهجرة غير الشرعية قائمة طويلة من عصابات المنتفعين الذين يحققون مكاسب مالية مذهلة بإعطاء فارين من جنون الحروب أو خارجين من قسوة الفقر الأمل فى العبور من ضفة المتوسط المأزومة إلى ضفته الآمنة والغنية ثم «يحشرونهم» فى مراكب صيد ويدفعون بهم إلى مصير مجهول قد ينتهى بكارثة الغرق والموت أو قد يصل بهم ناجين إلى الشواطئ الإيطالية (أحيانا بعد جهود لإنقاذهم إن من البحرية الإيطالية أو من سفن تجارية عابرة أو سفن تسيرها بعض منظمات المجتمع المدنى). غير أن عصابات المنتفعين، وبغض النظر عن مصائر المهاجرين غير الشرعيين، يحصلون دوما على عوائد تجارة الموت.

أدرك هذا وذاك جيدا. وعلى الرغم من المسئولية المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية ومعها بعض الحلفاء الأوروبيين عن تسريع وتائر انهيار المجتمع والدولة فى عراق العرب الذى كان استبداد صدام حسين يقضى عليه، وعلى الرغم من المسئولية السياسية للغرب الأمريكى والأوروبى مع أطراف داخلية وإقليمية عن استمرار الحروب الأهلية وحروب الكل ضد الكل فى سوريا وليبيا والسودان والصومال والآن فى اليمن وبعض البلدان الإفريقية جنوب الصحراء التى تنتجها متواليات الاستبداد والإرهاب؛ إلا إننى لا أبحث هنا عن عموميات إلقاء اللوم المشروع على الغرب.

بل إزاء كارثة تجارة الموت المسماة بظاهرة الهجرة غير الشرعية وإزاء عجز معظم مجتمعات ودول ضفة المتوسط المأزومة وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء عن التخلص من الحروب الأهلية أو الحد من الفقر والعوز والبطالة والظلم، أطالب حكومات الاتحاد الأوروبى بتحمل مسئوليتها الأخلاقية والإنسانية لمنع تكرر الموت فى مياه المتوسط بإجراءات سياسية تنظم اللجوء إلى أوروبا وتتضامن بها حكومات الشمال والغرب الأوروبى الغنية مع حكومتى اليونان وإيطاليا اللتين تتجاوز تحديات تجارة الموت قدراتهما، وبإجراءات أمنية لازمة كرقابة الساحل الليبى لها أن تحد من إجرام عصابات المنتفعين من الهجرة غير الشرعية غير أن القضاء عليها وعلى الكوارث الإنسانية التى تسببها يظل مرهونا بسياسة أوروبية تمنح اللجوء لبعض الفارين من الحروب ومن الفقر تماما كما تمنحه بلدان عربية وشرق أوسطية لملايين السوريين اليوم ومنحته فى الماضى القريب لملايين العراقيين وفى الماضى البعيد لملايين الفلسطينيين ــ فقد عدنا إلى وضعية أمة العرب الرحل ليس اتجارا بل التجاء.

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات