المصريون والأمم المتحدة واليونسكو - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المصريون والأمم المتحدة واليونسكو

نشر فى : السبت 21 أكتوبر 2017 - 8:10 م | آخر تحديث : السبت 21 أكتوبر 2017 - 8:10 م
يحلّ بعد غد الثلاثاء العيد الثانى والسبعون لنشأة منظمة الأمم المتحدة. فى السادس والعشرين من يونيو سنة 1945 وقعت التسع وأربعون دولة التى حضرت مؤتمر الأمم المتحدة فى سان فرانسيسكو على ميثاق الأمم المتحدة، ودخل هذا الميثاق حيز النفاذ فى 24 أكتوبر من السنة نفسها بعد أن صدّقت عليه الدول الخمس التى خصّها الميثاق بالعضوية الدائمة فى مجلس الأمن وأغلبية الدول الموقعة عليه. مصر كانت من الدول الحاضرة والموقعة فى سان فرانسيسكو والمصدّقة على الميثاق، وهى بذلك من الدول المؤسسة للمنظمة الدولية المشاركة فى تحديد مقاصدها، كما ورد فى المادة الأولى من الميثاق، والمبادئ التى تستند إليها فى تحقيق هذه المقاصد والتى تنص عليها المادة الثانية منه.
وفى الرابع من نوفمبر القادم تحلّ الذكرى الحادية والسبعون لدخول الميثاق التأسيسى لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) حيز النفاذ وقيام المنظمة بمقتضى ذلك. الميثاق التأسيسى اتفاقية دولية منفصلة تماما عن ميثاق الأمم المتحدة، واليونسكو منظمة مستقلة استقلالا كاملا عن الأمم المتحدة، وهى من الوكالات المتخصصة مثلها مثل منظمة الأغذية والزراعة أو منظمة الصحة العالمية أو منظمة العمل الدولية، ولكل من هذه المنظمات أجهزتها الرئيسية والفرعية التى تحدد برامجها وتتابع تنفيذها، وتعتمد ميزانياتها، وتنتخب من يدير أمانة كل منها، وهى الأمانة المنتظر منها أن تنفذ البرامج التى تعتمدها الدول الأعضاء، وتسهر فى الوقت ذاته على تحقيق أهداف المنظمة وتحرص عليها. الوكالات مستقلة لا سلطان للأمم المتحدة ولا لأمينها العام عليها، غير أن الميثاق ينص فى مادته الثالثة والستين على أنه لهذه الوكالات أن تدخل فى اتفاقيات مع المجلس الاقتصادى والاجتماعى، وهو من الأجهزة الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة، بغرض التنسيق بين الوكالة المتخصصة المعنية والأمم المتحدة، وهى المنظمة العامة الجامعة. منظمة الأمم المتحدة وما تنشئه من برامج وصناديق، مثل برنامج الأمم المتحدة للتنمية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، والوكالات المتخصصة التى تبرم اتفاقيات تنسيقية مع المجلس الاقتصادى والاجتماعى، تشكل كلها معا منظومة الأمم المتحدة. 
هذه المنظومة تعرضت بعض مكوناتها بين حين وآخر فى السنوات الأخيرة للهجوم والتضييق فى مصر، وفى شهر سبتمبر الماضى رمى رامٍ من أعضاء مجلس النوّاب سهما أراده حادا على منظمة العمل الدولية، ووصل إلى القول بأنها «لا تلزمنا»، ثم ثارت فى الأسبوع الماضى حملةٌ لتشويه اليونسكو وازدرائها جعلت نائبا آخر من النواب المحترمين يقول إنه لا حاجة لنا بها بل إنه لا حاجة لوجودها أصلا. المناسبة فى هذا التصريح الأخير كان عدم انتخاب المجلس التنفيذى لليونسكو المرشحة المصرية، السفيرة مشيرة خطّاب، لمنصب المدير العام الجديد للوكالة الدولية.
ليس لائقا استعراض تعابير الهجوم على اليونسكو وعلى الدول المشكِّلة لها ولمجلسها التنفيذى، ومن بينها دول لمصر معها مصالح أكيدة، فضلا عن علاقات متعددة الجوانب، ولكن فلننظر إلى علاقة اليونسكو بمصر، من جانب، ثم إلى المكانة المتميزة التى شغلها المصريون فى منظومة الأمم المتحدة، من جانب آخر. بعد ذلك سنحاول تبين أسباب عدم انتخاب المرشحة المصرية للمنصب الدولى المرموق.
***
بشأن علاقة مصر باليونسكو يكفى تماما أن نذكِّر بأن هذه المنظمة هى من تولّت إنقاذ آثار النوبة، ومنها معبد أبو سمبل، فى عملية هندسية جبارة جمعت لها التمويل من مصادر ودول عدّة، وكان ذلك على عهد مديرها العام الفرنسى رينيه ماهو. إنقاذ آثار النوبة من أهم ما قامت به اليونسكو فى تاريخها، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، والمستفيدة كانت مصر ومعها بالطبع الحضارة الإنسانية جمعاء. ليس متصورا أن يقال فى أى مكان فى العالم أنه لا ضرورة لليونسكو، ولكن الشيء المذهل هو أن يصدر هذا الكلام من مصر بالذات.
أما عن مواقع المصريين فى منظومة الأمم المتحدة، فقليلة هى الدول النامية، بل الدول قاطبة، التى شغل مواطنوها مواقع الصدارة التى شغلها المصريون. الدكتور بطرس غالى شغل أعلى المناصب وهو الأمين العام للأمم المتحدة لفترة خمس سنوات. والدكتور محمد البرادعى كان مديرا عاما للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهى من الوكالات المتخصصة، لثلاث فترات بلغ مجموعها اثنتى عشرة سنة، فترة واحدة منها ضد رغبة الولايات المتحدة. الدكتور إبراهيم حلمى عبدالرحمن كان أول مدير تنفيذى لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، ولفترة سبع سنوات، عندما نشأت هذه المنظمة مع شقيقها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) فى الستينيات من القرن العشرين، بعد سنوات قليلة من موجة تصفية الاستعمار، تطبيقا للنظرية البنيوية فى التنمية الاقتصادية، لتشجيع التصنيع فى الدول المستقلة حديثا وإدخال تغييرات بنيوية على الاقتصاد العالمى. الدكتور مصطفى كمال طلبة كان المدير التنفيذى الثانى لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لمدة سبعة عشر عاما من السبعينيات وحتى بداية التسعينيات. وفيما تحت الأمانة العامة أو الإدارة العامة والتنفيذية، فى البنك الدولى، كان الدكتور إبراهيم شحاتة، ومن بعده صار الدكتور محمود محيى الدين، نائبا أول لرئيس البنك. فى محكمة العدل الدولية كان ثمة ثلاثة قضاة مصريين هم على التوالى الدكتور عبدالحميد بدوى والدكتور محمد عبدالله العريان والدكتور نبيل العربى. فى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة كان الدكتور جورج أبى صعب ومن بعده الدكتور فؤاد رياض ثم المستشار أمين المهدى قضاةً. وفى عضوية هيئة الاستئناف فى منظمة التجارة العالمية كان الدكتور سعيد النجار ومن بعده الدكتور جورج أبى صعب. كل هذه الأسماء والمناصب التى شغلتها كافية لتبيان أن مصر والمصريين مكرمون فى التنظيم الدولى. 
***
المعايير التى يقاس عليها عند اختيار من هم دون الأمناء والمديرين العموم والقضاة هى معايير كفاءة واختصاص فى المقام الأول، فضلا عن تمثيل الأنظمة القانونية المختلفة فى حالة القضاة. أما الأمناء والمديرون العموم فالكفاءة والاختصاص لا بدّ أن يكونا موجودين كمعيارين ولكن تنافسهما، وقد تجبّهما، اعتبارات السياسة والوزن الدولى والاتساق مع معايير النظام المؤسسى الدولى ومقاصده. الدكتور بطرس غالى اختصاصه العلمى كان التنظيم الدولى، ولكن لا يفوتنا أنه انتخب لمنصبه الرفيع فى السنة التالية لاشتراك مصر فى حرب تحرير الكويت مع ما استتبعه ذلك من تقدير القوى الأعظم لدورها، حتى أنها أعفيت بهذه المناسبة من نصف المديونية المستحقة عليها. فضلا عن تجربته كمسئول عن السياسة الخارجية المصرية لفترة طويلة فى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، فإن الدكتور بطرس غالى هو الأستاذ الوحيد المتخصص فى التنظيم الدولى، الذى اختير على رأس أى جهاز تنفيذى لمنظمة من منظومة الأمم المتحدة، ولكن لا هذا ولا ذاك كان العامل الحاسم فى انتخابه بل الموقف السياسى المصرى المذكور أعلاه. الدكتور محمد البرادعى كان موظفا فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأغلب الظن أن انتخابه كان يرجع إلى رغبة الدول الكبرى فى إضفاء مجرد طابع فنى على عمل الوكالة والبعد بها عن تقديرات السياسيين أو ممثلى الدول، حتى وإن كان الدكتور البرادعى قد فاجأها بعد ذلك بشهادته بأنه لا توجد أسلحة للدمار الشامل فى العراق وحرمانه الولايات المتحدة بذلك من المسوغ القانونى للتدخل العسكرى فيها. وبالمناسبة فإن هذا هو ما حدث فى الأمم المتحدة ذاتها فى نفس سنة انتخاب الدكتور البرادعى، 1997، عندما وقع الاختيار على أحد موظفى المنظمة، هو كوفى أنان، أمينا عاما لها. الدكتور إبراهيم حلمى عبدالرحمن لم يكن منصبه بالانتخاب بعد واختاره الأمين العام للأمم المتحدة لإنشاء منظمة هى تعبير عن تمرد الدول الجديدة على النظام الاقتصادى الدولى القائم، عندما كانت مصر فى صدارة هذا التمرد، ولكن دون أن تضع موضع المساءلة مقاصد التنظيم الدولى ومبادئه. الدكتور مصطفى كمال طلبة يجمع اعتبارات الكفاءة والاختصاص والسياسة. هو رأس فى سنة 1972 وفد مصر فى مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة فى ستوكهولم الذى أنشأ برنامج الأمم المتحدة للبيئة وتولى مباشرة منصب نائب المدير التنفيذى له ثم ارتقى إلى مرتبة المدير التنفيذى بعد سنوات ثلاث فقط. 
***
ما هى إذن الأسباب التى حالت دون انتخاب المرشحة المصرية لمنصب المدير العام لليونسكو؟ كان ذهن السفيرة مشيرة خطاب صافيا فى تحليلها خلال أحد البرامج التلفزيونية لأسباب حالت دون انتخابها. هى ذكرت إغلاق مكتبات عامة لخدمة الأطفال الفقراء وتثقيفهم، وقانون الجمعيات الأهلية، وحالة حقوق الإنسان فى مصر كأسباب وقفت فى سبيل انتخابها. ويمكن أن نضيف إلى ما قالته عن حقوق الإنسان أنها ليست حالتها فقط بل المساءلة فى معاييرها وقواعدها نفسها، وفى مسئولية المجتمع الدولى عنها وفى التعاون الدولى لتحقيق احترامها، وهو ما تنص عليه المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة وتؤكد عليه المادة الأولى من الميثاق التأسيسى لليونسكو عن أهداف نشأة المنظمة، التى تشدد على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وعدم التمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين. والقائمة تطول من قانون التظاهر إلى التعديلات على قانون العقوبات والحبس الاحتياطى المفتوح، والسكوت على التنصت على الناس والخوض فى خصوصياتهم، واللامبالاة أمام التمييز الذى يلقاه المواطنون الأقباط والاعتداءات على سلامتهم. المسألة ليست فى شخصية المرشحة ولا فى كفاءتها وإنما هى تتعلق باتساق دولتها مع منظومة القيم التى تعبر عنها المنظمة المعنية، وهى فى هذه الحالة منظمة عظيمة الحساسية؛ لأنها التعبير عن قيم الانفتاح والتعددية واحترام شخص الإنسان وحرياته وخصوصيته، وعن المساواة وعدم التمييز بين البشر. والمسألة ليست كذلك فى الدول الكبرى وحدها، الولايات المتحدة أو فرنسا أو غيرهما، فهى ليست لها ذات امتيازاتها فى الأمم المتحدة، والولايات المتحدة نفسها ليست راضية عن اليونسكو وهى أعلنت انسحابها منها، ولكنها أيضا فى دول أخرى لأصواتها قيمة فى انتخاب المدير العام. خذ عندك مثلا دول أمريكا اللاتينية السبع الأعضاء فى المجلس التنفيذى لليونسكو بسبب ما عانته من تجارب سلطوية قمعية ودموية، فإن دول أمريكا اللاتينية حساسة جدا بشأن كل ما يتعلق بحقوق الإنسان ويصعب تصوّر أن تمنح أصواتها لمرشح من دولة تستخف بها. 
لو كان الانتخاب لمنصب المدير العام لمنظمة فنية بحتة، كالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية أو حتى لمنظمة الأغذية والزراعة لربما، ربما فقط، تبدّلت المواقف وأمكن انتخاب مرشح مصرى. لاحظ أن المدير العام الحالى لمنظمة التنمية الصناعية صينى، ولكن المرشح الصينى لليونسكو لم يحصد فى أى من الجولات الانتخابية غير خمس أصوات فقط. 
لقد أبلت الدكتورة مشيرة خطاب بلاء حسنا واستطاعت أن تجمع عددا كبيرا من الأصوات تأييدا لها، ولكن انتخابها لم يكن متوقفا عليها ولا على بلائها الحسن.
إن كانت مصر تريد أن تكون ممثلة فى أعلى المناصب الدولية فإن عليها أن تتسق مع قيم النظام المؤسسى الدولى، وهو نظام لم تتقاعس دوله عن تكريمها مرة بعد أخرى بانتخاب مواطنيها أو اختيارهم لأعلى المناصب فيه.
أما إن كانت ستتمسك بالاعتراض على قيم النظام الدولى والتعريض بها، فإن عليها أن تصرف النظر عن أن يشغل مواطنوها المناصب الأعلى فى التنظيم الدولى حتى إشعار آخر.
إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات