اغتيال نوعي لمبادرة السلام العربية - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 6:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اغتيال نوعي لمبادرة السلام العربية

نشر فى : الخميس 21 سبتمبر 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 21 سبتمبر 2017 - 9:50 م
كشفت الكلمات التي أُلقيت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك كشفت الاجتماعات التي انعقدت على هامشها في مدينة نيويورك خلال الأيام الأخيرة عن اغتيال نوعي لمبادرة السلام العربية، وبدء خطوات لتفريغ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بحل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين من مضمونها. وكان للصور الضاحكة بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي تأثير سلبيا على من تربى على أن إسرائيل هي العدو طالما لم يُمنح الفلسطينيين دولتهم ولطالما انتهكت إسرائيل حقوقهم الأساسية كشعب وكأفراد. قابل السيسي علنا نتانياهو، وخرجت صور اللقاء لتمثل صفعة لكثيرين ولتؤكد لحالمين أن ما هو قادم يختلف جذريا عما سبقه في معادلات الصراع التاريخي مع إسرائيل. ويبدو أن مبدأ if you can’t beat them! Join them سيكون محور ترتيبات المرحلة القادمة، وهو المبدأ الذي يعكسه المنافسة والهرولة العربية الحادثة حاليا سواء على علاقات عربية رسمية ولقاءات تجمع حكاما عرب بالإسرائيليين، أو تقرب وتنسيق في قضايا إقليمية هامة مثل مواجهة النفوذ الإيراني، وأحيانا مواجهة النفوذ التركي، ناهيك عن التنسيق حول مستقبل سوريا وحول مواجهة "الإرهاب". ناهيك عن تقرب الكثير من الدول من اللوبيات اليهودية الأمريكية للتنسيق والسعي للحصول على مباركتهم لموقف دولتهم ونظامها الحاكم داخل دوائر صنع القرار والتأثير الأمريكية، بعيدا عن اشتراط أو التذكير بالشعب الفلسطيني وحقوقه المنهوبة.

منذ أيام خرج أحد أركان اللوبي الإسرائيلي ليؤكد أن ملك البحرين يندد بمقاطعة إسرائيل ويقول إنها محور التوازن في المنطقة، وقبل ذلك كانت هناك تقارير لم تنفها الرياض حول زيارة سرية لمسئول سعودي رفيع لتل أبيب، قد يكون ولي العهد محمد بن سلمان. وقبل ذلك اتهم وزير الاستثمار السوداني الفلسطينيين بأنهم باعوا أراضيهم وأن القضية الفلسطينية هي السبب الأساسي لتأخر العرب عن غيرهم من الأمم. وليس ببعيد محاولات تقرب كل أطراف الأزمة الخليجية الجارية من إسرائيل بصورة أو أخرى. من ناحية أخرى، يرى البعض أن تسليم جزيرتي صنافير وتيران للمملكة السعودية جاء في إطار دعم خطط لتطبيع سعودي إسرائيلي في صيغ قانونية دولة ترثها الرياض من القاهرة. وليس ببعيد كذلك ما كشف عن تسريبات البريد الإلكتروني لسفير أبوظبي بواشنطن من علاقات وتنسيق بلا حدود بين بلاده وإسرائيل ولوبياتها داخل الولايات المتحدة بما لا يخدم أي قضايا عربية.

•••

عملية دمج إسرائيل الجارية حاليا هي جزء مهم من عملية أكبر لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. ويسمح العرب بأن يكونوا مفعولا به حيث تسهل الصراعات المحلية مثل الفلسطينية (حماس ــ فتح) أو الصراع السعودي الإيراني، الأزمة بين الدول الخليجية، أو الصراع بين قوى الإسلام السياسي والقوى السياسية الأخرى التي تصف نفسها بالمدنية، من منح الآخرين اليد العليا في تحديد واقع العرب ومستقبلهم. ولا تتوقف الجهود الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة داخل العاصمة الأمريكية لاستغلال لحالة الضعف العربي غير المسبوق من أجل تحسين وضعها التفاوضي في أي عملية سلام مستقبلية مع الفلسطينيين. وتركز هذه الجهود على القضاء على أى مصوغات قانونية دولية دعت في السابق لانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي أحتلتها في حرب يونيو 1967 وقبلها وبعدها، ورغم أن توازنات القوى والوضع الإقليمي والدولي لم يسمح بترجمة أي من القرارات الدولية المختلفة لواقع على الأرض، ورغم أن إسرائيل اليوم تتمتع بوضع استراتيجي آمن لم يتخيله أي من مؤسسيها، فإن التفكير الدائم في الخطوة القادمة، وما يجب القيام به لتثبيت الأوضاع المعوجة على الأرض، والضغط على الفلسطينيين ليقبلوا بما تقدمه لهم من فتات، يجعل إسرائيل لا تترك فرصة إلا وتحاول أن تضاعف من مكاسبها منها. مظاهر الهزيمة التاريخية التي نعيشها، وفي الحالة المصرية على سيبل المثال، أن النظم العسكرية الحاكمة منذ ظهور دولة إسرائيل سواء خلال نظام حكم الرئيس جمال عبد الناصر، أو أنور السادات، أو نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وما تلاه، بما فيها من عقود طويلة تحت معاهدة السلام بين الدولتين، وخلال حالة الاسترخاء العسكري الطويلة لم ننجح في تحقيق أي تنمية حقيقية يشعر بها غالبية الشعب. ولم تحقق مصر منذ انتهاء أخر حروبها ضد إسرائيل عام 1973 اختراقات تكنولوجية أو تنموية تماثل ما وصلت إليه إسرائيل رغم عدم توقفها عن خوض حروب بلا توقف. ومازلنا لدولة نقترض بلا توقف لإطعام شعوبنا وقضاء حاجاتنا.

•••

في نفس الوقت تنشغل واشنطن ومن قبلها تل أبيب ومن ورائهم دول عربية في الحديث عن تفاصيل مختلفة تبتعد بالصراع عن أصله، وتستبعد الحديث عن جوهره، ألا وهو "الاحتلال". موافقة الجانب العربي على الانغماس في التفاصيل اليومية للصراع كاد ينسى الأجيال الجديدة من الشباب والأطفال العرب أصل الصراع، وهو ما يعني إنجاح استراتيجية إسرائيل في محاولة إقناع العرب أن "الاحتلال ليس هو أصل القضية". إلا أن أهم ما تتميز به إسرائيل هو نحن، "جيرانها وحكامهم"، فقد حبا الله إسرائيل بجار أو عدو غارق في ظلمات التخلف، وللأسف امتد هذا التخلف للعديد من المنابر التي تقود الرأي العام وتساهم في تشكل فهم أطفالنا وشبابنا للعالم الذي نحيا فيه. وبدلا من البحث الحقيقي عن أسباب تخلفنا، وتراجعنا بين الأمم، مازال الكثيرون يختارون الطريق السهل بإلقاء كل الأسباب والمبررات على القوى الخارجية. الأمم والشعوب مثلها مثل الأفراد، إن أبت أن تنظر بصدق لنفسها لتتعرف على أمراضها، بدون تحديد مرضها بطرق علمية، يستحيل وصف العلاج، ويزداد حال الفرد والشعب تدهورا.

•••

وكانت قد خرجت كحل وسط للضعف والهزائم العربية مبادرات تحفظ ما بقى من ماء الوجه، وخرجت للنور في اجتماع للقمة العربية عام 2002 مبادرة السلام العربية على يد ملك السعودية السابق عبدالله بن عبدالعزيز، والتي هدفت لإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، مع عودة اللاجئين الفلسطينيين وانسحاب كامل من هضبة الجولان، مقابل اعتراف وتطبيع عربي بإسرائيل. وترى الدوائر الإسرائيلية اليوم أن أي حديث عن عودة الجولان الآن يعد مضيعة للوقت، وأن الجانب الفلسطيني ذاته منقسم بين فتح وحماس، لذا ستكون السلطة الفلسطينية نفسها منفتحة على أفكار جديدة لا تلبي كل ما نادت به المبادرة العربية. من جانبهم توقف معظم الحكام العرب، عن ذكر أي شيء يتعلق بضرورة وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية أو حق العودة للفلسطينيين أو حتى مستقبل القدس مع استمرار مسلسل الانتهاكات الإسرائيلية المتكرر. للأسف يتجاهل العرب أن "الاحتلال هو أصل القضية"، وأن ما عدا ذلك يدخل في جانب التفاصيل التي يمكن مناقشتها في إطار إنهاء الاحتلال أولا، إذا لا يستوي أن نتجاهل السبب الأصلي للمرض ونحاول بسذاجة التعامل مع الآثار الجانبية. 

وأخيرا، فالأمل الوحيد يتركز على رفض الشعوب لسلام غير عادل ولجهود تطبيع لا تراعي حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما لم تعد نظمها الحاكمة تكترث به.
محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات