ماذا فعل بنا الانقلاب التركى؟ - مصطفى النجار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا فعل بنا الانقلاب التركى؟

نشر فى : الخميس 21 يوليه 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 21 يوليه 2016 - 9:15 م
مرة أخرى يعود الزخم للنقاش السياسى فى مصر لكنه نقاش يتخطى الحدود ويتعلق بالشأن التركى عقب محاولة الانقلاب العسكرى الفاشل الذى انتهى بعد ساعات من بدايته تحت وطأة الإجماع الشعبى على رفضه والتصدى له وتضافر جهود مؤسسات الدولة التركية التى لم تصبها آفة الانشقاق والتآمر للحفاظ على الديمقراطية فى تركيا وعدم العودة لتجارب مريرة وقاسية صنعتها الانقلابات العسكرية التى عرفتها تركيا قبل ذلك.

كعادتنا تتلبسنا الأهواء فى النقاشات العامة التى تغيب عنها الموضوعية وتتحول لمناوشات ومزايدات بين أطراف مختلفة تريد الانتصار لوجهة نظرها وقراءتها للأحداث، لكن الحقيقة أن واقعة الانقلاب التركى كانت كاشفة لأفكارنا تجاه الديمقراطية ومدى نضجنا الفكرى والسياسى عقب خمس سنوات من ثورة يناير.

***

نحن الآن فى مصر ثلاثة فرق تتمايز الخطوط الفكرية والسياسية بينها فى أغلب المواقف ولا تتلاقى، الفريق الأول المؤيد للسلطة على طول الخط وهو الفريق الذى رأيناه يتراقص فرحا على الشاشات شماتة فى النظام التركى بمجرد خروج أخبار مبدئية عن بدء الانقلاب العسكرى، وصف هؤلاء الانقلاب العسكرى بالثورة! وباركوا كل ما صدر عن الانقلاب واعتبروه انتصارا للسلطة فى مصر التى تعادى النظام التركى بسبب موقفه من شرعيتها وخلفيته الإسلامية المتماهية مع جماعة الإخوان.

رأينا على الشاشات من يتقافزون ويتبادلون التهانى بما حدث لكن فرحتهم لم تستمر طويلا إذ استيقظوا فى الصباح على صدمة لم يتخيلوها وهى انكسار الانقلاب وإجهاضه بيد الشعب التركى، ففقدوا توازنهم وانتقلوا للحديث على أن ما حدث تمثيلية مرتبة من أردوغان لسحق معارضيه وفرض مزيد من السيطرة على حكم البلاد! ثم بدأ التركيز منهم على الإجراءات التى قام بها النظام التركى ضد الانقلابيين وتحولوا إلى نشطاء لحقوق الإنسان ينتقدون إجراءات السلطة التركية ويصفونها بالوحشية والانتقام، رغم أن هؤلاء الذين عرفهم العالم بشعارات (افرم) و(لا تحدثنى عن حقوق الإنسان إذا تعلق الأمر بالأمن القومى) (فلندفنهم أحياء حتى تعيش مصر)!

الفريق الثانى هو الفريق المحسوب على الإسلاميين الذين يرون أردوغان منزها عن الخطأ، هؤلاء رفضوا بالطبع الانقلاب لكن لم يضايقهم ما أعقبه من إجراءات واعتبروه تطهيرا ثوريا مطلقا لا يجب نقده، كما أن كثيرا منهم انشغلوا بسب وتخوين الفريق الثالث الذى ينتمى أغلبه للتيار الديمقراطى المدنى والذى رفض الانقلاب العسكرى فكان هذا مدعاة للمزايدة عليه من الإسلاميين الذين يصرون على مقارنة ما حدث فى تركيا بما حدث فى مصر فى صيف 2013.

الفريق الثالث هم الذين رفضوا الانقلاب العسكرى التركى وفرحوا بإجهاضه لكنهم تحفظوا على كثير من الإجراءات التى أعقبته وطالبوا ألا يتحول لمباراة فى الانتقام حفاظا على المجتمع التركى والدولة بشكل عام الانقلاب التركى أيقظ التيار الثالث فى مصر وأعطى لحلم الديمقراطية والمدنية جرعة أمل، الدرس الأهم هو النتاج الإيجابى لتراكم الخبرات الشعبية التى خلفتها مرارات الفشل الذى صنعته الانقلابات العسكرية والخروج عن المسار الديمقراطى. كثيرون الآن يدركون أن كل معضلة اقتصادية وراءها فشل سياسى يجب علاجه لكى يتحسن الاقتصاد ويستعيد عافيته.

الدرس الثانى هو أن المواطن فى أى بلد إذا شعر بأنه يمتلك منجزات حقيقية يخشى فقدها فإنه على استعداد للوقوف أمام الدبابات لحماية هذه المنجزات أيا كان خلافه مع الحاكم وهذا ما رأيناه من جموع المعارضين لأردوغان الذين لم يتصدوا للانقلاب حبا فى أردوغان بل خوفا على تركيا وحفاظا على المكتسبات التى صنعها النظام الذى يعارضونه ويتمنون تغييره لكن بصندوق الانتخابات وليس قوة السلاح وفوهة الدبابات.

الدرس الثالث أن أى خروج عن المسار الديمقراطى يحتاج لغطاء سياسى وشعبى وهذا ما لم يتوفر للانقلابيين الأتراك الذين صدمهم رد فعل الشعب ونخبته السياسية من أقصى اليمين لأقصى اليسار فصاروا معزولين ومرفوضين من الجميع مما عجل بانتهاء مغامرتهم المجنونة.

الدرس الرابع هو أهمية صناعة الوعى وتغليب مصلحة الوطن على الصراعات الشخصية والحزبية والأيديولوجية، هذا الوعى الجمعى الذى رأيناه من الشعب التركى هو مثير للإعجاب وباعث على التقدير والاحترام، رأينا كبار السن والعجائز يتدافعون لحماية الديمقراطية ويجلسون أمام الدبابات ويقولون للانقلابيين لا تعيدوا الذكريات الأليمة مرة أخرى لقد عانينا من الانقلابات العسكرية التى شوهت حياتنا ولا نريد تكرارها لأبنائنا. لا يمكن إغفال الدور الوطنى للمعارضة فى دحر الانقلاب، هذه المعارضة الوطنية كانت خير ظهير للنظام فى حالة الخطر الأكبر الذى هدد الجميع وهذا ما يجب أن تفهمه الأنظمة الحاكمة فى كل مكان أنها لن تنجح دون معارضة لا يتم قمعها ولا حصارها والتنكيل بها لإخراس صوتها.

الدرس الأخير هو أهمية وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعى التى باتت اليوم عاملا مؤثرا فى تغيير دفة الأحداث وكان من المفارقات أن ما عمل أردوغان على تحجيمه يوما ما كان سببا فى انقاذه فى يوم آخر.

***

الفرحة بانتصار الشعب التركى وإجهاض الانقلاب لابد أن يصحبها رفض لروح الانتقام والبطش والاصرار على إعمال القانون على الجميع، القانون وحده هو الذى يحفظ المجتمع وتماسكه وسلامته العضوية والنفسية، دعاة الديمقراطية لا يعرفون التنكيل ولا البطش بخصومهم وإنما يعرفون القانون لغة وحيدة للتعامل وإحقاق الحقوق وعقاب الخارجين عنه، عاش نضال الشعوب.
مصطفى النجار عضو مجلس الشعب السابق
التعليقات