الانتفاضة البيضاء فى الغرب.. إلى أين؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانتفاضة البيضاء فى الغرب.. إلى أين؟

نشر فى : الجمعة 21 أبريل 2017 - 10:05 م | آخر تحديث : الجمعة 21 أبريل 2017 - 10:05 م
نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا لـ«رياض طبارة» ــ الدبلوماسى والأكاديمى اللبنانى ــ حول انتفاضة البيض فى دول أوروبا والولايات المتحدة خوفا من خسارة هيمنتهم ونفوذهم وبخاصة عقب التدفق الكبير للمهاجرين خلال الآونة الأخيرة.
يستهل الكاتب المقال بأنه من الصعب تحديد متى اكتملت هيمنة الغرب الثقافية والسياسية فى العالم، إلا أنه من الأكيد أنها كانت فى أوجها فى القرن التاسع عشر. لكن تخوف الغرب من خسارة نفوذه فى العالم يعود إلى منتصف القرن الماضى عندما بدأت حقبة «إنهاء الاستعمار». الخطر الأكبر يومها كان الثورة الديموغرافية فى العالم الثالث، التى نتج منها ارتفاع غير مسبوق فى النمو الطبيعى للسكان، بينما كان الغرب يشهد انخفاضا فى نسب نموه السكانى، ما شكّل تقلصا متسارعا فى نسبة «البيض الأوروبيين» من سكان العالم. انخفضت هذه النسبة، وفق إحصاءات الأمم المتحدة، من 30% فى أول القرن العشرين، إلى 15% حاليا، وستبلغ نسبة البيض الأوروبيين من مجموع سكان العالم 13% فقط بحلول عام 2050.
بعد الحرب العالمية الثانية بدأت موجة الهجرة الحديثة لمواطنى دول العالم الثالث إلى دول الغرب الغنية، سعيا وراء «العمل اللائق» وأحيانا بدعوة من هذه الدول لسد العجز فى اليد العاملة لديها. وسرعان ما تكثفت هذه الهجرة بدفع من عوامل أربعة: أولا الثورة التكنولوجية فى مجالى الاتصالات والمواصلات. ثانيا عملية التحرير الواسعة من الاستعمار، التى حصلت بالأخص بين نهاية الحرب العالمية الثانية وأواخر الستينيات. ثالثا الحروب التى اشتعلت فى أنحاء عديدة من العالم الثالث، لتضيف التهجير إلى الهجرة. وأخيرا الفارق المتزايد بين مستوى المعيشة فى دول الشمال ودول الجنوب.
يضيف «طبارة» أن ازدياد الهجرة قد صاحبه صعود حركات معادية فى كل بلدان الغرب. واليوم هناك انتفاضة تعمّ هذه البلدان، من أمريكا إلى أستراليا، مرورا بأوروبا، تطالب بالحفاظ على ثقافة وإثنية السكان الحاليين ومحاربة الهجرة التى تؤسس لمجتمعات متعددة الثقافات والإثنيات، فالخطر الداهم، بالنسبة لهؤلاء يأتى من المسلمين فى شكل خاص، كما من السمر والسود، من كل الأديان، بما فى ذلك المسيحيون منهم.
***
فى أمريكا جاء المعادون للتعدد الثقافى والإثنى بترامب رئيسا لأنه وعد بطرد الملايين من اللاتين غير الشرعيين، وبناء حائط بين الولايات المتحدة والمكسيك لمنع دخولهم مجددا، وكذلك منع دخول المسلمين، وفى الوقت نفسه دعوة الأوروبيين البيض للعيش فى أمريكا كمواطنين. وفى أوروبا هناك دول تحكمها اليوم أحزاب معادية للتعدد الثقافى، وأخرى معادية للهجرة، وهذه الأحزاب هى فى صعود مستمر من حيث شعبيتها فى كل البلدان الأوروبية من دون استثناء.
يرى «طبارة» أن قلق البيض من خسارة هيمنتهم فى الولايات المتحدة له ما يبرره. ففى أمريكا كان البيض يشكلون ما يقارب 90% من مجموع السكان فى منتصف القرن الماضى ولكن نسبتهم بدأت تتضاءل منذ ذلك الحين إلى أن وصلت اليوم إلى حوالى 60%. وتظهر الإسقاطات الرسمية أن البيض سيصبحون من الأقليات خلال ربع القرن المقبل. الأنكى بالنسبة لهؤلاء هو خسارة هيمنتهم السياسية. فأوباما، أول رئيس أسود، نجح فى دورتين انتخابيتين على رغم أنه لم ينل سوى 45% من أصوات البيض فى الأولى و41% فى الثانية. من هنا جاءت جاذبية طرح ترامب تغيير مسار التاريخ، وإعادة الهيمنة التى نعم فيها البيض فى الماضى. فى احتفال كبير لحركة «اليمين البديل» المساند لترامب، والحليف الفكرى والشعبى لستيف بانون، مستشار الشئون الاستراتيجية فى البيت الأبيض، أقيم مباشرة بعد نجاح ترامب فى الانتخابات، قال أحد قيادييه البارزين فى خطابه الختامى: «أمريكا كانت حتى الجيل الماضى بلاد بيضاء، صُمّمت من أجلنا ومن أجل أجيالنا القادمة. إنها من صنعنا، إنها ميراثنا، إنها ملكنا». كان الشعار المهيمن خلال الاجتماع «لنجعل أمريكا بيضاء مجددا» فى تحريف لشعار ترامب الانتخابى «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا».
قلق مشابه موجود فى أوروبا على رغم أن هجرة المسلمين والإفريقيين التى يشكو منها المعادون للهجرة هناك لا تشكل خطرا داهما بالنسبة للبيض الأوروبيين، قد يهدد الطبيعة المسيحية لأوروبا، كما يدّعى بعض القادة الأوروبيين أن ذلك قد يهدد التركيبة الإثنية فيها.
قد يقول البعض إن من حق الغربيين الحفاظ على هويتهم الثقافية والإثنية ولكن السؤال هو: هل باستطاعتهم أن يفعلوا ذلك؟ سياسات إيقاف الهجرة كلها فشلت حتى الآن. لا الأسلاك الشائكة أوقفت الهجرة ولا الجدران فعلت ذلك. كل ما تستطيع أن تفعله سياسات «الوطنيين» هى تأخير المحتم. فتكنولوجيا الاتصالات والمواصلات ستتكثف وتتقدّم نوعيا، ما سيدفع إلى ذوبان الحدود أكثر فأكثر، والحروب لن تتوقف فى المستقبل المنظور.

***
يختتم الكاتب بالتأكيد على أن الغلبة لا شك ستكون فى النهاية لمسار التاريخ، وسيصبح العالم تعدديا واندماجيا، وسيصبح ذلك فى النهاية طبيعيا. المشكلة هى فى المرحلة الانتقالية. فالمقاومة الشرسة التى تشهدها دول الغرب للهجرة أدت إلى نشوء الأحزاب اليمينية المتطرفة وازدياد شعبيتها وتسلّمها الحكم فى كثير من تلك البلدان. الأخطر من ذلك، هو صعود الحركات النيوفاشية والنيونازية فى أمريكا وأوروبا التى تؤمن بالعنف طريقة للوصول إلى أهدافها. هذه الحال ستتفاقم فى المستقبل المنظور، اللهم إلا إذا تقلصت القيادات الشعبوية فى بلدان الغرب بسرعة، واستُبدلت بقيادات متنورة، تفهم مسار التاريخ المحتوم، فتسهّله وتدوّر زواياه، بدلا من محاربته.

الحياةــ لندن
رياض طبارة

 

التعليقات