أسوار الجامعة تزداد ارتفاعًا - سليمان عبدالمنعم - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسوار الجامعة تزداد ارتفاعًا

نشر فى : الثلاثاء 21 أكتوبر 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 21 أكتوبر 2014 - 8:15 ص

كلنا نتذكر كلمة الرئيس الفرنسى السابق الجنرال شارل دى جول، وهو يقود حركة المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألمانى حينما سأل مجموعة من رفاقه المقاومين جاءوا للقائه فى إنجلترا «هل الجامعة فى فرنسا بخير»؟ وعندما ردوا عليه بالإيجاب قال قولته الشهيرة «إذن فرنسا بخير». لا يملك المرء سوى استحضار هذه المقولة وهو يتأمل مناخ التوتر الذى يسود الجامعات المصرية حاليا نتيجة قوانين قرارات غير مدروسة جيدا. من المؤكد أن سؤال الأمن والاستقرار فى الجامعة سؤال مطلوب ومهم، لكن الإجابات المطروحة على السؤال تبدو متسرّعة ومشوّشة بل وخاطئة أحيانا. المقلق فى المشهد أن أسوار الجامعات تزداد ارتفاعا، والأسوار المقصودة هنا ليست فقط الأسوار الأسمنتية التى ترتفع بهدف منع إدخال مواد أو أشياء محظورة فهذا أمر طبيعى وضرورى فى هذه الظروف، لكن الأسوار المقلقة الأخرى هى القيود التى تضمنتها مجموعة القوانين والقرارات التى صدرت مؤخرا. ما يدهش فى هذه القيود أنها ضئيلة إن لم تكن منعدمة الجدوى، تخلق من المشكلات بأكثر مما تضع حلولا. ثم إنها تكشف عن قصر نظر يخلو من أى أفق سياسى.

ثمة اليوم جدل أكاديمى بمناسبة مشروع القانون الخاص بمنح رؤساء الجامعات سلطة عزل أعضاء هيئة التدريس بدون حاجة لصدور قرار تأديبى صادر وفقا للإجراءات التى ينص عليها القانون. ثم ازداد الأمر التباسا عقب الرأى الذى خلص إليه قسم التشريع بمجلس الدولة من مخالفة مشروع القانون لأحكام الدستور، ثم ما قيل فى أعقاب ذلك من أن لهذا الرأى محض قيمة استشارية غير ملزمة.

•••

ارتبط مشروع القانون المثير للجدل الخاص بالعزل الجامعى فى أذهان الكثيرين ببعض التعديلات التشريعية الأخيرة وبقرارات وتوجهات إدارية اعتبرتها أغلبية الوسط الأكاديمى تقييدا للحريات والحقوق الأكاديمية وارتدادا على مكتسبات وأوضاع قانونية أكاديمية كانت قد تحققت فى السنوات الأخيرة. هكذا نواجه اليوم قضية جديرة بأن نتعامل معها بروح المسئولية، التى توجب علينا الحرص على النهوض برسالة الجامعة ووظيفتها وإطلاق كل طاقاتها بقدر حرصنا على استقرار الوطن لأن النهوض بالجامعة لن يتحقق بغير استقرار الوطن. فى المسألة ملاحظتان جديرتان بالنقاش بما يلزم من شفافية ووضوح:

الملاحظة الأولى: أن مشروع القانون الخاص بالعزل الجامعى يجىء فى وقت غير ملائم ويوحى بدلالات سلبية هى آخر ما تحتاجه مصر حاليا، حيث المطلوب هو تعزيز مساحة التوافق والالتقاء وليس خلق مسببات الفرقة والانقسام. لقد أحدث هذا القانون حالة من التوتر والاستقطاب ليس فقط داخل الوسط الأكاديمى بل خارجه أيضا ناهيك عن أصدائه الدولية السلبية. الفريق المؤيد لهذا القانون (ويتجلّى بشكل خاص على مستوى القيادات الأكاديمية) يقدم رؤية للمسألة غير دقيقة ولا تخلو من خطورة.

نحن أولا بصدد رؤية غير دقيقة للمسألة لأن الأسباب التى يدعيها البعض تبريرا للعزل الجامعى غير متوافرة داخل الحرم الجامعى. إذا كان الحديث عن بقايا إخوان داخل الجامعة ففى الأمر مبالغة بل مغالطة كبيرة. هناك كليات بأكملها ومجالس كليات لا نكاد نعثر فيها على أستاذ واحد ينتمى إلى الإخوان المسلمين. إذن فليبحث هؤلاء عن حجة أخرى. هل المستهدف هم أكاديميون غير حزبيين منشغلون بقضايا الوطن والجامعة وقد يكون لديهم رأى مخالف فى مسألة ما؟ لكن مثل هذا القانون كفيل باتساع رقعة هذه الشريحة كما تدلنا تجربة الماضى. ثم أن السلطة تحتاج لمعرفة رأى كل جموع الأكاديميين لكى ترسم سياساتها أو تطورها أو تعدلها. فهذا ما توجبه السياسة الحصيفة والإدارة الرشيدة. أم أن أصحاب هذا القانون يريدون ألا يصل للسلطة سوى صوت واحد ورأى واحد واجتهاد واحد؟ إن من يعرف كيف تمضى العملية التعليمية فى الجامعة فى ظل الوقت الضاغط ونظام الفصلين الدراسيين يدرك جيدا أن حدود المحاضرة الجامعية لا تدع مجالا واسعا لممارسات حرية الرأى السياسى من جانب الأساتذة. هؤلاء يمارسون حرية الرأى والتعبير خارج إطار الجامعة من خلال الصحف ووسائل الإعلام والكتابات الحرة الأخرى. ومثل هذا القانون لن يمنع هؤلاء فى الغالب من ممارستهم لحرية الرأى والتعبير داخل إطارات أخرى.

ونحن ثانيا أمام رؤية مؤيدة لقانون العزل وغيره من التعديلات والتوجهات المشابهة لا تخلو فى حقيقتها من خطورة. وجه الخطورة هنا أن الفريق المؤيد للقانون لا يتورع عن وصف الشريحة الأكاديمية الأوسع بأن معارضتها للقانون هى معارضة للسلطة والنظام فى عملية استعداء مكشوف وغير أخلاقى للسلطة على جموع الأكاديميين لمجرد أن لهم رأيا مختلفا فى شأن أكاديمى. هذه لعبة خطرة وغير أخلاقية لا ينبغى اللجوء إليها إضافة لكونها رؤية تجافى المنطق والواقع لأن أصحابها ينسون أن أكثرية أساتذة الجامعة فى مصر قد شاركوا فى ٣٠ يونيو، وأصدروا الكثير من البيانات التى تعترض على حكم وممارسات جماعة الإخوان. من بين هؤلاء من يعترض اليوم على قانون العزل الجامعى ليس من باب مناوئة الشرعية مثلما يغمز البعض فى دهاء وانتهازية بل من باب الحرص على الجامعة وإعلاء دولة القانون واستقرار الوطن. وكلها اعتبارات يجب التوفيق وليس اصطناع التناقض بينها.

•••

الملاحظة الثانية أنه لا يعيب الحكومة العدول عن مشروع القانون والاستجابة لملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة بل إن هذا يحسب لها ويزيد من رصيد النظام السياسى الذى تدعوه الضرورة أحيانا لأن يكون حكما بين السلطات. ثلاثة أسباب توجب العدول عن هذا القانون: السبب الأول أنه مكتوب عليه لا محالة طال الزمن أم قصر بأن يسقط لمخالفته لأكثر من حكم من أحكام الدستور مثل قرينة البراءة وقضائية العقوبة وضمانات حق الدفاع واستقلال الجامعة. بل إن المحكمة الدستورية العليا قد سبق لها أن قضت بعدم دستورية نصوص قانونية تماثل حالة العزل الجامعى إلى حد التطابق. فلماذا تصر الحكومة على المضى فى طريق قانونى خاسر بحكم دستورها ورأى مجلس الدولة وأحكام أعلى مؤسساتها القضائية، وهى المحكمة الدستورية العليا؟

السبب الثانى أن المخالفات المنصوص عليها فى القانون تمثل فى معظمها جرائم ينص عليها قانون العقوبات مثل حمل الذخائر والأسلحة وتعطيل عمل مؤسسات الدولة والتحريض، وبالتالى كان المنطق القانونى يقتضى التعامل مع المتهمين بارتكابها وفقا للإجراءات القانونية المتبعة حال ثبوت هذه الجرائم. إذن لم تكن ثمة حاجة ملحة لإصدار قانون يمثل ازدواجية لا جدوى قانونية منها مع قوانين أخرى قائمة.

السبب الثالث أن أساتذة الجامعة ولو أنهم يخضعون لقانون خاص بهم إلا أنهم فى النهاية موظفون عموميون والمستقر دستوريا وقضائيا وفقهيا أنه لا يجوز عزل موظف بغير الطريق التأديبى الذى رسمه القانون ودون اتباع الضمانات المقررة فى هذا الشأن. وهو المبدأ الذى أكده مرارا قضاء مجلس الدولة المصرى.

إن الاعتراض على قانون العزل الجامعى ليس فقط ممارسة طبيعية (لحق) الرأى والاختلاف بل هو (واجب) تفرضه المشاركة وتبصير صناع القرار، وهو فوق ذلك كله دفاع عن صالح الجامعة وحرص على استقرار الوطن وإعلاء لدولة القانون وتذكير بقيم الجمهورية الجديدة التى طالما حلمنا بها.

سليمان عبدالمنعم أستاذ بكلية الحقوق ــ جامعة الإسكندرية
التعليقات