الإسلام كما أدين به 24ــ الأمة وقيمها - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام كما أدين به 24ــ الأمة وقيمها

نشر فى : الخميس 21 يوليه 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 21 يوليه 2016 - 9:25 م
ــ1ــ

مصطلح «الأمة» يطلق على ظرف تاريخى ((تِلْكَ أُمَةٌ قَدْ خَلَتْ))، وعلى وضع جغرافى ((وَلَمَا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَة مِنَ النَاسِ يَسْقُونَ..))، كما يطلق على رابطة العقيدة ((وَإِنَ هَذِهِ أُمَتُكُمْ أُمَة وَاحِدَة وَأَنَا رَبُكُمْ فَاعْبُدُونِ)). كما يطلق مصطلح الأمة على رابطة التخصص، وأيضا يطلق على «النظام العام عقيدة وعملا وسلوكا» كما عبر القرآن عن قول بعض المشركين ((.. إنَا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَةٍ وإنَا عَلَى آثَارِهِم مُقْتَدُونَ)). واستعمل القرآن مصطلح الأمة للدلالة على كل نوع من المخلوقات المتجانسة حيث يقول ((وَمَا مِن دَآبَةٍ فِى الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم..)).. وهكذا فحينما نقول المسلم فى أمته فنحن لا نقصر المعنى على (أمة التوحيد المحمدية)، بل نعنى الأمة التى يعايشها المسلم يتعامل معها ولا يستغنى عنها وينتفع بها وهو معهم فى كل إعمار وإصلاح لا فساد فيه.

هكذا يجد المسلم نفسه جزءا فى أمة التوحيد من ناحية الانتماء القلبى والالتزام التعبدى والخلقى، كما يجد نفسه جزءا فى أمة تسكن موقعا جغرافيا محددا، وعنصرا فى أمة مهنية متخصصة، كما أنه جزء من أمة تاريخية (جيل معين).

ــ2ــ

طالت المقدمة حتى لا يظن أحد أننا نتلاعب بالألفاظ أو نحملها ما لا تحتمل، إذ قد سمعت بعضا ممن لا علم لهم ولا فقه يقصرون معنى الأمة على «المسلمين» وحسب، وهم فوق جهلهم لا يتأملون الواقع العالمى الدائم منذ خلق الله الخلق، فإن الأمة إطار متسع لكل المتقاربين بأى وسيلة. حتى ذلك العدد القليل من أبناء آدم أول الخلق كانوا أمة تضم الطائع والعاصى (المقتول والقاتل). وحينما يشح الماء فى مجتمعنا ويؤدى المسلمون صلاة الاستسقاء فهل يهطل المطر على الموحدين فقط؟!
وإذا دعا الأئمة «اللهم انصر الإسلام» فهل يجىء النصر والفلاح والتقدم للمسلمين فقط أم لجميع من يعايشهم ويرتضى الإقامة معهم ويستوى معهم فى الخضوع لقانون واحد؟!

فالمسلم فى أمته (الذين يعاصرهم) و(الذين يماثلونه اعتقادا وسلوكا) و(الذين يختارون موطنهم معه دون تمايز) و(الذين يمارسون عملا معه) وكل هؤلاء الذين يرتضون وطنا واحدا.. فالمسلم يتعبد ربه مع كل أطياف الأمة طبقا لشريعة الإسلام وقانونه.

ــ3ــ

والشريعة العامة للإسلام تلتزم قيما لا حيد عنها، ولا تغيير فيها، ولا تجاوز لأحكامها، وأبرز تلك القيم: (الرحمة، العدل، الإحسان، الخير، المعروف، العمران، التزكية، الأمانة، السلم، التوحيد)، ولا تنس أن تأخير «التوحيد» فى منظومة الدعوة للقيم الإسلامية تأخير مقصود شرعا لأنه يشير إلى «مستوى ضيق» من مستويات الأمة، حيث إن «التوحيد» وهو القيمة الأعلى هو «قمة المنظومة» وليس قاعدتها، لأن الإيمان يعود على صاحبه فقط، أما سائر القيم فهى نافعة جامعة للجميع ترتقى بهم وترتفع بهم حتى يفهموا التوحيد فيقبلوا عليه.

ــ4ــ

وهكذا فالمسلم فى جميع تعاملاته مع جميع من حوله، يحق له تجاوز أى من هذه القيم العشر كحد أدنى، كما لا يحق له أن يمارسها معكوسة فيقدم التوحيد على القيم الأخرى. وحسبك أن تستمتع وأنت تقرأ قوله تعالى ((كُنْتُمْ خَيرَ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنَاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَهِ..)) فتتأكد أن الله كلفنا بالدعوة إلى الخير المطلق وإلى المعروف العام وإلى نبذ منكرات الأعمال والمعاملات تجهيزا للناس ومساعدة لهم ليرتقوا بفكرهم فيسعوا بإرادتهم إلى «الإيمان». والآيات القرآنية كثيرة تضع الرحمة فوق كل شىء وقبل كل شىء وبين كل شىء، وكذلك العدل، أما عن الإحسان وما يعنيه من الإتقان والرقابة الذاتية ودوام التجديد والتطوير ومواصلة الترميم والإصلاح فحدث كثيرا.

ــ5ــ

كيف يعيش المسلم حياته؟ كيف يعامل جميع البشر؟ هل يستطيع حمل الدعوة وإبلاغها؟ وإذا لم يكن مؤهلا فهل هذا يعيبه؟ وإذا لم يكن عدم حمل الدعوة عيبا فما هو العيب؟ وما هى نماذج «التمايز» و«التقوى» و«الجهاد» التى يسلك نفسه فيها؟
جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات