داحس الجيش .. وغبراء الشرطة - وائل قنديل - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

داحس الجيش .. وغبراء الشرطة

نشر فى : الأربعاء 21 نوفمبر 2012 - 8:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 21 نوفمبر 2012 - 8:20 ص

المعركة التى دارت مساء أمس الأول بين قبيلة الجيش المصرى وقبيلة الشرطة هى التجسيد الكامل لغياب مفهوم الدولة فى مصر.. ولو قارنت بين هذه الحرب وبين حرب البسوس أو داحس والغبراء قبل عشرات القرون من الزمان ستكتشف أننا نعيش الآن فى العصر الجاهلى بامتياز.

 

وبصرف النظر عمن بدأ الاعتداء، ضابط الجيش المخالف، أم ضابط الكمين المتغطرس، فإن تطور المشكلة وطريقة إدارتها يكشف على نحو فادح وفاجع أن القائمين على القانون فى مصر هم أول من يدوسون القوانين بأحذيتهم ويتصرفون بمنطق زعماء القبائل وشيوخ الحارة، ورءوس الطوائف، ومن ثم جرت المعركة على مذهب أبناء الكار الذين ينصرون أقرانهم ظالمين ومظلومين، منكفئين على بدائيتهم، ومبتعدين تمام الابتعاد عن قيم التحضر التى يجسدها تطبيق القانون بشكل إنسانى.

 

إنها وبكل أسف لحظة ارتداد إلى قيم البداوة وقانون الطبيعة، وليس قيم الحضارة وقانون الحياة الإنسانية الذى اخترعه البشر لكى ينتقلوا من حالة القطيع السائب إلى حالة المجتمع البشرى المنتظم العقلانى الذى يرتقى بالحياة من وضعية الصراع الهمجى إلى وضعية إدارة الخلاف الطبيعى بين مكونات المجتمع بشكل يضمن البقاء على قيد حياة محترمة.

 

لكن الموقف على مأساويته لم يخل من مفارقات مضحكة، وإن صح أن طرفى الصراع مارسا عملية سطو على الحقوق الأدبية والفكرية للثوار، بأن استخدموا شعارات المتظاهرين الشهيرة فى الهتاف ضد بعضهم البعض، فهذا يعنى اعترافا صريحا وإقرارا لا شعوريا بمنطقية ووجاهة الشعارات الثورية التى أذاق هذان الطرفان صنوف التعذيب والتنكيل والكراهية.. فكما نقل على مواقع التواصل الاجتماعى كان ضباط الشرطة يواجهون ضباط الجيش بهتاف «يسقط حكم العسكر» فيما يرد الطرف الآخر «الداخلية بلطجية».. وهو ما يجسد مقولة «الشعب هو المعلم» بالفعل، ويكشف عن حالة نزوع من طرفين قاما بدور الجلاد لفترات طويلة للعب دور الضحايا.

 

ولو انتقلت من هذا المشهد إلى حرب البيانات والمؤتمرات الصحفية الدائرة بين فرقاء الجمعية التأسيسية ستجد نفسك أمام صورة أخرى من تجليات حروب القبائل والطوائف، فالحاصل أن الذين كانوا شركاء فى صناعة الدستور، الذى هو العقد الاجتماعى المؤسس لمجتمع إنسانى متحضر وليس مجتمعا طبيعيا غريزيا، قرروا الدخول فى حرب أهلية بائسة، كل طرف فيها يدعى لنفسه الصواب، وعلى خصمه الخطأ.. وكأن هذا الجانب كله ملائكة، بينما الجانب الآخر مجموعة من الشياطين، على الرغم من أن كليهما ظل يردد طويلا أناشيد التوافق والتعايش والتشارك فى صناعة ما يقيم حياة محترمة.

 

والكارثة الحقيقية فى الأمر أن كل هذه الاشتباكات القبلية البدائية أصبحت تلقى بظلالها على قضايا كنا نظن أنها محورية وراسخة كموضوع للإجماع الوطنى، مثل قضية العداء للكيان الصهيونى والوقوف بجانب الحق الفلسطينى، لينكشف الستار عن أصوات لا تمانع أبدا فى إظهار نوع النذالة الإنسانية مع عذابات الفلسطينيين فى غزة لمجرد أن خصومهم السياسيين فى الداخل يظهرون تعاطفا أكبر ويتخذون مواقف أوضح فى دعم أشقائنا الفلسطينيين.

 

إن هذا كله يصلح كعلامات على سقوط حضارى عنيف، وأعراض لداء عضال بدأ يتسلل إلى الشخصية الوطنية المصرية التى ارتفعت لأقصى مراتب الإنسانية والتحضر مع بزوغ فجر ٢٥ يناير،  ويراد لها أن تهبط إلى الحضيض مرة أخرى.

 

والسؤال مجددا: أين رئيس الجمهورية المنتخب ولماذا يبدو دائما وكأنه فى مقاعد المتفرجين؟

وائل قنديل كاتب صحفي