مبادئ الإصلاح الدينى - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مبادئ الإصلاح الدينى

نشر فى : السبت 21 أكتوبر 2017 - 1:15 ص | آخر تحديث : السبت 21 أكتوبر 2017 - 1:15 ص

تحدثنا من قبل عن ثورة الإصلاح الدينى فى أوروبا عام 1517 والذى بدأ بتعليق مارتن لوثر 95 احتجاجا على باب كاتدرائية وتنبرج بألمانيا، يوضح فيها أن ممارسات الكنيسة ورجالها أبعد ما تكون عن تعاليم الكتاب المقدس من صكوك غفران وانحراف دينى وأخلاقى، وقد نجحت الثورة بفضل اختراع المطبعة حيث طبعت الـ95 احتجاجا وصارت بين أيدى الناس واكتشف الناس أن ما تقوله الكنيسة ليس مدونا فى الكتاب المقدس بل هو انحراف عنه، ثم تحدثنا عن أن المصلحين الدينيين وأبرزهم مارتن لوثر لم يكونوا من الكاملين بل كانت لهم أخطاؤهم لأنهم بشر، واليوم ننتقل إلى السؤال؛ هل مبادئ الإصلاح الأوروبية من 500 عام يمكن أن تكون هى نفس المبادئ أو ما يقابلها فى أى دين آخر على الرغم من الفارق فى التوجه الفقهى واللاهوتى؟
سجل لوثر خمسة مبادئ للإصلاح الدينى المسيحى ينتهى كل مبدأ فيها بكلمة «وحده» والخمسة هم «الكتاب المقدس وحده»، «المسيح وحده»، «الإيمان وحده»، «النعمة وحدها» ولو جردنا هذه المبادئ من الصيغة المسيحية لكى نضعها فى صيغة يمكن تطبيقها على أى دين فى العالم، يمكننا القول «الإيمان بالكتاب المقدس للدين وحده»، «الإيمان بالنبى الذى أتى بالكتاب وحده»، «الإيمان بالله وحده» و«مجد الله وحده» و«نعم الله وحدها على الإنسان» ودعونا نحاول أن ندرك لماذا استخدم مارتن لوثر كلمة «وحده» فى نهاية كل مبدأ ولنبدأ بـ«الكتاب المقدس وحده» فلكل دين كتاب مقدس واحد هو الموحى به إلى الرسول الذى حمله إلى الناس حيث يدعوهم من خلاله إلى عبادة الله والتوبة، وقد بقى هذا الكتاب بتعاليمه إلى أن انتقل النبى إلى الرفيق الأعلى وبعد وفاته ظهرت كتب عديدة موازية للكتاب المقدس تتحدث عن تعليقات من الحواريين أو الصحابة الذين كانوا حول الرسول، وهذه القصص والتعليقات جُمعت فى كتاب أو كتب بعد ذلك وصارت هذه الكتب بمثابة شرح للكتاب المقدس الأصلى أو تعليق عليه، والكل يعلم أن هذه الكتب ليست وحيا إلهيا لذلك لا تتساوى مع الكتاب الأصلى الموحى به، لكنها مع الوقت أخذت قدسية عالية وصار الناس يستعينون بها حيث تحتوى على قصص كثيرة سُميت فى المسيحية «التقليد الكنسى» وفاقت قداسة هذه الكتب الكتاب المقدس أو تساوت معه ومنها استقى البابا والأساقفة تعاليمهم عن صكوك الغفران وعن الحروب الصليبية وعن نجاسة المرأة الحائض... إلخ. ولقد قررت الكنيسة فى القرون المظلمة منع قراءة الكتاب المقدس عن الشعب وتمنحه فقط للكهنة والرتب الدينية العليا وصولا للبابا، وكان الكتاب المقدس يوضع على الرفوف ويمنع من القراءة إلا برخصة خاصة، قال أحد المصلحين: «إنه لا شىء يجب الإيمان به ما لم يكن مؤسسا على الكتاب المقدس ولا يجب إضافة شىء لتعليمه... وهو نموذج ومقياس لكل منطق، وقد أدت تعاليم هذه الكتب الموازية للكتاب المقدس إلى انقسامات داخل الشعب الواحد وقد وصل الأمر أن هناك تناقضا واضحا فى التعاليم التى بهذه الكتب مع الكتاب المقدس الأصلى، من هنا اكتشف مارتن لوثر أن ما يدعيه الباباوات والكهنة عكس ما هو مكتوب فى الكتاب المقدس وكان المبدأ «الكتاب المقدس وحده» وتطبيقه هو مفجر الإصلاح، حيث صار هو المقياس لكل تعليم أو تفسير آخر فإذا توافق التعليم الآخر فى الكتب الأخرى يُقبل التعليم وإذا كان مضادا يُرفض، لذلك إذا أردنا الإصلاح لأى دين علينا الاكتفاء بالكتاب الموحى به من الله.
***
أما المبدأ الثانى فكان «المسيح وحده» فالمسيحية تؤمن أن المسيح وحده هو الواسطة بين الله والناس وأنه هو الشفيع الوحيد، لكن ما حدث هو أن كثيرين من القديسين وتلاميذ المسيح تحولوا إلى شفعاء بين الله والناس لدرجة أنه فى القرون المظلمة قبل الإصلاح كانت صور وتماثيل هؤلاء أكبر من صور وتماثيل السيد المسيح وصار الناس يرفعون صلواتهم لهم لينقلوها إلى الله، ومن أبرز الذين أخذهم الناس شفعاء إن لم يكن أبرزهم السيدة العذراء مريم، من هنا لم يعد السيد المسيح هو الشفيع الوحيد، وهو ما حدث فى الأديان الأخرى، بل ظهر بشر أقرب إلى الناس من النبى الذى أرسله الله لهم بل وينافسونه بكتبهم وتعاليمهم. لذلك اضطر لوثر أن يقول «المسيح وحده» فلا شفاعة ولا وساطة لأى كاهن أو أى قديس لقد أصبح كل مؤمن قادرا على الاقتراب من عرش الله مع «المسيح وحده» كما أنه يتمتع بالمسيح الشفيع ولذلك رفض المصلحون القرار البابوى لأنوسنت الثالث ونصه «البابا هو نائب السيد المسيح على الأرض وخليفة بطرس الرسول وهو ممسوح من الرب إله فرعون وسيط بين الله والناس، هو (البابا) أدنى من الله لكنه أعلى من الإنسان يحاكم الجميع ولا يحاكمه أحد».
أما المبدأ الثالث فكان «الإيمان وحده» يؤكد الكتاب المقدس أن الإنسان يخلص بالإيمان أى يصبح ابنا لله بالإيمان والإيمان فقط ثم تأتى الأعمال كثمر للإيمان أو نتيجة له، لكن ما حدث أن الباباوات كانوا يريدون أموالا كثيرة لينفقوها على بذخهم وقصورهم وعلى بناء كاتدرائيات ضخمة وتزيينها بتماثيل ذهبية وفضية، هذا فضلا عن الحاجة إلى أموال طائلة لحشد الجيوش ومحاربة بعضهم بعضا وإرسال حملات خارجية، ومن هنا تحدثوا عن أن الله يتوب علينا بسبب الأعمال الصالحة وليس الإيمان، من هنا كتب لوثر «إن الأعمال الصالحة لا تصنع قديسا، إنما القديس يصنع أعمالا صالحة».
***
بالنسبة للمبدأ الرابع فكان «النعمة وحدها» ومعنى النعمة هى فضل الله على الإنسان بغفران خطاياه، وأن الله يغفر هذه الخطايا لا بسبب أعمال الإنسان لكن بسبب توبته وعودته نادما طالبا الغفران من الله وهنا ينعم الله عليه بالغفران، ومهما قام الإنسان بأداء كل فروض الصلاة والصوم والزكاة وترديد الآيات المقدسة وزيارة الأماكن المقدسة دون توبة حقيقية بدموع حقيقية، لن يستطيع أن يتمتع بنعمة الغفران فرضاء الله لا يُشترى بالمال أو بالعبادة الظاهرية وإنما بالقلب، ولذلك فالطريق الوحيد للوصول إلى الله هى نعمته التى يهبها لعبده الراجى لها والطالب بدموع وتهدج، وذلك لأن غفران الله لا يقدر بالمال ومهما قدم الإنسان كل ثروته للحصول على الغفران دون انكسار أمام الله لن يقبلها الله، فمهما كانت أعمال الإنسان سامية لن تجلب له الغفران، فالغفران يأتى بنعمة الله على عبده إذ يطلبها بدموع التوبة، أما الكنيسة فى ذلك الوقت فقد تحدثت أن لها كنزا من أعمال القديسين والتى زادت عما يطلبه الله وهو يمثل رصيدا تحت تصرف الكنيسة وللبابا سلطة استخدامها وتوزيعها، من هذا المنطلق كان لبابا روما وحده إصدار صكوك الغفران لشخص ثم بعد ذلك تطور الأمر لوالد ووالدة الشخص اللذين توفاهما الله بل والأجداد أيضا.
أما المبدأ الخامس والأخير فهو «مجد الله وحده» هنا يقول لوثر «ينبغى أن يكون كل شىء لمجد الله وحده»، أو كما نقول: «لوجه الله وحده» فمجد الله أو وجه الله يكشف لنا سر عظمة وروعة وجمال الله «الله جميل يحب الجمال» ومجد الله وحده معناه أن نعترف بقيمته وجماله المتأصلين فيه وبالتالى فتمجيد الله يعنى تسبيحه، وهذا المجد لا يجب أن نعطيه لأحد غير الله، وقد كان الناس قبل الإصلاح يعطون المجد للباباوات والقديسين وأصبحت رفات القديسين لها مجد خاص، ومجد الله وحده يعنى أن نحيا كل حياتنا نمجد الله ونستمتع به دون أن تشغلنا عن ذلك أى أمور أخرى أو أن نضيف لمجد الله وحده شيئا آخر.. عزيزى القارئ ألم أقل لك إن طريق الإصلاح واحد فى كل الأديان؟!

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات